صفحة الكاتب : د . صادق السامرائي

سامراء والحج!!
د . صادق السامرائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

"مرحبا حجاج مكة مرحبا"

هذه الأهزوجة التي كان أهالي سامراء يستقبلون بها حجاجهم العائدين من إداء فريضة الحج , والذين يتوجهون أولا لزيارة مرقد الإمام علي الهادي (ع) , وبعدها يتم زفهم في مسيرة تضرب فيها الدفوف والحناجر تصدح " مرحبا بالزايرين المصطفى" ,  "مرحبا حجاج مكة مرحبا".

 

وأذكر هذه الإحتفالية السامرائية بالحجاج , لأن عمّي كان من الذين يذهبون إلى الحج كل عام , وكنا نستقبله في الصحن , ونمضي معه في (الهوسة) بإتجاه شارع الشواف ومن ثم دربونة البومحمد الحمد (يوم كانت تعج بالحياة) , حيث كان يسكن في بيت جدي المقابل للديوان.

 

ويبدا إستقبال الحجاج عند مدخل المدينة , إذا يحتشد العديد من المستقبلين على جانبي سدة سامراء للتهليل بالقادمين والترحيب بهم , ويمضي الناس معهم إلى مرقد الإمامين حيث يبدأ الحجاج بتأدية الزيارة قبل زفهم إلى بيوتهم.

 

وكانت هذه المشاهد تتكرر كثيرا في المدينة , وهناك حجاج من أبناء سامراء يحجون كل عام , وكانوا من قدوات المجتمع في أخلاقهم وسلوكهم الإسلامي الرحيم.

 

وكانت الحاجّات أقل من الحجاج , وأذكر عندما حجّت إثنان من عمّاتي , تحول بيت جدي إلى إحتفالية متواصلة لأيام , ترحيبا بالعودة والإستماع لقصص الحج والمشاهدات , والوصف الدراماتيكي لزيارة قبر النبي والطواف والوقوف في عرفات وغيرها من مناسك الحج , وبعدها يتم توزيع الهدايا وماء زمزم على المحتفين بالعائدين من الحج , كما يتم إقامة القراءات إحتفاءً بسلامة العودة , وهي عبارة عن مدائح نبوية تُرَدد على قرع الدفوف.

 

وكان الذين يذهبون إلى الحج وحتى بداية القرن العشرين يوصون , لأن إحتمال عدم عودتهم قد يحصل , إذ كان الذهاب للحج أما سيرا على الأقدام أو على الإبل والخيول والحمير والبغال , والتي كانت تزدحم بها الديار المقدسة في مواسم الحج , ولا زلت أحتفظ بوصية جد أبي عندما ذهب للحج , والتي يوصي بها على كل صغيرة وكبيرة تتعلق بشوؤنه وأمر عائلته وغير ذلك من الأمور.

 

وفي مدينتنا يتحول الحاج والحاجة إلى قدوة سلوكية ومعيار للتعبير عن التفاعل الإسلامي الورع الرحيم اللطيف , فالحج لم يكن نزهة أو ترفا وإنما تحولا سلوكيا جوهريا في حياة الإنسان.

 

وكنا ننظرللحجاج  بعين الإحترام والتقدير , وبأنهم يمثلون الصدق والنبل والنزاهة والرحمة والسعي للم الشمل وإصلاح ذات البين , وتعليم الذين من حولهم ما هو صالح وقويم ونافع للدين.

 

فالحجي يكون له دور إجتماعي وتربوي وأخلاقي مؤثر في المجتمع , ولهذا مضى المجتمع الإسلامي في تماسكه وروعة تفاعلاته الإنسانية الطيبة الأليفة , وما تصدعت مكوناته رغم العاديات والنازلات الغازيات.

 

ومنذ أن تيسر النقل وأصبح الناس يحطون في مطار المدينة المنورة في غضون بضعة ساعات أو أقل , صار الحج لايختلف عن أية سفرة سياحية , وما عاد إلا فريضة تؤدى وحسب , وبعدها لا علاقة للحاج بالسلوك والأخلاق والقيم الإنسانية , ولا يعرف المسؤولية السلوكية والدور الإجتماعي القويم.

 

فلو أن المجتمع الإسلامي حافظ على قيمة الحج ودور الحاج في المجتمع , لما أصابه ما يحل به من التداعيات والويلات التي يقوم بها كل مدّعٍ بدين.

ومن هنا فلا بد من العودة إلى النظر في قيمة الحج ودور الحاج في بناء المجتمع الإسلامي المعبر عن الأخلاق والقيم والمعايير , التي أطلقها وفعّلها الإسلام منذ أول إنطلاقته , وقد أرسى  الرسول الكريم وصحبه أجمعين القدوة الحسنة والسنة الصالحة للترجمة السلوكية الضرورية ,  للسلامة الإجتماعية والصلاح البشري في كل مكان.

 

فهل سيمارس الحجاج دور القدوة السلوكية الصالحة الحَسنة في مجتمعاتهم؟!!


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . صادق السامرائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/11/12



كتابة تعليق لموضوع : سامراء والحج!!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net