وظيفة الحجج الرئيسية
عبد الناصر السهلاني
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
عبد الناصر السهلاني

🔹 لا يمكن قراءة نهضة سيد الشهداء (عليه السلام) منفردة ومستقلة عن حركة الائمة الباقين السابقين له واللاحقين (سلام الله عليهم اجمعين) فهم نور واحد ومشروعهم واحد و وظيفتهم الرئيسية واحدة ولكن وسائلهم تنوعت، فالوظيفة هي تبليغ الدين ولازمها حمايته وهداية الناس اليه كي يستمر بحملهم اياه، ولكن الوسائل الى ذلك اختلفت بحسب ظروف المعصومين (عليهم السلام)، فالمواجهة الدامية لسيد الشهداء وطريقة استشهاده المريرة التي اقرحت جفون اهل البيت (عليهم السلام) واسبلت دموعهم، لم تكن غاية بل وسيلة، وكذلك تقية الائمة من ولد الحسين (عليهم السلام) بعد نهضة ابيهم الشهيد المظلوم لم تكن غاية بل وسيلة لنفس غاية الحسين وجده وابيه واخيه (صلوات الله وسلامه عليهم) وهي تبليغ الدين وحمايته وهداية الناس اليه. فالتخبط الذي نراه في بعض الشعارات (والعنتريات) هو ناتج الخلط بين الغاية والوسيلة فجعلوا من الوسائل غايات وطالبوا الناس بالسعي اليها جاعلين منها اهدافا لسيد الشهداء وهو منها براء.
فالهدف الذي يستحق ان يُسفَك من اجله دم المعصوم هو دين الله فقط عندما يتعرض لعملية استئصال، والكلام في هذا المعنى نذكره في قسمين، الاول ما نحن فيه الان كمقدمة للثاني، فنقول:
منذ ان شاء الله تعالى ان ينزل آدم (عليه السلام) الى الارض شاءت حكمته تعالى ان يبتدأ مع هذا النزول تبليغ الدين لذرية آدم (عليه السلام)، وان يستمر هذا التبليغ الى ان يرث الله الارض ومن عليها، وهيأ لهذه المهمة مجموعة من صفوة خلقه وهم الانبياء والاوصياء (صلوات الله عليهم اجمعين) فكانت مهمتهم الرئيسية و وظيفتهم العظمى هي تبليغ الدين، ولازم هذا التبليغ حماية الدين، وهداية الناس اليه، بالحكمة والموعظة الحسنة في أمن وأمان.
يقول الله عز وجل: "كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ"(1)
"وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا ۚ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ"(2)
يقول النبي الاعظم (صلى الله عليه وآله): "يا معاشر قراء القرآن اتقوا الله عز وجل فيما حملكم من كتابه فإني مسؤول وإنكم مسؤولون إني مسؤول عن تبليغ الرسالة وأما أنتم فتسألون عما حملتم من كتاب الله وسنتي."(3)
ويقول امير المؤمنين (عليه السلام): "وأهبطه إلى دار البلية، وتناسل الذرية، واصطفى سبحانه من ولده أنبياء أخذ على الوحي ميثاقهم، وعلى تبليغ الرسالة أمانتهم…"(4)
ويقول (عليه السلام) في صفة الانبياء: "فاستودعهم في أفضل مستودع، وأقرهم في خير مستقر، تناسختهم كرائم الأصلاب إلى مطهرات الأرحام، كلما مضى منهم سلف، قام منهم بدين الله خلف، حتى أفضت كرامة الله سبحانه وتعالى إلى محمد صلى الله عليه واله"(5)
وعن الامام الباقر(عليه السلام) قال:
"وأيم الله لقد نزل الروح والملائكة بالامر في ليلة القدر على آدم، وأيم الله ما مات آدم إلا وله وصي، وكل من بعد آدم من الأنبياء قد أتاه الامر فيها، ووضع لوصيه من بعده، وأيم الله إن كان النبي ليؤمر فيما يأتيه، من الامر في تلك الليلة من آدم إلى محمد (صلى الله عليه وآله) أن أوصِ إلى فلان، ولقد قال الله عز وجل في كتابه لولاة الامر من بعد محمد (صلى الله عليه وآله) خاصة: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم - إلى قوله - فأولئك هم الفاسقون) يقول: أستخلفكم لعلمي وديني وعبادتي بعد نبيكم كما استخلف وصاة آدم من بعده حتى يبعث النبي الذي يليه " يعبدونني لا يشركون بي شيئا " يقول: يعبدونني بإيمان لا نبي بعد محمد (صلى الله عليه وآله) فمن قال غير ذلك " فأولئك هم الفاسقون " فقد مكن ولاة الامر بعد محمد بالعلم و نحن هم..."(6)
عبارة دقيقة في حديث الامام تشير الى الوظيفة الرئيسية للحجج (صلوات الله عليهم) وهي: " أستخلفكم لعلمي وديني وعبادتي" ثلاثة أمور هي اس الاستخلاف والتمكين:
"لعلمي" اي ما يتلقونه من علم الله تعالى لتبليغه الى الناس فهم حفظته والمستخلفين فيه.
"ديني" والاستخلاف للدين يعني المحافظة على اصله وصيانته من الخطر والذب عنه فهو امانة وكلوا بها من قبل خالقهم جل وعلا .
"عبادتي" والاستخلاف على العبادة اي نشر عبادة الله تعالى وهداية الناس اليها وحثهم عليها.
فلم تكن اصل بعثة الانبياء والاوصياء ان يكونوا محاربين وقادة جيوش ومواجهة وسفك دماء، فهذا ابعد ما يكون عن وظيفتهم الرئيسية التي بعثوا من اجلها، وانما كانت المواجهة في بعض مقاطع حياة الحجج (صلوات الله عليهم اجمعين) هي الاستثناء، وقد اضطروا اليها لانها كانت الوسيلة الوحيدة التي تساعدهم على القيام بوظيفتهم الرئيسية، في تبليغ الدين وحمايته من التحريف والاستئصال.
🔹 لنطالع هذا النص الشريف للامام الرضا (عليه السلام) والذي اخذناه من رواية طويلة يذكرها الشيخ الكليني (رحمه الله) وفيه ثلاث مراحل سنرقمها كي نرجع اليها:
قال (عليه السلام):
"١- إن الإمامة هي منزلة الأنبياء، وإرث الأوصياء، إن الإمامة خلافة الله وخلافة الرسول صلى الله عليه وآله ومقام أمير المؤمنين عليه السلام وميراث الحسن والحسين عليهما السلام إن الإمامة زمام الدين، ونظام المسلمين، وصلاح الدنيا وعز المؤمنين، إن الإمامة أس الاسلام النامي، وفرعه السامي، بالامام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد، وتوفير الفئ والصدقات، وإمضاء الحدود والأحكام، ومنع الثغور والأطراف.
٢- الامام يحل حلال الله، ويحرم حرام الله، ويقيم حدود الله، ويذب عن دين الله، ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة، والموعظة الحسنة، والحجة البالغة.
٣- الامام كالشمس الطالعة المجللة بنورها للعالم وهي في الأفق بحيث لا تنالها الأيدي والابصار.
الامام البدر المنير، والسراج الزاهر، والنور الساطع، والنجم الهادي في غياهب الدجى وأجواز البلدان والقفار، ولجج البحار، الامام الماء العذب على الظماء والدال على الهدى، والمنجي من الردى، الامام النار على اليفاع، الحار لمن اصطلى به والدليل في المهالك، من فارقه فهالك، الامام السحاب الماطر، والغيث الهاطل والشمس المضيئة، والسماء الظليلة، والأرض البسيطة، والعين الغزيرة، والغدير والروضة.
