المسيح وشيعة لبنان: طُوبَى لِمَنْ لاَ يَعْثُرُ فِيَّ!
الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

بسم الله الرحمن الرحيم
(الحَمْدُ لِلهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ)(الإسراء111)، الحمد لله الذي خاطبه نبيُّه المؤيد بروح القدس عيسى عليه السلام بقوله: هذِهِ هِيَ الحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلهَ الحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ المَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ (يوحنا17: 3).
الحمدُ لله الذي قال عنه الكتاب المقدّس: أَنْتَ هُوَ الإِلهُ وَحْدَكَ.. لاَ مِثْلَ لَكَ يَا رَبُّ.. يَا رَبُّ، لَيْسَ مِثْلُكَ وَلاَ إِلهَ غَيْرُكَ..
من بيئةٍ عايشت المسيح في أيامه بحسب الكتاب المقدّس.. ينحدر راقم هذه السطور.. من قرية في وسط مثلث: صور وصيداء والنبطية: تدعى أنصار.
مُثلَّثٌ في جنوب لبنان، طاف فيه المسيح، يشفي المرضى في ربوعه كما في إنجيل متى: ثُمَّ خَرَجَ يَسُوعُ مِنْ هُنَاكَ وَانْصَرَفَ إِلَى نَوَاحِي صُورَ وَصَيْدَاءَ (متى15: 21).
والثابت أن المسيح بعد زيارته صيدا اتّجه شرقاً نحو النبطية.. وهو الذي ينقل أنّه: ترك والدته في إحدى مغاور عدلون، وهي قرية أخرى في هذا المثلث (تاريخ الموارنة ومسيحيي الشرق عبر العصور ج1 ص35).
وَلِصُور حكايةٌ في الدفاع عن عقيدة توحيد الله تعالى التي بشّر بها المسيح، حينما انعقد مَجمعُ صور سنة 335م، الذي اعتبر عقيدة التوحيد التي تُنفى معها ألوهية عيسى هي الحق المبين، وأبطلَ عقيدة التثليث، قبل أن تنقضّ عليه المجامع المسكونية الأخرى كمَجمع القسطنطينية.
أما النبطية التي استقبلت المسيح وسائر قرى هذه المنطقة، والتي آمنت بالإسلام بعد البعثة الشريفة، فإنّها اختارت طوعاً اتّباع أحد حواريي النبي محمد صلى الله عليه وآله، ووصيه علي بن أبي طالب عليه السلام، أبو ذرٍّ الغفاري، وتحوّلت إلى مدينة الحسين عليه السلام، حتى صارت تعرف بذلك.
وهكذا كانت سائرُ قرى جنوب لبنان، نماذج من هذه البيئة، كقانا الجليل التي أتاها المسيح: فَجَاءَ يَسُوعُ أَيْضًا إِلَى قَانَا الجَلِيلِ (يوحنا4: 46)، والتي تحتوي: أول كنيسة جاهر بها اللبنانيون وزيّنوا جدرانها بالرسوم والشعارات ورفعوا الصلبان فوق أعتابها.
إنها قرى لبنان: بلد الأرز، الذي قال فيه العهد القديم من الكتاب المقدس: هُوَذَا أَعْلَى الأَرْزِ فِي لُبْنَانَ جَمِيلُ الأَغْصَانِ وَأَغْبَى الظِّلِّ، وَقَامَتُهُ طَوِيلَةٌ، وَكَانَ فَرْعُهُ بَيْنَ الغُيُومِ.
وهي التي بقيت وفيّةً للمسيح حينما احتضن ترابُها قبرَ وصيّ عيسى بطرس، المعروف بشمعون الصفا، وعدداً من أنبياء الله تعالى.
من هذه البيئة ننطلق في هذا الكتاب، حيث عرف معظم أهلها أن المسيح محلّ ابتلاء كثيرٍ من الأمم، فقد قال يوماً: وَطُوبَى لِمَنْ لاَ يَعْثُرُ فِيَّ (متى11: 6).
لقد حاذر المسلمون في هذه البلاد من التعثُّر في المسيح عليه السلام، كما حاذروا من التعثُّر في عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فقد روينا في أحاديثنا: بَيْنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله ذَاتَ يَوْمٍ جَالِساً إِذْ أَقْبَلَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عليه السلام فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله:
إِنَّ فِيكَ شَبَهاً مِنْ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَلَوْ لَا أَنْ تَقُولَ فِيكَ طَوَائِفُ مِنْ أُمَّتِي مَا قَالَتِ النَّصَارَى فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، لَقُلْتُ فِيكَ قَوْلًا لَا تَمُرُّ بِمَلَإٍ مِنَ النَّاسِ إِلَّا أَخَذُوا التُّرَابَ مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْكَ يَلْتَمِسُونَ بِذَلِكَ البَرَكَة (الكافي ج8 ص57).
هذا الكتاب: الثالوث والكتب السماوية
نحاول في هذا الكتاب أن نقرأ الكتاب المقدَّس بعهديه (التوراة والإنجيل) قراءةً مجرّدةً عن أيّ حُكمٍ مُسبق، لنرى أن هذا الكتاب (على فرض صحته) هل هو كتابٌ توحيديٌّ أم كتابٌ تثليثيّ؟
ونتساءل: هل قال النصارى بالتثليث بناءً على الكتاب المقدَّس؟ بحيث تضَمَّنَ نصوصاً صريحة في ذلك؟
ولعل هذا السؤال يبدو غريباً للوهلة الأولى، إذ كيف للنصارى أن يعتقدوا بالثالوث ما لم يكن الثالوثُ دعوةَ المسيح في كتابه؟!
فليتابع القارئ الكريم معنا مستذكراً قول الكتاب المقدَّس نفسه: مَنْ يُجِيبُ عَنْ أَمْرٍ قَبْلَ أَنْ يَسْمَعَهُ، فَلَهُ حَمَاقَةٌ وَعَارٌ (الأمثال18: 13).
هي دعوةٌ لكل مسيحيٍّ أن يتقمّص دور الباحث في الكتاب المقدّس متجرِّداً عن الخلفيات التي قد توجِّهُه بعيداً عن دلالة النصوص..
ونشرع في فصولِ الكتاب، معتذرين من قرّائنا النصارى إن أورث عندهم غمّاً أو حزناً، فليس لنا أن نذُمَّ كلَّ غمٍّ وحزنٍ إذ قد يكون سببه انفتاح أبواب الحكمة ومعرفة الله معرفةً حقّة كما يشير إلى ذلك نبيُّ الله سليمان بحسب الكتاب المقدّس: وَوَجَّهْتُ قَلْبِي لِمَعْرِفَةِ الحِكْمَةِ وَلِمَعْرِفَةِ الحَمَاقَةِ وَالجَهْلِ، فَعَرَفْتُ أَنَّ هذَا أَيْضًا قَبْضُ الرِّيحِ. لأَنَّ فِي كَثْرَةِ الحِكْمَةِ كَثْرَةُ الغَمِّ، وَالَّذِي يَزِيدُ عِلْماً يَزِيدُ حُزْناً (الجامعة1: 17-18).
الحكمةُ كلُّ الحكمة في أن يصير أحدُنا مصداقاً لقول الله تعالى: (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ القَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ الله وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الالبَابِ) (الزمر18).
والحمد لله ربِّ العالمين
محمد مصطفى مصري العاملي
قمّ المقدّسة
في: 22-12-2019 م
الموافق 25 ربيع الثاني 1441 للهجرة الشريفة.
من مقدمة كتاب
((الثالوث والكتب السماوية))
يمكن مطالعة النسخة الالكترونية للكتاب عبر الرابط التالي:
https://www.yahosein.com/mix/books/Thaluth-Samawiya.pdf
والحمد لله رب العالمين
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat