الإمام الكاظم وثقافة ردّ الفعل الهادئ
د . عباس كاظم
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . عباس كاظم

تمر اليوم ذكرى استشهاد سابع الأئمة، حفيد رسول الله، موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن فاطمة بنت رسول الله وابن علي بن أبي طالب (عليهم جميعاً الصلاة والتسليم).
ثلاثة مواقف تبين ما ذكرته في العنوان هنا (وهي أمثلة على مواقف كثيرة). الموقف الأول مع هارون الرشيد حين زار المدينة المنورة وطلب من الإمام مرافقته لزيارة قبر النبي (صلى الله عليه وآله) ، فلما وصلا أراد الرشيد أن يبين شرعية حكمه، وكان هذا الأمر موضع حِجاج بين العباسيين والعلويين. وضع هارونُ يدَه على القبر وقال مخاطباً النبي: "السلام عليك يا رسول الله يا ابن عمّ"، فوضع الإمام الكاظم يده وقال: "السلامُ عليك يا أبتِ." فعلم الرشيد والناس أن الحقَّ ليس مسألة لعب بالكلمات.
والموقف الثاني أنه لما سُجن ظلماً، لم يبدِ تذمراً ولم يشكُ من المظلومية، بل رأى في الأمر جانبه المشرق، فقال: "ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺇﻧﻚ ﺗﻌﻠﻢ ﺃﻧﻨﻲ ﻛﻨﺖ ﺃﺳﺄﻟﻚ ﺃﻥ ﺗﻔﺮﻏﻨﻲ ﻟﻌﺒﺎﺩﺗﻚ، ﺍﻟﻠﻬﻢ ﻭﻗﺪ ﻓﻌﻠﺖ، ﻓﻠﻚ ﺍﻟﺤﻤﺪ." ففعل ذلك حتى أرسل الرجل الذي وضع في عهدته إلى الرشيد قائلاً "إن لم تأخذه مني سأطلقه".
والموقف الثالث أنه مرّ على منزل فسمع صخباً يخرج من الدار مما يبدو مجاهرة بالمعصية، فلم يدخل إلى المنزل ليسمع صاحب الدار "كلمات في العظم" كما يحلو لجماعات "النهي عن المنكر" على مر الأزمان، بل اكتفى بأن يقول لجارية خرجت من البيت لحاجة: "لمن الدار؟" فقالت "لسيدي بِشر". فقال لها: "سيدك عبد أم حرّ؟" فقالت "بل حرّ". قال "صدقتِ. لو كان عبداً لاستحى من مولاه." فأثرت كلمته في بشر وغيرت سيرته الباقية.
يذكرنا سلوك الإمام الكاظم في حياته كلها بالفلسفة الرواقية في الأخلاق والسلوك، وهي مدرسة وضع أسسها زينون في القرن الثالث قبل الميلاد، من أهم مبادئها تحمل الألم من دون انفعال أو إبداء أي اعتراض، فالحكمة لديهم هي الخضوع لحكم الضرورة من دون تذمر وفي التحرر من الانفعال والتأثر بالفرح والحزن. وهذا سلوك قد يتفق على فضيلته وأفضليته أكثر الناس، إن لم نقل كلهم. لكنه سلوك لن يطيق عليه صبراً إلا الذين وهبوا طاقات تفوق ما تهبه الطبيعة البشرية للناس. ولعل بلوغ الإمام الكاظم أقصى درجات هذه الطريقة، أن اشتقت منها صفته "الكاظم" التي غلبت على أسمائه وألقابه وصفاته كلها. فسلام على "كاظم الغيظ" وجعلنا الله ممن يتعلمون من خلقه وسيرته.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat