اردوغان لم يتحمل القرار الفرنسي باعتبار انكار ابادة الارمن قبل قرن من الزمن جريمة يعاقب عليها القانون ولم يلتفت الى قراراته وتدخله في ليبيا وسوريا والعراق , لم يلتفت اردوغان باشا الى عنصرية حكومته تجاه الاكراد في تركيا وسلبهم حق الانتماء الى تاريخهم وثقافتهم . الحق ان لكل ظالم ظالما يساويه في الفعل ويعاكسه في الاتجاه , هذا قانون التاريخ وهو مستمد من الفيزياء .
طبعا نحن لا نؤيد القرار الفرنسي ونعده تدخلا فاضحا في شؤون الغير الى جانب اثارته لصراع جديد في المنطقة , وقبل ذلك فان فرنسا بماضيها الاستعماري وجرائمها في الجزائر في الحقبة الاستعمارية غير مؤهلة للحديث عن الجرائم المرتكبة بحق الشعوب .
عندما برز حزب العدالة والتنمية كحزب اسلامي سياسي في تركيا وازاح العلمانية من الحكم في استبشرنا خيرا واعتبرنا فوزه سيضع تركيا في المكان الصحيح , وهو الدفاع عن قضايا المسلمين في المحافل الدولية والابتعاد عن البوابة الاوربية الغربية التي ظلت انقرة تستجدي الدخول اليها لسنين طويلة ولم تفلح في فتح اقفالها . بشارتنا في بروز حزب العدالة والتنمية وتبوئه قيادة بلد مسلم كبير بدت تتحول الى هواجس ومخاوف من خلال اعتماد حكومة اردوغان سياسة هي مزيج من الطائفية والاحلام الامبراطورية التي تتطلع الى احياء الرجل المريض , والجيش الانكشاري , وطربوش الباشا العثماني . اليوم وحيثما تلتفت تجد طربوش الباشا في هذه الدولة وتلك من دول المنطقة , في ليبيا شاركت تركيا حلف الناتو في تدمير ليبيا وقواتها المسلحة , بينما لم تسمح بانطلاق العمليات البرية ضد نظام صدام من اراضيها , في سوريا تفتح تركيا حدودها للعناصر المتطرفة والسلفية للتدرب على السلاح , وقدمت لها من المؤن مالم تقدمه لضحايا الزلزال الذي ضرب مواطنيها حسب التقارير الصحافية , وفي العراق يهدد اردوغان باشا بان انقرة لن تقف مكتوفة الايدي في حال نشب نزاع طائفي ! نسي اردوغان باشا ان القوات المسلحة التركية تقود حملة قتل عنصري للشعب الكوردي في بلاده بينما يتمتع الكورد في العراق بما لم يتمتع به أي كردي في دول المنطقة , تناسى اردوغان باشا بان كل الطوائف والاديان تمارس طقوسها بحرية كاملة وبحماية الدولة والقانون , وان الخطر الذي يداهم تلك الطوائف ياتي ممن ينتمي لهم اردوغان وهم التيار السلفي الدموي الوافد على العراق من الخارج .
لقد كشف اردوغان باشا وحكومته عن ازوداجية لا تخفى على المتابع , فهو حذر حكومة البحرين عندما قمعت التظاهرات في بلادها من كربلاء جديدة لكنه بدأ يظهر بطائفية مقيتة في مواقفه من الازمة الاخيرة في العراق عندما يتهم الحكومة بمحاولة اثارة نزاع طائفي مع انها تضم السنة والشيعة في صفوفها وفي صفوف البرلمان ومجالس المحافظات بما لم يوفره اسلافه العثمانيون ولا السلاجقة للشيعة عندما احتلوا العراق لقرون طويلة , لقد قاد العثمانيون حملات قتل منهجية ضد الشيعة سواء في العراق او في لبنان وسوريا , ففي عهد الوالي نجيب باشا عام 1258 هجرية شن ذلك حملة على كربلاء المقدسة واهلها فقتل من العلماء وعامة الناس ما يزيد على عشرين الفا حتى كان يوضع في القبر الاربعة والخمسة فيهال عليهم التراب بلا غسل ولا تكفين , ووجد في السرداب الذي يقع في رواق العباس (ع) اكثر من ثلاثمائة قتيل . ( الاميني , شهداء الفضيلة )
قال أردوغان في كلمة أمام البرلمان : إن ساركوزي مهما كان "عدوا لتركيا وعنصريا" فإنه لا يستطيع الهروب من حقيقة أن جده من الأصول اليهودية طرد من إسبانيا وعاش تحت مظلة الدولة العثمانية ، واعتبر أن القانون – قانون ابادة الارمن - يدفع إلى عودة نمط تفكير العصور الوسطى.
لماذا تتناسى ياسيادة الباشا انك انت ايضا لا تستطيع الهروب من تاريخ اسلافك الدموي والعنصري عندما حكموا العراق ؟ ولماذا تعتبر قانون ابادة الارمن في فرنسا عودة الى نمط تفكير العصور الوسطى ولا تعتبر تصريحاتك الاستفزاية حول الوضع في العراق عودة الى نمط تفكير العصور الطائفية ؟ .
ووصف أردوغان القانون بأنه "عنصرية علنية وإعدام لحرية التفكير ومحاولة للملمة الأصوات المعادية لتركيا"، وأشار إلى أن "تركيا دولة كبيرة ولن نسمح لدول صغرى بأن تكبر من خلال مخاصمتنا".
اليست تصريحاتك يا سيد اردوغان حول العراق طائفية علنية , وهي تلملم الاصوات المعادية للعراق ؟ واذا كنت ترى تركيا دولة كبيرة , فهل العراق دولة صغيرة بنظرك ؟ وهل يسمح لك العراقيون بان تكبر من خلال الرقص على ازماتهم ومن خلال اذنابك من بعض السياسيين العراقيين ؟ هل نسيت ايها الباشا الجديد ان واشنطن اكثر منك جندا واقوى باسا واعظم حشدا ولم تفلح في العراق , بل انهارت قدرتها وسياستها في معالجة ازماته لانها غريبة عنه معتدية عليه فتركته وعيون رجالها تبكي حتى بعثوا الرسائل يستجدونها العودة من جديد ؟ .
ان ما شجع اردوغان وغيره من مسؤولي دول الجوار على حشر انفسهم في قضايا العراق الداخلية هو عدم شعور بعض قيادات الكتل السياسية بالمواطنة الحقيقية , واستقواء هذه القيادات بالاجنبي في صراعها الداخلي او في تنافسها على السلطة , فما زالت اصداء رسالة قيادات القائمة العراقية الى واشنطن ودعوتها لاحتلال العراق من جديد ترن في اجواء العراق , وقبل ان تهدأ اصداء تلك الرسالة سيئة الصيت قال بعض مسؤولي العراقية بان علاقاتهم متطورة وجيدة مع تركيا ! , نحن نعرف ان العلاقات تتطور بين الدول , فكيف تكون متطورة بين حزب او كتلة سياسية وبين دولة اجنبية ؟ ماهي الاجندات المشتركة ؟ ماهي القضايا التي تنسق فيها المواقف بين العراقية وبين انقرة ؟ . انها اسئلة يعرف العراقيون جوابها من خلال افتعال قيادات القائمة العراقية للازمة تلو الازمة , ومن خلال تجوال زعيمها على عواصم الشر الطائفي .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat