صفحة الكاتب : حسن العاصي

الوعد الشرير .. صهيونية خبيثة ودهاء بريطاني
حسن العاصي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

حتى اللورد "آرثر حيمس بلفور" نفسه لم يكن يتوقع وهو يخط من مكتبه الأنيق في مقر وزارة الخارجية البريطانية رسالته الشهيرة الموجهة إلى المليونير البريطاني اليهودي "ليونيل والتر روتشيلد"، في الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني العام 1917 التي تضمنت وعداً من الحكومة البريطانية بأن تقوم "بإهداء" فلسطين العربية إلى الحركة الصهيونية العالمية، كي تقوم بتحقيق حلمها في إقامة وطن قومي لليهود، أن هذه الرسالة التي سميت فيما بعد "وعد بلفور" سوف تتسبب في أعظم كارثة إنسانية وسياسية في العصر الحديث، عبر اقتلاع شعب كامل من أرضه وطرده خارج وطنه، وإحلال شعب آخر مكانه تم جلبه من كل أصقاع الأرض.

رسالة غيرت وجه المنطقة مرة واحدة وإلى الأبد، ومازال الشعب الفلسطيني والشعوب العربية، بل وشعوب المنطقة تعاني من النتائج الكارثية لهذا الوعد.

إن أية قراءة موضوعية لمجريات الأحداث منذ بداية القرن الماضي للآن لابد وأن تقودنا إلى جملة من الاستخلاصات لعل أبرزها أن من يمتلك قوة الفعل يكون قادراً على التأثير في مجريات التاريخ، وأن من يمتلك الحق دون قوة لن يلتفت إليه أحد في عالم لا تعنيه كثيراً قضايا الضمير والعدل إن لم تتوافق مع مصالحة.

لقد استطاع المستوطنين الصهاينة الأوائل من بناء مؤسسات سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية وعسكرية على أرض ليست أرضهم في وقت كان اليهود فيه يعانون من معاداة النازية والفاشية لهم، وكانوا مطاردين في أكثر من مكان، بينما لم يتمكن الفلسطينيين ولأسباب متعددة منها وقوعهم تحت سلطة الاحتلال البريطاني الذي كان منحازاً بالكامل للمشروع الصهيوني، وبسبب قلة الموارد الاقتصادية والعسكرية، وبفعل عجز النظام الرسمي العربي آنذاك من نصرتهم، لم يتمكنوا وحدهم من التصدي لمخطط خطير وكبير كمشروع إقامة دولة لليهود في فلسطين.

ومن الاستخلاصات الهامة أيضاً، عدم قدرة إسرائيل منذ تأسيسها للآن على إخضاع الشعب الفلسطيني ودفعه للخروج من فلسطين، وأنه رغم خوضها أربعة حروب مع العرب، وحرباً خامسة في اجتياحها لبنان العام 1982، ورغم المجازر العديدة التي ارتكبتها بحق الفلسطينيين العزّل، وسياسة القمع والتنكيل والاغتيالات والاعتقالات والحصار، لم تتمكن إسرائيل من الوقوف في وجه الإصرار الفلسطيني على نيل كافة حقوقهم السياسية والوطنية في إقامة دولتهم المستقلة، رغم استمرار الصراع لأكثر من قرن من الزمن، تعرض فيه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى جملة من المؤثرات الموضوعية فرضتها التطورات التي شهدها العالم بدء من الحرب العالمية الأولى حتى ما بعد اتفاقيات أوسلو.

ونحن نستحضر الذكرى المشؤومة لوعد بلفور، لا بد لنا من التأكيد أن لاشيء تغير، لا آنذاك ولا الآن في طبيعة الصهيونية العدوانية التي أمعنت في ذبح الفلسطينيين-وما تزال- ولا في أيديولوجيتها التي توظف من خلالها وتمزج الدين مع الأساطير، ولا في ممارساتها التي تتنكر حتى لوجود الشعب الفلسطيني، ولا في السلوك الاستعماري البريطاني الخبيث الذي كان المسبب الأول لعذابات اللاجئين منذ النكبة للآن.

كانت وما زالت الحركة الصهيونية تؤمن بثلاث كلمات "شعب الله المختار"، وكانت وما زالت السياسة الاستعمارية لبريطانيا ترفض بعنجهية أن تضطلع بمسؤوليتها الأخلاقية والقانونية والسياسية في الاعتذار لشعب فلسطين عن المأساة السياسية والإنسانية التي ألحقتها به، بل أكثر من ذلك فإن الحكومة البريطانية تشدد على دعمها "للوعد" الذي وقعه آنذاك وزير خارجيتها المحافظ آرثر جيمس بلفور، وأنها سوف تقوم بإحياء ذكرى الوعد.

صهيونية لم تستثني من فصولها الإجرامية حتى يهود العالم لإجبارهم على الهجرة إلى فلسطين، ولم يسلم من الإرهاب الصهيوني حتى المجتمع الدولي حين قامت العصابات الصهيونية باغتيال الكونت "برنادوت" المبعوث الدولي إلى فلسطين، هي ذات الدولة البغيضة التي ولدت بفعل وعد بلفور، وما زال جنودها يطلقون النار على رؤوس الأطفال الفلسطينيين حتى الساعة.

مرت مائة عام على الوعد الخبيث، والشعب الفلسطيني إن كان من بقي في وطنه، أو من تهجر قسراً في المنافي، ما زال يتجرع المآسي من كأس اللجوء والاغتراب عن أرضه ووطنه.

بعد مائة عام يظل الباطل باطلاً، إن إعلان بريطانيا نيتها الاحتفال بوعد بلفور، يعني إهانة لقيم العدالة الإنسانية ومبادئ حقوق الإنسان التي لايمل الغرب من التشدق بها، بل هو في الأساس إهانة للقوانين والتشريعات البريطانية نفسها ومنطومتها الحقوقية.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حسن العاصي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/11/04



كتابة تعليق لموضوع : الوعد الشرير .. صهيونية خبيثة ودهاء بريطاني
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net