صحوت بسبب الألم، وعلى أثر سماعي لكلام وأنين، فرأيت حولي طبيباً أعرفه مع كادره الطبي ورأيت نفسي مجبسا مضمداً، ورأيت أهلي بقربي وأصدقائي، فهنؤوني على السلامة، وقالوا بصوت واحد: ألم ننهك عن السياقة؟ فأومأت لهم: بالإيجاب. ولكني لم أستطع أن أكمل، وأطرقت أفكر في ما الذي جاء بي إلى المستشفى؟! آه.. تذكرت أنها رغبتي في تعلـّم قيادة السيارة، حيث إني أعتقد أن السياقة مثل السياسة والاقتصاد والكمبيوتر والإنترنت والموبايل.. نعم.. نعم!!
وما ينطبق على السياقة ينطبق على البقية.
وتذكرت كيف ذهبت إلى جاري مهندس السيارات، ليعلـِّمني قيادة السيارة وصيانتها وبقية الأمور النظرية فيها.. ثم كيف حدث الحادث الأول بعد نزولي إلى الشارع، وبسببه دخلت المستشفى وتعرّفت إلى هذا الطبيب وكادره ونصحني الناس بترك قيادة السيارة!
ومازلت لا أعرف سبباً وجيهاً يمنعني من قيادة السيارة، اللهم إلا أن تكون قلة الخبرة هي السبب. وكلنا نعرف أهمية السيارة، وفي قيادتها تتجلى صفات الناس وأخلاقهم. ويتبين صبرهم، وتظهر حنكتهم. وتذكرت إصراري على دخول دورة السياقة في دائرة المرور، حيث تعلمت إشارات المرور وقوانينه واجتزت الدورة بنجاح باهر، وبعد نزولي إلى الشارع بأسبوع حدث الحادث الثاني، أنا الآن موجود ولم أفقد عزيمتي وإصراري و... وجاء صوت قطع سلسلة أفكاري وذكرياتي.. إنه صوت معلم عجوز محنك في السياسة والسياقة قال لي: ها..{لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين} ها..؟ فنظرت إليه مستغرباً وقلت: إذاً لماذا تمارس السياقة لحد الآن.. وقد شاب منك الأسودان؟!
قال لي بهدوء : لأنني أعرف قوانين الشارع وملابساته.. ففوجئت بكلامه وقلت له: حتى.. إني لم أسمع بهذا من قبل؟ ولم يذكرها أحد لي.. ما هي؟
قال: أولاً- الانتباه لكل شاردة وواردة، وعدم الإطمئنان إلى من في الشارع، ولا تغرنك ملابسهم وأناقتهم وشياكتهم، ولا تنظر إلى سياراتهم الفخمة وموديلاتهم الرائعة، فالرجال (مخابر وليس مظاهر).
ثانياً: ضبط النفس والسيطرة على كل الانفعالات، فلا يجرنك ما أنت فيه من السيارة ونعمة المال والشباب والتهور، وما لا تحمد عقباه، إعمل وتصرف (كأنك في جفن الردى وهو نائم).
فقلت: حقاً إن الحياة والسياقة (فن وذوق وأخلاق).
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat