غالبية سكان العالم يؤمنون باديان سماوية ومعتقدات وضعية وكل منهم يعتبر ما لديه مقدس وكل منهم اختار ما يؤمن به بحرية كاملة ولم يجبره احد على ذلك بل ولم يعد احد بقادر على فرض معتقده على الاخرين الا بطرق غير اخلاقية وغير قانوينة و التي قد تكون احيانا عبر القانون ولكنها بخلاف روح القانون .
قداسة العقيدة و المبدأ عند الفرد تاتي من كونه يقدس مصدرها وبالتالي يعبر عن تقديسها من خلال التزامه بها وبتعاليمها وفيمن هناك من يلتزم بشكل دقيق بها فان اخرين لا يلتزمون ولكنهم يحاولون استغلالها للوصول الى مارب ومصالح غير مشروعة كما ان هناك عدد من الناس ممن لا يؤمن بشيء على الاطلاق فلا هو مؤمن بالديني السماوي ولا هو مع الوضعي البشري .
بطبيعة البشر الميالة دوما لمصالحها الشخصية دون النظر الى الاخرين جاءت الاديان لتهذب وتحدد هذا الاندفاع الشخصي المصلحي ولتجعله يقف عند حدود مصالح الاخرين ولذا تراها كلها قيم واخلاق وانماط سلوك تحاول تربية النفس البشرية على ان تكون جماعية وليست فردية ولما كانت الاديان لا تفرض على الشخص بالقوة المادية التزامه فان القوانين التي تضعها الدول تحد من حرية الشخص التي يقول البعض انها حرية مطلقة ومقدسة لا يمكن التعرض لها ولكن حتى الدول التي تعتبر حرية الفرد مقدمة على حرية المجتمع الا انها لا تمنح الفرد حرية مطلقة بل تضع لها حدود وبالتالي من يبرر استهانته بالاخرين وبمعتقداتهم بمفهوم الحرية فاننا نقول له اذا كان ممنوعا مناقشة حدث تاريخي وليس انكاره جريمة يعاقب عليها القانون فبكل تاكيد الحرية ان الاستهانة واهانة مقدسات الناس ليسن بحرية الا عندما تكون المعايير مزدوجة .
الحرية التي يريد البعض ان يقول بانها هي السند القانوني الذي يحصن من يهين الاديان والمقدسات هي حرية منتقاة لتحقيق اهداف غير مشروعة والا مالذي يمنع شخصا من ان يسير عاريا تماما في الشارع ؟ اليست حريته هي الشخصية في ان لا يرتدي اي ملابس فلماذا يمنع من ذلك ؟ لماذا تخصص مناطق خاصة للعراة ونوادي يتواجدون بها ولا يسمح لهم بالسير وسط المدن والذهاب الى اعمالهم وهم عراة ؟ اذن الحرية ليست مطلقة .
ولماذا يمنع القانون اي شخص ان يسير بسرعة تتعدى 30 كم بسيارته في منطقة مدارس الاطفال ولا يسمح له ان يتجاوز ال 120 في الطريق الخارجي وتفرض عليه غرامة مادية ؟اليست هي سيارته وهو حر في ان يسير باي سرعة يريد ؟ ام انها حماية للصالح العام فتتحجم وتتحدد حرية الفرد عند مصلحة المجتمع
اليست ابسط حرية يحصل عليها الانسان هو ان يختار بحرية اسم مشروعه التجاري او الخدمي؟ فلماذا و قبل يومين اصدرت المحكمة قرارا باجبار صاحب مطعم " سوشي " في مونتريا ل على تغيير اسم مطعمه لان الاسم الحالي والذي هو بغير لغة يعطي معنى فاحشا لو قرأ باللغة الانكليزية وهو ما يؤذي الذوق العام؟ رغم انه يمكن لاي منا ان يقول بان الانسان الذي لا يعجبه الاسم لا ينظر اليه ولا يقرأه ولا يدخل لياكل فلماذا نصادر حرية شخص لان يسمي مطعمه باسم يعتبره غيره فاحشا ؟
اذن هناك حدود للحرية يضعها القانون لمصلحة معينة ويفرض غرامات مادية او جسدية بالحبس لمن يخالفها وذلك حرصا على مصلحة المجتمع .
من هنا اقول بان كل مقدس عند الاخر هو محترم عند المؤمن الحقيقي ، بمعنى انه اذا كنت مؤمنا حقا بعقيدتك ودينك ومبادئك حتى لو كانت وضعية فانك لا يمكن ان تستهزئ وتهين معتقد ودين ومبادئ الاخر ، نعم ان تحاوره وتتناقش معه فهذا مكفول للجميع من باب حرية النقاش بل هو مطلوب لاثراء الاجواء بنقاش وحوار هادئ وموضوعي قد يصل الى نتيجة او قد لا يصل وقد تتحقق مشتركات وسطية ، اما ان تقوم بالتعدي عليه من خلال اهانة مقدسه او الاستهزاء به و التشنيع عليه فهو دليل على بطلان مقدسك انت وعدم كماله وانتفاء قيمته ، فالاديان السماوية تدعو الناس بالكلمة الطيبة و العمل الصالح وتدافع عنه عندما يريد الاخر الاعتداء عليها ولا يمكن ان يقوم دين على اساس نفي الاخر واغتصابه فكريا .
المتطرفون فقط هم الذين يعتدون على مقدسات الاخرين وطبيعة المتطرف انه ليس ملتزما بدينه او معتقده وانما يستغله لتحقيق مصالحه غير المشروعة ولذلك تراه عدوانيا وشرسا ووقحا لانه لا يملك حجة النقاش وعلمية الحوار.
في العراق عندما تعرضت كنائس المسيحيين في بعض المدن للاعتداء من المتطرفين ممن يدعون الاسلام اعلن المرجع الاسلامي السيد علي السيستاني بان كل المدن الشيعية المقدسة هي بيوت مفتوحة للمسيحيين ياتون اليها فنسكن معا وناكل معا ونعيش معا الى ان تستقر الاوضاع ، و قبل اعوام اعلنت الكنيسة في العراق عن الغاء احتفالاتها باحد الاعياد المسيحية المقدسة لانها صادفت نفس يوم العاشر من شهر محرم بالتاريخ الهجري والذي قتل فيه حفيد رسول الله محمد (ص) حيث تقام فيه مراسم حزينة للمسلمين و في الجمهورية الاسلامية الايرانية منعت الحكومة في نهاية الثمانينات دخول وعرض فيلم يتناول حياة السيد المسيح " عليه السلام" بصورة مسيئة ومهينة وذلك احتراما وتبجيلا لنبي من انبياء الله ورسله فيما كانت دور السينما العالمية تعرضه .
اذن المؤمن الحقيقي بمقدساته لن يسمح لنفسه باهانة مقدسات الاخرين بحجة الحرية التي تمنع عند محطات معينة وتطلق باقصى سرعتها عندما تتعلق بدين وعقيدة سماوية معينة ودائما ما تكون نتائج الاهانة عكسية بينما الحوار و النقاش و التسامح و المحبة يلقي بظل رحابته ودفئه وسلامه على اوسع رقعة ممكنة .
لم يستطع الفيلم الاخير الذي اساء الى نبي المسلمين من ان يحقق هدفه بافشال زيارة البابا الى لبنان وحتى اختيار التاريخ لم يحقق هدفه كما وانهم فشلوا في استدراج المؤمنين للاساءة لانبياء الله غير محمد حيث بقي المؤمنون الموحدون يؤمنون بنبوة نوح وابراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم السلام اجمعين .
ان ابشع صورة هي صورة مجموعة متطرفة مجتمعة معا تهدد وتتوعد وكل هدفها الغاء الاخر و الاساءة اليه وتشويه صورته بينما تتجسد احلى الصور في طاولة حوار يجتمع حولها موحدون وغير موحدين ومؤمنون وغير مؤمنين هدفهم اللقاء و التقريب وتبادل الافكار فيما تتوسط الطاولة مجموعة ازهار بالوانها المختلفة وروائحها الزكية ، فيخرج من الصورة الاولى دخان الحقد و الكراهية و البغضاء فيما الثانية تفوح ببهجة الالفة و المحبة و الانفتاح بكل تاكيد لن تجد الطاولة الاولى من يجلس عليها بل لن تجد لها مكانا في بلدنا بينما الثانية تكبر وتكبر لتغطي مساحة الوطن فتضفي الامان وتمنح الوئام وعلى الارض السلام .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat