المُظاهراتُ الامريكيَّةُ والأَزْمَةُ الحَضارِيَّةُ
زعيم الخيرالله
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
زعيم الخيرالله

التظاهراتُ التي اندلعتْ في أكثَر من مِئَةِ مَدِينَةٍ أَمريكيّةٍ ، يوم الاثنين في مدينةِ مينابوليس في ولايةِ مينسوتا ، بعد اقدامِ الشُرطيِّ الابيض ديريك شوفين على خنق المواطنِ الامريكي ذي البَشَرةِ السمراء جورج فلويد .
ليست هذهِ أوَّلَ حادثةٍ يقتلُ فيها شُرطِيٌّ ابيضُ مواطناً امريكيّاً اسودَ فقد حدث قبل فلويد نفسُ الحادثِ لرجلٍ امريكيٍّ اسود هو " اريك جارنر" في نيويورك سنة 2014م ، الذي قُتِلَ خنقاً على يدِ رجلِ شُرطة .
الشرطَةُ الامريكيّةُ تقتل كل سنةٍ 1100 شخصاً ، ونسبة السود في القتلى 26% من هذا العدد ، وتعدادُ السود في امريكا يبلغ 26 مليوناً اي مايقارب 11.4% .
ثقافةُ القتلِ والعنفِ هي الثقافةُ السائدة التي روجت لها الافلامُ ، والروح العنصريّةُ التي يشيعها المفكرون المشبعون بهذه الروح ، فالحديثُ عن صدام الحضارات ونهاية التاريخ نابعٌ من هذه الروح الاستعلائيَّةِ.
ليست الأَزمَةُ في عُمقِها أزْمَةَ بطالةٍ ، وعدم اتاحةِ فُرَصٍ للعمل للسود ، وانما البطالة والمشكلاتُ الاقتصاديةُ مظهراً لأزمةٍ اعمق لها جُذورُها في الحكاياتِ الامريكيّةِ ، ولاأقول في التأريخِ الامريكي ؛ لانَّ امريكا ليس فيها تأريخٌ متسلسلٌ زمانِيّاً .
امريكا جاءها الأوربيونَ البِيضُ غُزاةً، ووجدوا سُكّاناً اصليينَ في القارّةِ ، قامَ الرَّجُلُ الابيضُ باستئصالهم ، ومحوِ ثقافتهم . وقامَ هذا الرجل باستجلاب السود من افريقيا واستعبادِهم .
للاسف، الذين يكتبونَ عن الرِّقِّ لايشيرون الى هذا الرقيق في العصر الحديث ، ولاينقُدُونَ التجربةَ الامريكيّةَ من قريبٍ ولابعيدٍ ، بل يصبونَ جام غضبهم على الاسلام الذي لم يؤسس للعبوديّةِ بل وجدَ العبوديّة واقعاً دولياً قائماً معمولاً بهِ انذاك .
الأَزمةُ في جَوهَرِها اعمقُ من ان تكونَ قضيةَ بطالةٍ وتعليمٍ وصحةٍ ، وان كانت هذه الأُمورمهمةً جداً وهي مظاهر الازمةِ التي تطفو على السطحِ.
المُظاهرتُ الامريكيّةُ تُعَبِّرُ عنْ أَزْمَةٍ حضارِيّةٍ راسخةٍ في البِنيَةِ الامريكيّةِ ، لم يُلغِها الغاءُ الرِّق على يد الرئيس الامريكيِّ ابراهام لنكولن الذي اصدرَ قرارَه في تحريرِ العبيدِ في الاول من حزيران عام 1863 ، والذي دفع حياتَهُ ثمناً لهذا القَرارِ الشجاع ، فقد اغتالُهُ مواطنٌ امريكيٌّ ابيضُ في يوم الجمعةِ في 14 ابريل سنة 1865م .
الازمة في امريكا ازمةُ وجوديّةٌ بنيويةٌ حضاريّةٌ ، كَرَّسَها الرئيس الحالي ترامب بسياساته العنصريّةِ ، والذي فشلَ في ادارةِ ازمةِ فايروس كورونا ، وكان مقتلُ فلويد القشةَ التي قصمت ظهرَ البعير.
على الساسة في امريكا اليوم ، ان ينتبهوا الى الخطر المحدق في بلادهم ، اذا لم يعالجوا المشكلةَ من جذورها ، ويوفروا العدالة والمساواة في مؤسسات الدولة ، ويؤمنوا بالتعددية التي هي منطقُ هذا العصرِ ، ولايعيشوا الماضيَ بكل ويلاته ومصائبهِ .
العنصرية داءٌ عُضالٌ ادى الى تدمير المانيا ، وضرب اليابان بقنابلَ ذريّة ، وادت الى نشوء النازيّة والفاشية والصهيونيّة وكل الوان التمييز العنصري ، التي برروها بتفوق الاجناس ، وفكرة شعب الله المختار.
اخشى على امريكا من التفكك اذا لم يدرك العقلاء خطورة العنصرية( والتي هي ازمة حضاريّة في جوهرها ، وخللٌ حضاري ) ، ويوقفوا الحمقى من جلب الكوارث على هذا البلد .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat