صفحة الكاتب : رجاء بيطار

العيد الأخير
رجاء بيطار

المكان: مكة أم القرى
الزمان: الأول من شوال سنة ستين للهجرة
اليوم عيد !...
 كذا انتشر في جوار الحرم، وانصرف الناس يعايد بعضهم بعضاً...، وازدحم مجلس والدي بالغادين والرائحين...، يهنئونه بحلول العيد، ويهنئون أنفسهم بحلوله بينهم في الحرم المكي في هذه الأيام المباركة، على غير العادة من أيام عيد الفطر من كل عام، حيث تعودنا أن نقضيها بجوار قبر جدنا في المدينة، حيث كنا نصوم ونفطر.
ولكنها سنة غريبة، كل ما فيها غريب، صيامها، فطرها...، حتى عيدها ليس كالأعياد..!
لقد خصّنا والدي بالطيّب من الطعام والجديد من اللباس، جرياً على عادته في كل عيد، وبعد أن خصّ فقراء مكة بهذا وأكثر، إذ كان لا يدخل بيتنا شيئاً في أيام الصيام وغيرها، إلا كان آخر مطافه في العطاء، وقدوته في كل ذلك جدنا أمير المؤمنين..، الذي اكتفى من دنياه بطمريه ومن طعمه بقرصيه، بل إنه كان لا يشبع من طعام قط، حتى إذا سئل في ذلك أجاب: ((أأشبع وربما كان في بعض الأقفار من لا عهد له بالشبع؟!))
تلك أخبار حدثتني بها سكينة، فروت بها بعض ما يعتريني في كل حين، من ظمأ لا يرتوي، إلى أخبار جدي وجدتي الطاهرين...، ذينك النورين اللذين كانت إحدى ثمارهما وأزكاها وأنداها، ثمرة والدي الحسين..!
لله درك يا أبتاه، ما أرقّ قلبك وأحنّ فؤادك...، أنت أبو الأرامل واليتامى والمساكين...، إنك بحق وريث أخيك الحسن وأبيك علي، وجدك المصطفى وأمك الزهراء...، أنت أحد الذين ((يطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيرا))
  لست أدري لِمَ يزداد شوقي إليهم جميعاً حين أذكرهم، رغم أني لم أعرف أشخاصهم في هذه الدنيا، ولكني عرفت أنوارهم وأرواحهم، وقرأت عشقهم في سفرك المكنون...، ورأيت آثارهم في حركاتك وسكناتك، وخصالك وصفاتك...
ولكن...، ترى، لِمَ لم أر في وجهك فرحة العيد..؟!
إنك تتحفنا وتحادثنا، تريد أن تبهج قلوبنا...، ولكن أنى للبهجة أن تعرف سبيلها إليّ، وهي عنك في منأى..؟
أعلم أنه قد كتب علينا منذ زمن، منذ بداية المصائب والهموم، مع مصابنا بجدنا المصطفى وأمنا البتول، أن تكون أفراحنا أتراحاً، حتى وإن ألبسناها لبوس العيد...، ولكني أعلم أيضأ، أن لهذا العيد اليوم موقعاً مختلفاً عن كل عيد آخر!...
 وسمعت همساً في زاوية الدار...، أظنها كانت عمتي زينب تخاطب أبي وتناجيه، أو ربما تناجي أباها أمير المؤمنين، على عادتها كلما اشتدّ بها إليه الحنين:
((أهو العيد الأخير؟!... هل قضي الأمر وأُقِرّ المصير؟!.. إذا كان الأمر كذلك، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي القدير..!))
  همست الكلمات في أذني...، وعزفت على أوتار قلبي المشدودة، فدفعت في جوارحي دفقاً من الأسى العميق.
إن هذا العيد، لولا اضطراري فيه لإظهار السرور، مراعاةً لعزيزتي حميدة، ووفاءً بوعدي لأخي الحبيب عبد الله الرضيع، لما كان فيه من ((العيد)) إلا اسمه، وتبقى عينه وداله، (دمعاً)) على خدي أخفيه ولا أبديه، لكيلا يحزن والدي ويغتمّ، إذا رآني غير مبتهجة كما يحبّ لي أن أكون..!
(مقتطف من رواية "يوميات طفلة من كربلاء" للكاتبة رجاء محمد بيطار)


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


رجاء بيطار
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/04/09



كتابة تعليق لموضوع : العيد الأخير
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net