الامام الأنيس الرفيق، والوالد الشفيق، والأخ الشقيق، والام البرة بالولد الصغير، ومفزع العباد في الداهية النآد الامام أمين الله في خلقه، وحجته على عباده وخليفته في بلاده، والداعي إلى الله، والذاب عن حرم الله.
الامام المطهر من الذنوب والمبرأ عن العيوب، المخصوص بالعلم، المرسوم بالحلم، نظام الدين، وعز المسلمين وغيظ المنافقين، وبوار الكافرين.
الامام واحد دهره، لا يدانيه أحد، ولا يعادله عالم، ولا يوجد منه بدل ولا له مثل ولا نظير، مخصوص بالفضل كله من غير طلب منه له ولا اكتساب، بل اختصاص من المفضل الوهاب."(7) انتهى كلام الامام .
اذا لاحظنا المقاطع المرقمة نرى ان الامام (عليه السلام) تكلم اولا بلغة التوصيف للامامة بصورة عامة كمنصب الهي.
ثم انتقل ثانياً الى ذكر شخص الامام وعمله ووظيفته في موارد خمسة، يمكن ارجاعها الى تبليغ الدين ولازميه وهما الحمايته والهداية.
هذه الوظيفة لا يتخلى عنها الامام المعصوم تحت اي ظرف كان حتى لو ادى ذلك الى سفك دمه المقدس، فأصل مهمته هي ذلك.
ثم انتقل الامام ثالثا الى توصيف شخص الامام المعصوم بدون ان يسند اليه اي فعل، واطال في اوصافه اكثر من الفقرتين الاولى والثانية.
والآن نذكر بعض ما يتعلق بقراءة النص واستنطاقه:
قد يقول قائل: اننا من خلال التوصيف لمقام الامامة في الفقرة الاولى، والتوصيف لشخص الامام في الفقرة الثالثة، نستطيع ان نكتشف وظائف اخرى للامام، فالوصف له القابلية في الحكاية عن وظائف وان لم تنسب للامام صراحة؟
والجواب:
انه فعلا يمكن استنتاج وظائف اخرى يمكن ان يقوم بها الامام من خلال التوصيف لمقامه وشخصه، ومنها على سبيل المثال تصديه للحكم والخلافة السياسية، بل هي ثابتة لمقام الامامة ومشهورة قبل هذا النص اصلا فقد انيطت به من قبل رسول الله (صلى الله عليه واله) في عدة موارد واشهرها صراحة في يوم الغدير.
فوظيفة الحكم كما كانت للنبي فهي ثابتة للامام بعد النبي ايضا، ولكن الكلام في هل ان هذه الوظيفة من الوظائف التي من اجلها بعث الانبياء ونصب من اجلها الاوصياء والتي لا يمكن التخلي عنها تحت اي ظرف، ام لا ؟
هذه الوظيفة هل حالها حال وظيفة تبليغ اصل الدين وحمايته التي صرح بها الامام بكل وضوح مسندا فعل الذب عن دين الله الى الامام مباشرة بقوله: "يذب عن دين الله" وكذلك ذكر هذا المعنى مرة اخرى في اوصاف الامام عندما قال: "الذاب عن حرم الله"، فهل تلك الوظيفة كهذه؟
والجواب يخبرنا به كل الحجج انبياء واوصياء (صلوت الله عليهم اجمعين) من خلال سيرتهم (عليهم السلام)، فالخلافة والحكومة والرئاسة السياسية وظيفة اخضعوها للظروف وقيدوها بها فتصدوا لها في ظرف وتخلو عنها لمصلحة اهم في ظرف آخر، بينما وظيفة التبليغ والحماية فهذه يمكن ممارستها بدون حكومة، فهي غير قابلة للخضوع ابدا وتحت اي ظرف، فبإنتفائها يزول عنوان النبي او الوصي، فنبي لماذا ووصي على ماذا؟!!! لذا كانت هذه الوظيفة حاضرة وهي اس حركتهم حتى لو ادى نجاحها الى قتلهم.
🔹 ولا شك ان مهمة الخلافة الالهية التي انيطت بمقام الامامة، هي اعم من التصدي للحكم، فالامام خليفة الله والحاكم الشرعي سواء تم بسط يده ام لم يتم.
نعم الحكومة السياسية والرئاسة جعلها الله تعالى لهم فمهمة قيادة الدولة الاسلامية سياسيا قد عمل بها رسول الله (صلى الله عليه واله) وقررها بامر من الله تعالى لاوصيائه من بعده واولهم أمير المؤمنين (عليه السلام) في مناسبات عدة اوضحها واصرحها كانت في يوم الغدير عندما جعل المسلمين يبايعونه على امرة المؤمنين وانه اولى بهم من انفسهم.
هذه وظيفة من وظائف الامامة باجماع الامامية، الا انها ليست من الوظائف التي يجب ان يقوم بها المعصوم على كل حال، بل محكومة للظرف فلا تضحية بنفس المعصوم من اجلها، كلا والف كلا فنفس المعصوم المقدسة اولى بالبقاء من تسلم رئاسة سياسية، ضيعها عامة المسلمين، فتبليغ الدين وحمايته فكريا متيسر بدون الرئاسة، وهذا ماقام به جميع الائمة (عليهم السلام) بلا استثناء بعد النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله)، بعد ان اضطروا الى عدم القيام بها، بسبب غصبها منهم، وصبروا من اجل مصلحة اكبر وهي حفظ نفوسهم المقدسة، ونفوس المؤمنين، من اجل تأدية وظيفتهم العظمى.
ولاشك ان الامة لو التزمت وصايا النبي (صلى الله عليه وآله) وعملت على تسليم الحاكمية السياسية الى أئمة الهدى (عليهم السلام) لكان ذلك عاملا قويا في تبليغ الدين وهداية الناس اليه بصورة أكبر، وَلَنَعِمَ المسلمون بالخيرات والبركات، ورحم الله تعالى الصحابي الكبير سلمان المحمدي (رضوان الله عليه) عندما قال: "والذي نفس سلمان بيده: لو وليتموها عليا لأكلتم من فوقكم، ومن تحت أقدامكم، ولو دعوتم الطير لأجابتكم في جو السماء، ولو دعوتم الحيتان من البحار لأتتكم، ولما عال ولي الله، ولا طاش لكم سهم من فرائص الله ولا اختلف اثنان في حكم الله، ولكن أبيتم فوليتموها غيره فأبشروا بالبلايا، واقنطوا من الرخاء…"(8)
🔹 فمهمة تنظيم امور المسلمين في حياتهم ورعايتها كان الائمة اولى بها من غيرهم بلا اشكال، ولكون هذه المهمة لها الاثر البالغ من الاهمية وتعد حقا من حقوق أئمة اهل البيت (عليهم السلام) نجدها تذكر في بعض كلمات العلماء عندما يذكرون وظيفة الامام، فيذكرونها مع الوظيفة الرئسية، ويكتفون بهما، ومن الامثلة على ذلك ماذكره المرجع الميرزا الشيخ جواد التبريزي (قدس سره)، قائلا:
"نصب الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) الأئمة (عليهم السّلام) لأمرين :
الأوّل: مسألة إبلاغ النّاس الأحكام الشرعية؛ حيث إنّهم عدل القرآن كما ورد في حديث الثقلين، إذ قال (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنّهما لن يفترقا حتى يردا علىّ الحوض» ، فعلمنا أن بيان الأحكام وظيفتهم (عليهم السّلام).
الثاني: الزعامة على الرعيّة حيث أثبتها رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) في قضيّة غدير خم وغيرها، إذ أثبت لهم الولاية من بعده كما كانت له (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) في حياته ، والله العالم."(9)
وذكر ايضا وظيفتهم في تبليغ الدين كان لها دورين بحسب احتياج المرحلة التاريخية وان ذلك كان هدفهم الاساسي، حيث قال:
"الظاهر أن الأئمة (عليهم السّلام) كانوا على طائفتين:
طائفة منهم (عليهم السّلام) كان هدفهم الأساسي تثبيت عقائد الناس وبيان الأُمور الاعتقادية الدينية عملًا وقولًا، مثل الذي حصل بعد رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) إلى آخر قضية كربلاء، فإن هدف الأئمة (عليهم السّلام) من زمن مولانا أمير المؤمنين (عليه السّلام) إلى زمن مولانا زين العابدين (عليه السّلام) هو بيان المعتقدات الحقة، والأُمور اللازمة على الرعية.
الطائفة الثانية من زمن مولانا الباقر (عليه السّلام) كان أكثر همهم بيان الأحكام الشرعية الفرعية بعد ما تمت الحجة بالنسبة لمعتقدات الشيعة من بعد رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، بحيث لو أن شخصاً بصيراً اطلع على ما جرى بعد رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) إلى آخر ما انتهت إليه قضية كربلاء، لأيقن يقيناً تاماً جازماً بأن الحق مع شيعة علي (عليه السّلام)، وكان هؤلاء يشيرون في بعض الموارد إلى ما جرى بعد رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) حتى لا يُنسى، والله العالم."(10)
ومنها: ماذكره المرجع الشيخ الوحيد الخراساني (حفظه الله)، عندما كان يتحدث عن العصمة وكما تكون للنبي تكون للامام، فقال:
"بما ان مقام الامامة مقام حفظ القوانين الالهية وتفسيرها وتطبيقها، فان نفس الدليل الذي دلَّ على ضرورة عصمة النبي المبلّغ للدين ومطبّقه، يدل على ضرورة عصمة خليفته المحافظ على الكتاب والسنة والمفسر لهما ومطبقهما"(11)
وكذلك ذكر السيد محمد رضا السيستاني (حفظه الله) في بحثه الفقهي قائلا:
"إن وظيفة الإمام (عليه السلام) في الإسلام أمران تكون الإمامة بالنظر إليهما امتداداً للنبوة ..
الأول: تبليغ الأحكام الشرعية، فإن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إنما بلّغ الأحكام الأساسية، والإمام يتكفل بتبليغ حدودها ومتمماتها، وكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حسب ما ورد في روايات الفريقين قد أودع عند علي (عليه السلام) تفاصيل أحكام الشريعة، وعلّمه أبواب العلم كلها، ليكون مرجعاً علمياً للأمة بعده، ويتكفل بتبليغها إليهم.
فالإمام يقوم بتبليغ الأحكام بالإضافة إلى قيامه بدفع ما يثيره الكفار وأضرابهم من الشبهات حول الإسلام، كما وجدنا ذلك من أمير المؤمنين (عليه السلام) والأئمة (عليهم السلام) من بعده.
الأمر الثاني: تنظيم المجتمع الإسلامي والإشراف على إجراء الأحكام الشرعية وتنفيذها."(12)
وبعض آخر من العلماء نجده يكتفي بذكر الوظيفة الرئيسية فقط باعتبارها هي المقوم لعنوان النبي او الوصي، ومنهم المرجع السيد محمد سعيد الحكيم (حفظه الله) عندما كان يتحدث عن ظرف الامام الحسين (عليه السلام) الذي اقتضى النهضة، حيث قال:
"مع ان وظيفتهم (صلوات الله عليهم) باجمعهم هي رعاية الدين والجهاد في سبيل صلاحه وحمايته"(13)
🔹 ولنطالع احاديثا اخرى لاهل البيت (عليهم السلام) تصب في تأييد ما ذكر:
فعن سدير وقد سأل الامام الباقر (عليه السلام):
"جعلت فداك ما أنتم؟ قال: نحن خزان علم الله، ونحن تراجمة وحي الله، ونحن الحجة البالغة على من دون السماء ومن فوق الأرض."(14)
السؤال كان كبيرا في معناه، مختصرا في لفظه (ما أنتم)، والجواب جاء بثلاث صفات لاغير تشير الى وظيفتهم الرئيسية:
(خزان علم الله): فهم الوعاء الالهي لدين الله.
(تراجمة وحي الله): فهم المبلغون لهذا الوحي والمبينون والمفسرون له.
(الحجة البالغة): نعم بتلقيهم العلم الالهي وتبليغه كانوا الحجة البالغة التي من اجلها اصبحوا أوصياء وأئمة.
وعن الصادق (عليه السلام) قال:
"الأوصياء هم أبواب الله عز وجل التي يؤتى منها ولولاهم ما عرف الله عز وجل وبهم احتج الله تبارك وتعالى على خلقه."(15)
نعم لولا تبليغهم الدين وحماية اصله من التحريف، لما عُرِف الله تعالى وانتهى الاسلام واندرس.
وعنه (عليه السلام):
"ما زالت الأرض إلا ولله فيها الحجة، يعرف الحلال والحرام ويدعو الناس إلى سبيل الله." (16)
وعنه (عليه السلام) في حديث آخر في بيان لصورة من صور حماية الدين اللازمة للتبليغ:
"عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: إن الأرض لا تخلو إلا وفيها إمام، كيما إن زاد المؤمنون شيئا ردهم، وإن نقصوا شيئا أتمه لهم."(17)
🔹 ولنجعل الختام مسك بالذكر الحكيم، متأملين في آية البلاغ:
"يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ۖ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ"(18)
ان الله تعالى يرهن كل التبليغ الذي سبق بهذا التبليغ الاخير، فلو لم يبلغه النبي(وحاشاه) كأنه ما بلغ شيئا، يعني ينتفي عنوان المبلغ والرسول عنه !! ماهي صفة هذا الشي؟!
صفته انه الكفيل ببقاء الدين محفوظا الى يوم الحساب، بتنصيب الحجج.
فبهذا البلاغ الاخير يكون الضمان لاستمرار الدين بتشخيص المنبع الحافظ، وهو آل محمد (صلوات الله عليه وعليهم اجمعين)، سواء حكموا، ام لم يحكموا فان وظيفتهم في تبليغ الدين وحفظ اصله وحمايته قائمة لا تنازل عنها مهما كانت الظروف، فقوام كونهم اوصياء وحجج هو بالتبليغ لا غير، وكل ماعداه ليس مقوما، وان كان حقا لهم.
وبفضل الله تعالى، وفضل رسوله الذي أدى هذا البلاغ، والتبليغ الذي حفظ اصل الدين، نحن الان شيعة اهل البيت عليهم السلام.
فلله در رسول الله واهل بيته لما تحملوا من الاذى في سبيل الوفاء بوظيفتهم والامانة التي تحملوها من اجل هداية الناس وابقاء طريق الحق واضحا ناصعا لمن رامه وقصده.
"فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ…"(19)
والحمد لله اولاً وآخراً وصلى الله على محمد وآله أبدا
__________________________
1-(البقرة: (151)
2-(المائدة: 92)
3-(الكافي: ج2 ص606)
4-(نهج البلاغة: خطبة 1)
5-(نهج البلاغة: خطبة94)
6-(الكافي: ج1 ص250)
7-(الكافي: ج1 ص255)
8-(الاحتجاج: ج1، ص 151-152)
9-(الانوار الالهية: ص187)
10-(الانوار الالهية: ص185)
11-(مقدمة في اصول الدين: ص140)
12-(مناسك الحج: ج5، ص315)
13-(فاجعة الطف: ص10)
14-(الكافي: ج1، ص192)
15-(الكافي: ج1، ص193)
16-(الكافي: ج1، ص178)
17-(الكافي: ج1، ص178)
18-(المائدة:67)
19-(الشورى: 48)
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat