الوحدة الإسلامية .. عنوان بلا مُستند

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 كثيراً ما أصبحنا نسمع من هنا و هناكَ دُعاة (إعلاميين و سياسيين) يدعون إلى ما يُسمى بـ(الوحدة الإسلامية) , و كما لا يخفى على أحدٍ مدى لمعان و بريق هذا الشعار و جمال ظاهره , و لكنه أيضاً لا يخفى على الكيّس و الفطن اللبيب من أنَّه ــ و للأسف الشديد ــ شعار ظاهره مليح و باطنه قبيح , بحيث أنَّ أغلب الدُعاة لهذا الشعار قد وصل بهم الأمر إلى أنْ يتنازلوا إلى أمورٍ دينية كثيرة تُعدُ من بديهيات و بعضها من ضروريات المذهب , بل و حاولوا أن يُوظفوا بعض النصوص الشرعية و يلوون عُنقها و يُؤولونها بما يتوافق مع شعارهم هذا الذي رفعوه , لأجل التوسعة في مكاسبهم و نفوذهم السياسية ليس إِلَّا , حتى لو لزم الأمر أن يكون ذلكَ على حساب الدين و العقيدة .

✍️ لذا نقول و الله تعالى هو المُستعان :

إنَّ ما يُسمى بـ(الوحدة الإسلامية) كعنوان فهو غير قابل للتحقيق ، لا على مستوى الأصول , و لا على مستوى الفروع ، و إنْ تنزلنا ــ جدلاً ــ و قلنا أنَّنا نشترك بالعناوين مع المُخالفين ، فمَا الفائدة إنْ كُنَّا مُتباعدين أشد التباعد في المضامين ! , فلسنا مُتفقين في التوحيد لا مع السلفية التي ترى التجسيم أو الأشعريَّة التي تقول بالكسب ، و لا مُتفقين في النبوة التي نرى نحن فيها رسول الله (صلى الله عليهِ وآلهِ) هو النور لا يأتيه الباطل مُطلقاً , و بين مَن يعتقد بنبوة رجل يبول واقفاً بالمزابل ــ و العياذ بالله تعالى ــ ، أمَّا الصلاة و الصيام فحدث و لا حرج , فأختلاف في الهيئة و الكيفية و غيرها من القضايا الفقهية ... , فإنَّنا كل ما نتفق عليهِ مع الآخرين هو لفظة الشهادة بـ(لا إله إلا الله و أنَّ محمداً رسول الله) .

و لكنَّنا مع ذلك الأختلاف كله فإنَّنا ندعو لِمَا هو أكثر واقعية من ذلكَ ، أَلَا و هو (التعايش السلمي) , و تقبُّل الآخر بعقيدته كما هي و لا نُلزمه بعقائدنا كما لا يُلزمنا هو أيضاً بما يعتقد ، فإنَّكَ ترى الظلم بأجلى صوره حينما يتقبل السِّني التعايش مع المسيحي و الملحد و الهندوسي و يحترمهم ، لكنه عندما يصل الأمر إلى الشيعي الموالي تراه يحمل كُرهاً و حقداً عليهِ ! , و لا يقبل التعايش معنا تعايشاً سلمياً كما نعيش نحن معه سلمياً , مع أنَّ الفقه الجعفري قد ضَمِنَ حق المُسلم من غير أتباع أهل البيت (عليهم السلام) ، فقد حقن ماله و دمه و عرضه ، و يُجيز للشيعة التزاوج منهم ، فهذا على مستوى الفقه ، و أمَّا على مُستوى العقيدة فما دام نطق بالشهادتين فهو مُسلم ، فهل على مستوى الفقه السِّني له مُقابل لذلك عملياً ?! , لأنَّنا في الواقع نرى الطرف الآخر يتحسس من كل شيء أسمه شيعي ، فهو محروم من العمل السياسي في بعض البلدان ، و محروم من إقامة شعائره الدينية و غيرها ، و يُعامَل كمواطن من مستوى متدني ، فيُحرم من الوظيفة ، و إنْ كان موظفاً فيُحرم من الإرتقاء الوظيفي ، بل و باتَ البعض يتحسس مِن لعن يزيد (لعنه الله تعالى) مع أتفاق الكل ــ إِلَّا النواصب ــ بأنَّه هو السبب الرئيس في قتل ريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله) و هو الإمام الحُسين (عليهِ السلام) .

فَلِمَ نُتَّهم بالطائفية ، و الطرف الآخر يتحسس من أعتقادنا بأولوية أمير المؤمنين (عليهِ السلام) بالإمامة و الخلافة ، مع أنَّه مِن ضمن منظومتهم الفقهية حُرمة غير الشيعي , و أمَّا الشيعي فلا حُرمة له أبداً عندهم .

بل و أصبحنا نُلعَن و نُسَب و نُشتَم و نُكَفَّر من أبناء جلدتنا و حُجَّتهم ــ كما يَدَّعُون ــ هو الحفاظ على ما يُسمى بـ(الوحدة الإسلامية) , و لنا على حُجَّتهم هذه مُلاحظتان :

🔹 المُلاحظة الأُولى : هم يدعون إلى (الوحدة الإسلامية) مع المُخالفين و لكنهم يتهجمون علينا و يلعنونا و يسبونا و يشتمونا و يُكفرونا , و بالتالي فهم يتوحدون مع طرف و ينشقون عن طرف , فأين يا ترى هي (الوحدة الإسلامية) التي يشندقون بها علينا ! , أليسَ (الوحدة الإسلامية) تقتضي الحفاظ على الوحدة مع أبناء مذهبهم قبل الوحدة مع غيرهم ؟! , فبفعلهم هذا فهم يكشفون عن عوار و زيف وحدتهم التي يرفعونها , و أنَّ لا واقعية لها .

🔹 المُلاحظة الثانية : كما قلنا أعلاه , إنَّ ما يُسمى بـ(الوحدة الإسلامية) كعنوان فهو غير قابل للتحقيق ، لا على مستوى الأصول , و لا على مستوى الفروع ، و ذلكَ لأنَّه لا يوجد عليها أي مُستند شرعي , بل لم نعثر على رواية واحدة تدعوا إلى شيء أسمه (الوحدة الإسلامية) , و لهذا السبب فنحن لا نعتقد بها , نعم فنحن نعتقد بـ(التعايش السلمي) , و هذا هو ما تدعو إليهِ حتى المرجعية العُليا خاصَّة و هو منهج حوزة النجف الأشرف المُباركة عامَّة , و أمَّا ما يُسمى بـ(الوحدة الإسلامية) فهو لا يعدو على أنَّه مُجرد شعار قد أُنشئَ في الدهاليز المُظلمة للأروقة السياسية يُضاف إلى الشعارات السياسية الأُخرى , و لا يمت هذا الشعار بأي صلة بالأوساط العلميَّة الحوزويَّة و لا بمبانيها الفقهية و لا بنصوصها الدينية .

:::

فـائـــدة : إنَّ البعض يدعوا إلى التقريب بين المذاهب الإسلاميَّة , و للتقريب توجد نظرتان :

🔸 النظرة الأُولى : تقول بأنْ يتحد المسلمون فيما أتفقوا عليهِ , و يتركوا فيما أختلفوا فيهِ , بل و لا يبحثونه بالمرَّة .

🔸 النظرة الثانية : تقول بأنْ يتحد المسلمون فيما أتفقوا عليهِ , و يكون سبباً لتقاربهم ، و أمَّا فيما أختلفوا فيهِ فيجلسون على طاولة الحوار الهادئ و الهادف , مُتقربين بذلك إلى الله سبحانه و تعالى فيتحاوروا , فإذا توصّلُوا إلى نتيجة فيما أختلفوا فيهِ فهو المطلوب , و إذا لم يتوصّلُوا إلى حلٍ فيما أختلفوا فيهِ فتبقى أخوتهم و محبتهم و يُواصلوا الحوار . و هذه النظرية الثانية هي التي يُركز عليها أكثر علماء مذهب أهل البيت (عليهم السلام) .

و لتحقيق التقريب بين المذاهب الإسلاميَّة على ضوء النظرة الثانية فلابد من التمسُّك بوصيَّة خير الرسل و خاتمها نبينا محمد المُصطفى (صلى الله عليه وآله) , فهو الحل الوحيد ، و ذلك يتم من خلال بحث أمور :

(1) ما هي وصيّة الرسول (صلى الله عليه وآله) لأُمّتهِ ؟ .

🔘 الجواب : حديث الثقلين .

(2) هل المقصود بالثقلين (الكتاب و العترة) ، أم (الكتاب و السنة) ؟ .

🔘 الجواب : إنَّ المقصود بالثقلين هما (الكتاب و العترة) ، كما وردَ بهِ الكثير من الأخبار الصحيحة في الصحاح و المسانيد المُعتبرة ، وأمَّا ما وردَ مِن الوصية بـ(الكتاب و السنة) فهو حديث ضعيف , و قد صرح بضعفه كبار محدّثِي علماء المُخالفين .

(3) مَن هم أهل البيت ؟ .

🔘 الجواب : فقد ورد في تفسير آية التطهير أنهم النبي و علي و فاطمة و الحسن و الحسين (صلوات الله عليهم أجمعين) .

(4) هل النساء من أهل البيت , حيث يُستدل بسياق الآية على دخولِهنَّ في مصداق أهل البيت ؟ .

🔘 الجواب : السياق حُجَّة إذا لم يرد دليل آخر يُخالفه و يُخرجه عن السياق ، و قد وردَ في هذا الروايات المُعتبرة التي خصصتْ أهل البيت بهؤلاء الخمسة (صلوات الله عليهم أجمعين) , و أخرجتْ غيرهم ، و حتى أنَّ أم سَلمَة (رضوان الله تعالى عليها) سألتْ النبي (صلى الله عليه وآله) : و أنا منهم ؟ , فأجابها : أنت إلى خير .

و بعد كل هذا فإنَّ التمسُّك بوصيَّة النبي (صلى الله عليه وآله) لأُمّتهِ هو خير طريق لإيجاد الوحدة بين المُسلمين , و خلاف ذلكَ يكون نفاقاً و ليس وحدةً ! , فنحن شعارنا وصيَّة النبي (صلى الله عليه وآله) و هو حديث الثقلين و لا نقبل بغيرهِ أبداً .

و دمتم في رعاية الله تعالى

من مدونات الاخوة الكتاب في الفيس 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/11/26



كتابة تعليق لموضوع : الوحدة الإسلامية .. عنوان بلا مُستند
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net