أداة المالكى الطيعة
دأب رئيس الوزراء العراقى نورى المالكى على التأكيد بأن القضاء مستقل و أعلى سلطة فى العراق و أنه لا يتدخل فى شؤون القضاء ، و لكن كل المؤشرات تدل دلالة قاطعة على زيف هذا الأدعاء و بأن القضاء العراقي أصبح أداة طيعة بيد ه ، يستخدمه سلاحا ضد خصومه السياسيين و أزاحتهم عن طريقه بهدف بسط هيمنته المطلقة على كل مفاصل الدولةالعراقية و ترسيخ حكمه الدكتاتورى .
ولم يعد خافيا على احد اليوم خضوع مجلس القضاء الأعلى و المحكمة الأتحادية - لهيمنة المالكى ، من خلال مواقف عديدة اتخذتها المحكمة الاتحادية التي يرأسها رئيس مجلس القضاء الأعلى ، إسنادا لمواقفه السياسية و بخاصة فى ما يتعلق بتفسير عدد من فقرات الدستور لصالحه ، مما يتيح له البقاء فى السلطة الى أجل غير محدد ، رغم ان هذه المحكمة لا تمتلك صلاحية البت فى القضايا المتعلقة بتفسير مواد الدستور .
المالكى منح رئيس و أعضاء مجلس القضاء الأعلى و المحكمة الأتحادية دورا فخمة فى المنطقة الخضراء المحصنة و خصص لهم حمايات مسلحة كبيرة العدد ، وأجزل العطاء لهم على شكل رواتب و مخصصات مالية خيالية و أغدق عليهم الأمتيازات ، بحيث أصبحوا رهن أشارته و أسرى أرادته ، ينفذون ما يطلب منهم المالكى صاغرين ، لا يملكون رأيا يخالف رأى " القائد الأوحد " أو تفسيرا لنصوص الدستور غير ما يطلب منهم صاحب النعمة ، واهب الأمن و الأمان و العيش الرغيد لهم و لعوائلهم . وقد ذكرت و كالة " اسوشيتد برس " بهذاالصدد ، فى نبأ لها يوم 2011-12-30 : ما يلى : " قال مساعدون لرئيس الوزراء العراقي ان "سلطات المالكي تمنحه حق تعيين حمايات ومفرزات الأمن للقضاة، مع منحهم مساكن آمنة بعيدة عن المتشددين داخل المنطقة الخضراء المحمية، والمقصود من ذلك هو ان يصبح كبار القضاة يدينون بالفضل للمالكي". و كما يقال فقد " شهد شاهد من أهلها " . و فى الفقرات اللاحقة أشارات الى مواقف أنحاز فيها مجلس القضاء الأعلى و المحكمة الأتحادية الى جانب المالكى ضد خصومه السياسيين :
1- فى اعقاب الأنتخابات التشريعية الأخيرة التى فازت فيها القائمة العراقية ، استطاع المالكى و بناء على طلبه من استصدار قرار من المحكمة الأتحادية ، ينص - خلافا للعقل و المنطق و ما هو معمول به فى الأنظمة الديمقراطية و خلافا للدستور العراقى الذى اسهم المالكى فى اعداده – على ان زعيم أئتلاف ( الأغلبية التى تتشكل بعد الأنتخابات ) و ليس زعيم ( الائتلاف الفائز فى الأنتخابات ) ، هو الذى يكلف بتشكيل الحكومة . و مع هذا التفسير المتحيز لنص دستورى واضح و الصفقة التى أبرمها المالكى مع الجناح السياسى لميليشيا جيش المهدى بمباركة ايرانية و الأغراءات الكبيرة التى قدمها للمجلس الأسلامى الأعلى و حزب الفضيلة و الكتل السياسية الأخرى . ، لم يكن بوسع المالكى تشكيل تحالف للأغلبية بعد الأنتخابات ، لولا موافقته على ورقة المطالب الكردية ، التى أقسم اليمين على تنفيذها بحذافيرها و على أتفاق أربيل لتقاسم السلطة ،و قد تنصل المالكى كعادته من تنفيذ المطالب الكردية و من معظم فقرات أتفاق أربيل ، ونجم عن ذلك ما نشاهده اليوم من أزمات و صراعات على الساحة السياسية العراقية ..
2 - كما لجأ المالكى الى المحكمة الأتحادية للأستئناس برأيها حو ل أمكانية ترك بعض الحقائب الوزارية شاغرة الى حين الأتفاق بين الكتل السياسية على اسماء المرشحين لها . و يبدو هذا القرار فى الظاهر منطقيا ، اذا تم اختيار المرشحين لهذه الحقائب خلال عدة أيام أو أسابيع ، كما هو الأمر فى الدول الأخرى . و لكن نرى اليوم و بعد مضى أكثر من عام على تشكيل الحكومة ، ان الحقائب الأمنية ما زالت شاغرة ، و وزارتى الداخلية و الأمن الوطنى ، يديرهما المالكى شخصيا. و اًصدر دولته فرمانا بأسناد وزارة الدفاع الى وزير الثقافة وكالة بصورة شكلية مع أحتفاظ دولته بالأشراف التام و المباشر عليها.
كانت تلك مناورة سياسية مقصودة و مدبرة ، لأن المالكى رفض كافة المرشحين للحقائب الوزارية الشاغرة و بضمنهم قياديين من حزبه الحاكم ، ليضمن هيمنته المباشرة على الملف الأمنى و أحتكاره و عدم السماح لـ( شركائه ) فى أتفاق أربيل لتقاسم السلطة ، بتحمل جزء من مسؤولية الملف الأمنى .
أى ان المالكى هو المسؤول الأول عن الأمن فى العراق ، و مع ذلك فأن القضاء العراقى لم يحرك ساكنا و لم يطلب مساءلته عن تردى الوضع الأمنى الذى أودى بحياة آلاف المدنيين و العسكريين العراقيين . و لو حدث ذلك فى بلد آخر لكان المسؤول عن الأمن وراء القضبان ،.
3 – و الأعتقاد السائد سواء لدى الأدارة الأميركية – حليفة المالكى – أو الرأى العام العراقى ، ان المالكى هو حامى الفساد و المفسدين الأول فى العراق , وهو الذى يقف عقبة كأداء أمام محاسبة سراق المال العام و المرتشين و أحالتهم الى القضاء . و قد أصدرمجلس النواب العراقى مؤخرا ، قانونين جديدين لهيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية بما يضمن الرقابة المالية على اوجه الصرف و الأنفاق لميزانية الدولة و مكافحة الفساد على نحو أكثر صرامة. و نشر نصوص القانونين فى جريدة ( الوقائع العراقية ) الرسمية و أصبح تنفيذهما لزاما على السلطة التنفيذية ، و لكن المالكى ضرب عرض الحائط الأعراف القانونية و أرادة ممثلى الشعب و أصر على عدم تنفيذ القانونين المذكورين . و من اجل الشرعنة الشكلية لمخالفته القانونية الفاضحة ، لجأ مرة أخرى الى المحكمة الاتحادية العليا لنقض قانوني هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية. و تم له ما أراد ، و هل تملك المحكمة الأتحادية العليا رأيا يخالف رأى المالكى فى كل القضايا المعروضة عليها ! ؟ .
ملفات المالكى :
فى المؤتمر الصحفى الذى عقده رئيس الوزراء غداة تفجر الأزمة الأخيرة بسبب الصاق تهم خطيرة بنائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمى ، قال دولته " ان هناك ملفات أخرى ، لقادة الكتلة العراقية الذين يشغلون مناصب رفيعة فى حكومته ، سيكشفها في الوقت المناسب. أمام الشعب العراقى" كما أكد مجددا بأن القانون فوق الجميع و ان القضاة هددوه بالمحاسبة ، اذا لم يكشف (ملف ) الهاشمى و يعرضه على شاشات التلفزيون للشعب العراقى .
و هذا كلام بعيد عن الحقيقة و المنطق . لأن القانون لا يسمح لا فى العراق و لا فى اية دولة أخرى استغلال ملفات قضائية تتعلق بالإرهاب والفساد تمس أمن الدولة والمواطنين، والتلويح بها لإسكات الخصوم بدلاً عن تقديمها للقضاء". كما لا يسمح بعرض اعترافت المتهمين على شاشات التلفزيون قبل أكمال التحقيق فى القضية و البت فيها من قبل المحكمة ، و قد عارض السيد رئيس الجمهورية استخدام وسائل الاعلام التابعة للدولة في التشهير بالسيد طارق الهاشمي قبل التحقيق معه. و قد وعد المالكى بتأجيل عرض الأعترافات و لكنه لم يلتزم بوعده و عرضها فى اليوم التالى .
و رغم أعتراف المالكى العلنى بأنه قد أحتفظ بملف الهاشمى ثلاث سنوات و لديه ملفات أخرى كثيرة يحتفظ بها الى الوقت المناسب حسب قوله ، فأن القضاء العراقى لم يطالبه بتسليم تلك الملفات. و نحن نتساءل هل يجوز ذلك قانونا ، الا يقع تحت طائلة المحاسبة من يتستر على ملفات جرمية ؟
لقد عرض ما سمى بأعنرافات بعض عناصر حماية الهاشمى بعد يومين من أعتقالهم و حتى قبل استكمال التحقيق الأولى . و صدر ت مذكرة القاء قبض على الهاشمى ، و لكن دعوة رئيس الجمهورية لنائبيه الهاشمى و الخزاعى لحضور اجتماع لهيئة الرئاسة فى السليمانية أنقذ الهاشمى من أعتقال محقق ، فى حين ان هنالك مذكرة القاء قبض بحق مقتدى الصدر صدرت منذ منتصف عام 2003 بتهمة أغتيال الشهيد عبد المجيد الخوئى و لم تنفذ حتى يومنا هذا .
وهناك مذكرات القاء قبض بحق العشرات من المقربين من المالكى بتهم الفساد و التواطؤ مع الأرهابيين ، لم تنفذ لحد الآن . .
التفسير الوحيد لسلوك المالكى هو أستغلال الفراغ الناشىء بعد الأنسحاب الأميركى للقيام بخطوات أستباقية بهدف القضاء على المعارضة و للتفرد بالحكم و البقاء فى السلطة الى أجل غير مسمى و هذا ما أكده المالكى بنفسه فى مؤتمره الصحفى الذى عقده حول قضية الهاشمى ، حين قال " أن البعض حاول منذ اربع سنوات سحب الثقة عني ، ولم يتمكنوا ، وسوف لن يتمكنوا حتى بعد ست سنوات قادمة."
واعتبر المراقبون هذا التصريح بأنه رسالة واضحة بوجود نية لخرق الدستور و تعطيل الحق الدستوري لنواب الشعب العراقي المنتخبين بسحب الثقة عن الحكومة و وجود بوادر مبكرة لخطة ترسم خلف الكواليس من قبل المالكي لتعطيل أو تأجيل الإنتخابات البرلمانية القادمة من خلال إفتعال أزمات سياسية في البلاد .
وأضاف المراقبون ان تصريح رئيس الوزراء في تلميحه بالبقاء في السلطة للسنوات الست القادمة لايمكن اعتباره نبوءة بل يعبر عن انزلاق الوضع السياسي نحو الهاوية و اتجاه المالكي نحو السيطرة الاكبر على البلاد و سوقها نحو استبداد جديد بملامح و منهج بعيد كل البعد عن الديمقراطية .
و صفوة القول ان المالكى يستخدم القضاء و بخاصة مجلس القضاء الأعلى و المحكمة الأتحادية كأداة لتحقيق هدفه المعلن للبقاء فى السلطة لسنوات طويلة قادمة . و هو أمر لم يتجرأ على اللجؤ اليه و أعلانه على الملأ ، حتى أعتى الطغاة الذين سقطوا تحت ضربات شباب " الربيع العربى " .
أين القضاء العراقى من شلالات الدم العراقية التى اريقت على أيدى عناصر الميليشيات الأرهابية ، و أين القضاء العراقى من نهب و سرقة المليارات من الدولارات من قبل مسؤولين كبار فى الدولة
و متى تنفذ الأوامر القضائية بألقاء القبض على رؤوس الفساد الأدارى و المالى ؟
اذا كان القضاء اعلى سلطة فى العراق ، ، لماذا لا يتحرك الا عندما يريد المالكى ذلك !
القضاء يقف موقف المتفرج من كل التجاوزات على القانون و من كل أنتهاكات حقوق الأنسان و من كل الفساد الذى يزكم الأنوف ، بحيث أصبح من المستحيل اليوم فى عراق المالكى أبرام أى عقد أو أنجاز أية معاملة فى دوائر الدولة الا عن طريق الرشوة و المحسوبية أو الأنتماء الى الحزب الحاكم .
المهمة الأولى للقضاء العراقى اليوم هى حماية النظام القمعى ، وليس تطبيق القانون و حماية حقوق المواطنين ..
فى عراق اليوم المالكى هو القضاء و القضاء هو المالكى. كان الله فى عون العراقيين الذين تخلصوا من دكتاتور دموى ليحل محله دكتاتور دموى آخر ، رجعى حتى النخاع.
jawhoshyar@yahoo.com

التعليقات
يوجد 8 تعليق على هذا المقال.
و أذا قارنا سلوك الهاشمى خلال ممارسته لمهامه كنائب لرئيس الجمهورية مع سلوك المالكى كرئيس للوزراء نرى فرقا شاسعا لصالح الهاشمى . أما تهمة الأرهاب فقد ذكرت مصادر موثوقة " ان زوج السيدة أسراء هو الذى أغتال الأعلامى الشهيد هادى المهدى ، كما أن الدبلواسيين المعتمدين فى بغداد ذكروا أن سيارات الأرهابيين الذين نفذوا تفجيرات بغداد الأخيرة كانت تتحرك بحرية و من دون تفتيش داخل بغداد . "فمن هو الأرهابى ؟ حقا .؟
الجواب واضح للمتفتحة ابصارهم ويستطيع المقارنة بسهولة بعد تقييم منهج المتهم طارق الهاشمي عند ممارسته الى منصب نائب رئيس الجمهورية وهو ببساطة
1_ عدم تصديقه على معظم المحاكمات القضائية للمحكومين بجرائم الارهاب ضد الضحايا من الشعب العراقي
2_مساهمته في اخراج العديد من السجناء المتهمين بألارهاب
3_عدم مصادقته على الكثير من القرارات التي تهم الشعب العراقي عندما كان في هيئة الرئاسة
4_ خطاباته الطائفية والموجهة ضد الحكومة وأتهامها دائما بتنفيذها اجندات ايرانية
5_زياراته المتكررة الى دول داعمة للارهاب ومعادية للعراق وتصريحاته الطائفية والمعادية للحكومة من هناك وكأنه معارض لا مشارك ضمن الحكومة
هذا منهج الرجل المعلن والذي لا يحتاج الى دليل قاطع فهو معلوم من الجميع وامام الجميع لذا ارى ان الجواب واضحا هل اتهامه بالارهاب جاء منسجما مع منهجة ام شكل صدمة واستغرابا للبعض
1- لم يتطرق صاحب الموضوع الى الدستور والتفسير الواضح للمادة حيث تقول الكتلة الاكبر في البرلمان فهل شكلت العراقية الكتلة الاكبر .... اضافة الى ان علاوي اعترض في بداية تشكيل الحكومة الاولى .
2- لم يتطرق الكاتب ايضا الى اعتراض ائتلاف دولة القانون على مسالة العد وطالب من مجلس القضاء الاعلى العد اليدوي للاستمارات ونحن نعرف ما رافق الانتخابات من تزوير في عدة محافظات والفديوهات موجودة في اليوتب ليطالعها الكاتب وبت مجلس القضاء بجمع القائمة الاخيرة لكل محطة ولم يتم العد اليدوي راجع ايضا لماذا انسحب بعض اعضاء المفوظية العليا للانتخابات .
3- هذا ما تعتقد انت به فالبعض يرون بالسيد المالكي هو الذي يمثل المحاربة على الفساد فلا تدعي ان جميع العراقيين يعتبرون المالكي حامي الفساد وانما هو المحامي والمطالب بحقوق العراقيين ...
الملفات التي ذكرتها بيد المالكي ولو تلاحظ تصريحاته منذ البداية كانت بدون ادلة الى ان تم القبض على السيارة التي كانت تستهدف زوار العاشر من محرم الحرام ... كانت على شكل تقارير استخباراتية فهل يقدم المجرم الهاشمي للقضاء وهو يمثل نائب رئيس الجمهورية بدون ادلة .