على أبصارِهم غِشاوةٌ
نرجس المهاجرة

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

نرجس المهاجرة
كانَ السوقُ يضجُّ بالازدحامِ، وكانَ هناكَ عجوزٌ يبيعُ الصابون، وآخرُ يبيعُ البخور، وشابٌ يصرخُ بأسماء الخُضار، وآخرُ يتذمّرُ من الأسعار، وقِطةٌ تلتقطُ بقايا الطعام، ثم ترتطمُ بقدمِ أحدِهم فتهوي في حُفرةِ المجاري تُصارعُ القاذوراتِ فيُرعبُها تزميرُ المركبات، فتغدو هاربةً هُنا وهُناك..
آهٍ، إنّها رائحةُ المعجنات مع الشاي، يكادُ أنفي يطير، جذبتني كما جذبتِ الكثير، امتلأ المقهى مع صورٍ أخرى؛ فهذا يقصُّ ماضيه، وهذا يتذمَّرُ من حاضرهِ ويَهجيه..
ما بال هؤلاء؟
أريدُ أنْ أستمتعَ مع الشايِّ، يبدو أنَّ ثمنَه ذهبَ هباءً..
نهضتُ مُتجهًا إلى الخارجِ لألحقَ بالباص، سرتُ خطواتٍ، وأنا أتابِعُ الوقتَ على ساعةِ معصمي، فإذا بي أرتطِمُ بشيءٍ لا يملكُ لنفسِه ثباتًا فهوى، وإذا بصغيرٍ رثِّ الثياب، غائرِ العينين، متشقِّقِ الشفتين، كأنّه ليلُ المرضى، تأمّلتُهُ ينظرُ إلى حذائي اللامع، وإلى أصابعِ قدمِه المُتجرِّحة، فما كانَ منّي إلا أنْ خلعتُهما ليتلقّفهما بنصفِ ابتسامة، فقد اعتادَ على حملِ ما لا يناسبُ حجمَهُ، فأعادَ النظرَ إلى جاكيتي المطري، وإلى يديهِ المُرتبطةِ ببعضِها بحثًا عن الدفء، فخلعتُهُ أيضًا ولففتُ به تلك العظامَ المتهالكة، وأعطيتُهُ النقودَ ليسدَّ الجوعَ الذي بينَ أحشائه، اختفى..
تابعتُ المسير، وكأنّي لستُ المسؤولَ عن هذا الأسيرِ، بل أشعرُ بأنّي مُتفضلٌ عليه وأعطيتُهُ الكثير، يا لسعادتي، أكرمتُ مِسكينًا!
فما كانتْ إلا بِضعَ خطواتٍ وإذا بها ترتمي عليّ النظرات، تُتابِعُها أسئلةٌ وشهقاتِ الضحكاتِ..
ما به؟
هل يُعيد أحلامَ طفولتِه؟
أينَ نسيَ حذاءه؟
عجبًا لم أفقدْ شيئًا سوى حذائي وانتبهتم إليه!
ما لِذلك الصبي الذي يُثير العجب، والفاقد لِكُلِّ شيءٍ تقريبًا... لم تروه، وغير غُبارِ أحذيتِكم لم تُطعموه!


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نرجس المهاجرة

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/02/06



كتابة تعليق لموضوع : على أبصارِهم غِشاوةٌ
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net