أَلذِّكْرَى [الأَربَعُونَ] لانتِفَاضَةِ [ الأَرْبَعِينَ] [٤]
نزار حيدر
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
نزار حيدر

لقد كان الثَّمنُ غالياً ولكن لا مناصَّ مِنْهُ إِذا تمثَّل شعبٌ من الشُّعوبِ بقولِ الشَّاعر؛
إذا الشَّعْبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَـاةَ
فَلا بُدَّ أَنْ يَسْتَجِيبَ القَـدَر
وَلا بُـدَّ لِلَّيـْلِ أنْ يَنْجَلِــي
وَلا بُدَّ للقَيْدِ أَنْ يَـنْكَسِـر
فلا ليلُ الظُّلمِ ينجلي صُدفةً ولا قيدُ الاستبدادِ ينكسر بِلا ثمنٍ! فلقد شاءَ الله تعالى وسننهُ في الحياةِ أَن وضعَ لكلِّ شَيْءٍ ثمنٌ! حتَّى البسمة لها ثمنٌ وللدَّمعةِ ثمنٌ فما بالكَ بالحريَّةِ والكرامةِ والدِّين والقِيم والشَّرف والنَّاموس والعِرض؟! الذي يصفهُ الشَّاعر بقولهِ؛
لا يسلمُ الشَّرفُ الرَّفيعُ من الأَذى
حتَّى يُراقَ على جَوانِبهِ الدَّمُ
وهذا أَميرُ المؤمنين (ع) مثلاً يصفُ الثَّمن الذي دفعهُ المسلمون الأَوائِل ليستقرَّ الدِّين الحقّ بقولهِ {وَلَقَدْ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ(ص) نَقْتُلُ آبَاءَنا وَأَبْنَاءَنَا وَإخْوَانَنا وَأَعْمَامَنَا، مَا يَزِيدُنَا ذلِكَ إلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً، وَمُضِيّاً عَلَى اللَّقَمِ، وَصَبْراً عَلى مَضَضِ الاْلَمِ، وَجِدّاً عَلى جِهَادِ الْعَدُوِّ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ مِنَّا وَالاْخَرُ مِنْ عَدُوِّنا يَتَصَاوَلاَنِ تَصَاوُلَ الْفَحْلَيْنِ، يَتَخَالَسَانِ أَنْفُسَهُمَا، أيُّهُمَا يَسْقِي صَاحِبَهُ كَأْسَ المَنُونِ، فَمَرَّةً لَنَا مِنْ عَدُوِّنَا، ومَرَّةً لِعَدُوِّنا مِنَّا، فَلَمَّا رَأَى اللهُ صِدْقَنَا أَنْزَلَ بِعَدُوِّنَا الْكَبْتَ، وَأَنْزَلَ عَلَيْنَا النَّصرَ، حَتَّى اسْتَقَرَّ الاِْسْلاَمُ مُلْقِياً جِرَانَهُ وَمُتَبَوِّئاً أَوْطَانَهُ، وَلَعَمْرِي لَوْ كُنَّا نَأْتِي مَا أَتَيْتُمْ، مَا قَامَ لِلدِّينِ عَمُودٌ، وَلاَ اخْضَرَّ لِلاِيمَانِ عُودٌ، وَأَيْمُ اللهِ لَتَحْتَلِبُنَّهَا دَماً، وَلَتُتْبِعُنَّهَا نَدَماً!}.
وفي يَوْمِ عاشوراء ثبَّتَ الحُسين السِّبط (ع) هذا المعنى بلسانِ الحال {إِن كانَ دينُ مُحَمَّدٍ لَمْ يَستقِم إِلا بقَتلي فَيا سيُوفَ خُذيني} فكان الثَّمن الذي يجب أَن يُدفع وكانَ الامامُ المستعدَّ لدفعِ هذا الثَّمن! فكانت كربلاء وكان الدَّم الذي انتصرَ على السَّيفِ!.
أَمَّا الذينَ ينتظرونَ التَّغيير بِلا ثمنٍ والحريَّة والكرامة بِلا ثمنٍ فسيطولُ انتظارهُم والسَّببُ ببساطةٍ لأَنَّ الله تعالى لم يخلُق شيئاً بِلا ثمنٍ! فانتظارهُم سالبٌ بانتفاءِ الموضوع كما يقولُ المناطِقة!.
ولقد شرحَ لنا القرآن الكريم معادلة الاتِّجار الحقيقي بقولهِ تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ* تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ* يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ* وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}.
وفي أُخرى {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.
فما الذي حقَّقتهُ إِنتفاضة صفر الخالِدة؟! وما الذي حقَّقتهُ كلَّ الانتفاضات والحركات الثَّوريَّة التي شهِدها العراق خلال السَّنوات العِجاف التي حكمَ فيها الطَّاغية الذَّليل صدَّام حسين ونظامهُ الاستبدادي الدِّيكتاتوري؟!.
قبلَ أَن نُجيبَ على هذا السُّؤال الحيوي، دعونا أَوَّلاً نستذكِر بعض الثَّمن الذي دفعهُ العراقيُّون إِبَّان إِنتفاضة صفر الباسِلة! وأَقصد بذلكَ الشُّهداء الأَبرار ومواقفهُم البطوليَّة التي خلَّدها التَّاريخ فتحوَّلت إِلى مدرسةٍ تتعلَّم منها الأَجيال معنى التَّضحية من أَجلِ القِيَم ومعنى الوَفاء بالالتزامِ بالعُهودِ والمَواثيقِ!.
٢٩ تشرينِ أَلأَوَّل ٢٠١٧
لِلتَّواصُل؛
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat