حلم رقية ،هينمات عشق وتراتيل عزاء
عبير المنظور
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
عبير المنظور

كأنسام الربيع عذوبة تنساب ضحكاتها البريئة على المسامع لتزرع البسمة ، بهية الحضور كإشراقة الشمس في الافق الملبد بالسحاب ، رشيقة الحركة كحمائم السلام تتطاير وتنثر البهجة في اسرتها كأي طفلة لا تتجاوز الاربعة اعوام ، وتزداد حركتها وتتسارع نبضات فؤادها الصغير قبيل الصلاة ، المحطة الروحية لتلك الطفلة فيخفق فؤادها وترتعش اعضاءها وهي تحمل باناملها الصغيرة مصلاة ابيها الى المحراب وهي تهيم شوقا بين اللقاءين ، لقاء الخالق في الصلاة ولقاء سيد الخلق ابيها الحسين ، انه الحلم الوردي الذي تعيشه رقية في لحظات الصلاة والعروج الى البارئ ببراءتها ولحظات ارتماءها بين احضان ابيها ، ومرت الايام ورقية ترفل في ذلك العالم الملكوتي وتذوب فيه عشقا لله وللحسين .
كان حلم رقية مفعما بالحياة مترعا بالامل حتى في سفر الحسين كانت رحاله في صحراء نينوى رغم الحر والعطش والترقب تزهو ببراءة حلم هذه الطفلة وعالمها الذي يمثله لها مصلاة ابيها ، كان حلما جميلا لها حتى تغيرت ملامحه واستحال كابوسا مريرا في يوم عاشوراء حيث ابيد الاهل والاحبة وتقطعت اوصالهم وتهشمت بين سنابك الخيول ولحظات الرعب عند الهجوم على المخيم وسلبه واحراقه
، تطايرت ذرات الحلم وتناثرت بين صرخات الاطفال المذعورين وعويل النساء الثكالى وصوت اخيها العليل يرن في مسامعها فرن على وجوهكن في البيداء ، فر الحلم وفرت رقية معه وهامت خطاها على الرمال اللاهبة نحو المجهول وهي لا تكاد تصدق ان حلمها قد لفظ انفاسه الاخيرة كانت متيقنة ان حلمها آتٍ مع شروق وجه الحسين ، اجالت النظر هنا وهناك علّها تجد حسينها ليوقظها من كابوسها ويعيد لها ذلك العالم البرئ ولكن عبثا ضاعت محاولاتها .
مرت سويعات لملم القدر فيها شتاته وانجلت الشمس الشاهدة على الفاجعة ليشهد القمر على انات الاطفال والثكالى المكممة خوفا من الضرب فيبدو وكأن الاصوات قد هدأت الا ان ضجيج الافكار والخواطر قد ملأ راس رقية علها تعلم علة هذا الكابوس واوان انتهائه ، ورغم ظلام الكابوس اشرق حلم رقية مجددا عند صلاة المغرب وهيأت مصلاة ابيها وانتظرت وطال انتظارها وما من حسين حلمها يأتي.
ورافق الحلم رقية في مسيرة السبي بين الامصار والقفار ويتكرر في اوقات الصلاة ولكن ظل حلمها صامتا واجما دون حسينها ، فلم تكن قيود الحبال والسلاسل في معصميها الصغيرين لتقيد حلمها فكانت تطبق كفيها وتتلو صلاة حب يخالطها الشوق والامل رغم السياط التي توالت على جسدها الغض واثارها من ازرقاق واخضرار واحمرار على بشرتها زرعت رقية مكانها امالا بتحقيق حلمها.
وانتهى المشهد الاخير من كابوس رقية في خربة الشام حيث عاشت حلمها في عالم الرؤيا وطاش لبها فرحا بلقاء الحسين ، وافاقت على ذات الكابوس الذي استمر خمسة وعشرين يوما ، أبت رقية الا ان تحقق حلمها فبكت وابكت من حولها فجيء لها بطبق وقالوا ان مقصودك في هذا الطبق ، ما ان رفعت المنديل عن الطبق حتى رأت حلمها مبتورا محزوزا مدمي الشيبة بلا جسد ليحتضنها ويضمها الى صدره فتمتمت بهينمات عشق وتراتيل عزاء واطبقت شفتيها على شفتي الحسين لتختم حياتها بتحقيق حلمها على شرف تلك الشفاه الذابلات ، واسدل الستار على براءة حلم لطفلة روت قصتها مأساة الطفولة في كربلاء .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat