ثورة زيد بن علي وظروفها الموضوعية
د . عبد الهادي الطهمازي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . عبد الهادي الطهمازي

ثار زيد بن علي بن الحسين بن أبي طالب عليهم السلام في الكوفة سنة 122هـ، وكان لهذه الثورة ظروفها الموضوعية ومبرراتها الواقعية، كما كان لها آثار كبيرة في تحديد مسيرة الأمة في الفترات التي تلتها، فأضحت أول مسمار في نعش الدولة الأموية، وفاتحة عهد جديد لسلسلة من الثورات التي قادها أبنه يحيى، ومن ثم أتباعه الزيدية حتى سقوط الدولة الأموية، بل استمرت هذه الجذوة الى عصر الدولة العباسية حين اكتشف المسلمون أن بني العباس وبني أمية ما هما إلا وجهان لعملة واحدة.
والكلام في هذه الثورة يدور حول ثلاثة محاور:
المحور الأول: سبب إعلان الثورة.
السبب الأول:
أطلق زيد شرارة ثورته في عهد إمامة ابن أخيه الصادق عليه السلام، وكان الظلم قد شاع في ذلك العصر بشكل ملفت للنظر، فقدت أستتبت فيه الأوضاع لبني أمية، فطفقوا يبطشون بالناس، ويفترون على من شاءوا من المسلمين لتسقيطه وهدر كرامته، كما شاعت المنكرات لا سيما شرب الخمور والغناء وممارسة الفجور، فضلا عن دخول الأفكار الوافدة من الأمم التي دخلت الإسلام متأخرا، وربما كانت تلك العقائد تتعارض مع قيم الإسلام وأسسه.
والمسلمون انقسموا على أنفسهم الى خوارج ومرجئة ومعتزلة ....، وأهم من ذلك كله تسلط حكام الجور ممن تجاوزوا كل الحدود في ظلمهم وعسفهم واستهتارهم بأرواح المسلمين وأموالهم وأعراضهم.
قال البلاذري في أنساب الأشراف:ج3،ص338. أنه: ((وكان إذا بويع قال: أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيّه، وجهاد الظالمين، والدفع عن المستضعفين وإعطاء المحرومين، وقسم هذا الفيء على أهله، وردّ المظالم، وإفضال المحمرة –أي نصرة المسلمين من غير العرب الذين كانوا من أكثر طبقات المجتمع تهميشا وتعرضا للظلم-، ونصرنا أهل البيت على من نصب لنا الحرب، أتبايعون على هذا؟ فيبايعونه، ويضع يده على يد الرجل. ثم يقول: عليك عهد الله وميثاقه لتنبئن ظننا ولتنصحنا في السرّ والعلانية والرخاء والشدة، والعسرة والميسرة. فيبايع على ذلك)).
قال أيضا: ((وكتب زيد إلى أهل الآفاق كتبا يصف فيها جور بني أمية وسوء سيرتهم ويحضهم على الجهاد، ويدعوهم إليه، وقال: لا تقولوا: خرجنا غضبا لكم ولكن قولوا: خرجنا غضبا للَّه ودينه)).
السبب الثاني:
ما ذكره الشيخ المفيد أعلى الله مقامه في الإرشاد:ج2،ص171. من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والطلب بثأر الحسين عليه السلام، والغضبة لله تعالى، قال: ((وكان زيد بن علي بن الحسين عين إخوته بعد أبي جعفر عليه السلام وأفضلهم، وكان عابدا ورعا فقيها سخيا شجاعا، وظهر بالسيف يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر ويطالب بثارات الحسين عليه السلام)).
السبب الثالث:
الاستفزازات الشخصية التي قام بها هشام بن عبد الملك لزيد حتى وصلت الوقاحة وسوء الأدب مع آل الرسول صلى الله عليه وآله: أن دخل زيد يوما على هشام، فقال هشام: ((ما فعل أخوك البقرة –يعني الإمام الباقر عليه السلام-؟ فقال زيد: سماه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم باقرا، وتسميه بقرة! لقد اختلفتما)). (عيون الأخبار/ابن قتيبة الدينوري:ج1،ص312)
وزعموا أن عليه شخصيا دينا لخالد بن عبد الله القسري والي الكوفة السابق، فاستقدمه هشام لهذا الغرض، قال اليعقوبي في تاريخه/ج2،ص325: ((وأقدم هشام زيد بن علي بن الحسين، فقال له: إن يوسف بن عمر الثقفي كتب يذكر أن خالد بن عبد الله القسري ذكر له أن عندك ستمائة ألف درهم وديعة، فقال: ما لخالد عندي شيء! قال: فلابد من أن تشخص إلى يوسف ابن عمر حتى يجمع بينك وبين خالد. قال: لا توجه بي إلى عبد ثقيف يتلاعب بي، فقال: لابد من إشخاصك إليه)).
فكانت أمثال هذه الاستفزازات وغيرها سببا قريبا ومباشرا لثورة زيد عليه السلام، أعني رد الاعتبار لآل البيت عليهم، وقد صرَّح بذلك زيد نفسه علنا. روى الشيخ الكليني في الكافي: ((أن زيد بن علي بن الحسين عليه السلام دخل على أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام، ومعه كتب من أهل الكوفة يدعونه فيها إلى أنفسهم ويخبرونه باجتماعهم ويأمرونه بالخروج، فقال له أبو جعفر عليه السلام: هذه الكتب ابتداء منهم، أو جواب ما كتبت به إليهم ودعوتهم إليه؟ فقال: بل ابتداء من القوم لمعرفتهم بحقنا وبقرابتنا من رسول الله صلى الله عليه وآله ولما يجدون في كتاب الله عز وجل من وجوب مودتنا وفرض طاعتنا، ولما نحن فيه من الضيق والضنك والبلاء)).
إذن كان هدف الثورة الأهم هو رد اعتداءات القوم على آل البيت عليهم السلام واستهتارهم بحقهم، فكان لابد أن يقوم شخص منهم ليوقف الظالمين عند حدهم.
المحور الثاني:
مجريات أحداث الثورة
قال المؤرخون وكما سلف أن لخالد بن عبد الله القسري وديعة عند زيد، فاستدعاه هشام بن عبد الملك، وعامله معاملة سيئة حيث حجبه مدة أربعين يوما، ثم أذن له ومنع الناس أن يفسحوا له في المجلس، ودار حوار بين الرجلين كان قصد هشام منه استفزاز زيد ليستخرج المكنون في ضميره، وما استقر عليه رأيه من موقف تجاه السلطة. وقد نجح في هذه الخطوة الى حد ما حين سمعه بعض موالي هشام وهو يتمثل بأبيات من الشعر:
أذلُّ الحياة وعزّ الممات * وكلَّا أراه طعاما وبيلا
فإن كان لابدّ من واحد * فسيروا إلى الموت سيرا جميلا
(عيون الأخبار/ ابن قتيبة الدينوري: ج 1، ص 288)، فعرف هشام أنه مصمم على الثورة.
ثم أرسله الى والي الكوفة يوسف بن عمر الثقفي، وكان عليه السلام كارها الذهاب، إليه لعلمه بأن كل هذه المسرحية، الهدف منها التركيع وإذال سادات آل البيت لا أكثر.
وأخيرا مَثُل بين يدي يوسف بن عمر، وثبتت براءته من التهمة، بعد أن لم يستطع خالد القسري إقامة بينة على ما ادعاه، وقال زيد ليوسف بن عمر: كيف يترك عندي وديعة وهو يسب آبائي على المنبر كل يوم، فأطلق يوسف بن عمر سراحه. (تجارب الأمم: ابن مسكويه/ج3،ص134)
فأقام مدة في الكوفة، ثم ازعجه الوالي بالرحيل عنها لخوفهم من تحركاته، فسار الى المدينة لكنه ما لبث أن عاد الى الكوفة، وأخذ يتنقل من بيت الى آخر حذرا من السلطة الحاكمة.
ومدة قيامه في الكوفة اتخذ زيد بن علي عدة خطوات وتدابير بهدف تحقيق النجاح لثورته، وجمع أكبر عدد ممكن من الأنصار، ومن بين تلك الإجراءات
1-تغيير محل إقامة من وقت الى آخر للحفاظ على سرية تحركاته، وكي لا يقع في فخ السلطة الأموية.
2-تكرار عملية الخروج من الكوفة والدخول إليها، فمكث في البصرة شهرين، وفي الحيرة، لتبقى السلطة متحيرة في تفسير تحركاته، ولتطمئن أن خروجه ودخوله المتكرر الى الكوفة لا يشكل خطر عليها.
3-مصاهرة قبيلتين من قبائل الكوفة، حيث تزوج من بناتهم لتكون تلك العشائر عونا وسندا له.
4-استقطاب وجهاء المجتمع لا سيما الفقهاء حيث كان يختلف الكثير منهم إليه، وكان أولئك الفقهاء يحضون بمكانة اجتماعية مرموقة، كل ذلك بهدف جذب قلوب الناس له.
5-الكتابة وإرسال الرسل الى سائر الأمصار خصوصا المشرق الإسلامي، من أجل جمع أكبر عدد ممكن من الأنصار من جهة، ولتهيئة الأجواء التي ستفرزها الثورة في حال نجاحها.
وعرف والي الكوفة يوسف بن عمر وكان في الحيرة تحركات زيد عن طريق سليمان بن سراقة البارقي، فأرسل على عجل الى وكيله في الكوفة الحكم بن الصلت بجمع أهل الكوفة في المسجد الأعظم وحصرهم فيه.
فبعث الحكم بن الصلت إلى العرفاء والشرط والمقاتلة فأدخلهم المسجد. ثم نادى مناديه: ألا إن الأمير يقول: من أدركناه في رحله فقد برئت منه الذمة، ادخلوا المسجد الأعظم.
فأتى الناس المسجد يوم الثلاثاء قبل خروج زيد بيوم، وطلبوا زيدا في دار معاوية بن إسحاق بن زيد بن حارثة الأنصاري، فخرج ليلا وذلك ليلة الأربعاء في ليلة شديدة البرد من دار معاوية بن إسحاق فرفعوا المرادى (أعمدة الخشب) فيها النيران، ونادوا: يا منصور أمت أمت حتى طلع الفجر، فلم يخرج إليه سوى مائتين وثمانية عشر رجلا.
وأمر الحكم بن الصلت بدروب السوق فغلقت، وغلقت أبواب المسجد على أهل الكوفة وعلى أرباع الكوفة، وبعث إلى يوسف بن عمر فأخبره الخبر، فأمر يوسف مناديه: فنادى في أهل الشأم من يأتي الكوفة، وكان هناك عسكر شامي ثابت قرب الكوفة، فجاؤوا الى الكوفة مسرعين.
وبعد مناوشات وقتلى بين الفريقين يطول شرحها، صمد زيد ليلتين، ثم جاءه سهم غرب وقع في الجانب الأيسر من جبهته عليه السلام فقضى نحبه، وانتهت ثورته في الكوفة، بهذه السرعة رغم الإعداد الجيد، والجهد الكبير الذي بذله في سبيل نجاحها.
لكن كل مقدرات الأمة من المال والسلاح والعدد كانت بيد أعدائه، إضافة الى حبس أتباعه من قبل السلطة الحاكمة في المسجد، وغلق أسوار المدن القريبة من الكوفة لئلا يأتيه منها مدد، وتدخل الجيش الشامي فحوصر زيد عليه السلام وأتباعه بين شرط الحكم بن الصلت من الداخل، وجيش الشام من الخارج.
(ينظر: تاريخ الطبري:ج5،ص497 وما بعدها، تجارب الأمم:ج3، ص134 وما بعدها، أنساب الأشراف: ج3،ص240 وما بعدها)
المحور الثالث
شبهات وردود
الشبهة الأولى:
ثمة تشويشا كبيرا في الرؤى حول الاتجاهات السياسية والدينية لقائد الثورة زيد بن علي، فهل كان زيد بن علي على خط أئمة آل البيت عليهم السلام، أم كانت لديه اتجاهات سياسية أخرى تفصله عن الخط العام لآل البيت النبوي صلى الله عليه وآله؟
لا يوجد نص تاريخي صريح يدل على أن زيدا ادَّعى الإمامة الإلهية لنفسه، أو أنه وضع نفسه في قبالة الإمام المعصوم آنذاك (أعني أخاه الإمام الباقر عليه السلام، ثم ولده الصادق عليه السلام). (ينظر: الكافي ج1 ص336وما بعدها).
بل أتباعه هم من أدعى له الإمامة بعد شهادته، قال الشيخ المفيد في الإرشاد:ج2،ص172:((واعتقد فيه كثير من الشيعة الإمامة، وكان سبب اعتقادهم ذلك فيه خروجه بالسيف يدعو إلى الرضا من آل محمد فظنوه يريد بذلك نفسه، ولم يكن يريدها به لمعرفته عليه السلام باستحقاق أخيه للإمامة من قبله، ووصيته عند وفاته إلى أبي عبد الله عليه السلام)).
فادعاء اتباعه الإمامة الكبرى له لا تدل على ادعائه لها كما هو واضح.
الشبهة الثانية:
حاول زيد بن علي عليه السلام أن يجعل من ثورته ذات صبغة إسلامية، وكره أن تكون ذات اتجاهات شيعية محضة، فصدرت منه بعض التصريحات التي تلمح بشرعية خلافة الشيخين (أبي بكر وعمر) –على فرض صحة هذه الأخبار-، وكان هدف هذه التصريحات إضفاء طابع إسلامي على ثورته، وجعلها ثورة عامة يتبناها المسلمون جميعا.
قال البلاذري: ج 3 ،ص 240: ((اجتمع إلى زيد جماعة فقالوا: يرحمك الله ما قولك في أبي بكر وعمر؟ فقال: كنا أحق البريّة بسلطان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاستأثرا علينا، وقد وليا علينا وعلى الناس فلم يألوا عن العمل بالكتاب والسنة)).
وقد نجحت سياسته هذه نوعا ما حينما استطاع أن يكسب تعاطف جل فقهاء أهل السنة، بل مبايعة بعضهم له والقتال بين يديه، قال البلاذري في أنساب الأشراف: ج3،ص239: ((وكان قيس بن الربيع ممن بايع زيدا، وبعث زيد بن علي، عطاء بن مسلم -وهو ابن أخت سالم بن أبي الجعد- إلى زبيد بن اليامي يدعوه إلى الجهاد معه، فقال: أخبره أن نصرته حق وحط -أي حط للذنوب- ولكني أخاف أن يخذل كما خذل جده الحسين! وبعث إلى أبي حنيفة فكاد أن يغشى عليه فرقا! وقال: من أتاه من الفقهاء؟ فقيل له: سلمة بن كهيل ويزيد بن أبي زياد، وهاشم البريد، وأبو هاشم الرماني وغيرهم. فقال: لست أقوى على الخروج؟ وبعث إليه بمال قواه به)).
وبايعته جموع المسلمين في شتى الأمصار، قال الطبري في تاريخه: ج5، ص491: ((فأقبلت الشيعة لما رجع إلى الكوفة يختلفون إليه ويبايعون له حتى أحصى ديوانه خمسة عشر ألف رجل فأقام بالكوفة بضعة عشر شهرا إلا أنه قد كان منها بالبصرة نحو شهرين ثم أقبل إلى الكوفة فأقام بها وأرسل إلى أهل السواد وأهل الموصل رجالا يدعون إليه)).
وبايعه أهل واسط والمدائن حتى أضطر أمير الكوفة يوسف بن عمر الى غلق أبواب المدينتين لكي لا يلتحق منهم أحد بزيد. وبايعه أهل البصرة، والموصل، وخراسان، والري وجرجان، والجزيرة، وقد كان وجه دعاته إلى الآفاق فأجابه ناس من أهل كل ناحية، وبايعه الخوارج أيضا. (أنساب الأشراف:ج3،ص240)، فما كان زيد يتمكن من كسب هذا التعاطف الإسلامي الكبير إلا بسبب تصريحاته السياسية التي كان يهدف من ورائها جمع الكلمة والتفاف الأمة حوله.
موقف أئمة آل البيت من الثورة
لم يكن ثمة سببا يدعو الأئمة عليهم السلام للثناء على زيد لو كان عليه السلام منحرفا عن آبائه أو مدعيا الإمامة لنفسه، فلم يكن هناك خوف من اتباع زيد لتُحمل أقوالهم فيه على التقية، لكننا نجد في أغلب ما ورد عن الأئمة ثناءا عاطرا وموقفا عمليا مؤيدا لثورته، ومصححا لخطوته.
في حوار للإمام الرضا عليه السلام مع المأمون لما ثار زيد بن موسى بن جعفر عليه السلام في البصرة وأحرق دور العباسيين، ألقي القبض عليه وسيِّر الى المأمون ((وهب المأمون جرمه لأخيه علي بن موسى الرضا عليهما السلام وقال له: يا أبا الحسن لئن خرج أخوك وفعل ما فعل لقد خرج قبله زيد بن علي فقتل، ولولا مكانك منى لقتلته فليس ما اتاه بصغير.
فقال الرضا عليه السلام: يا أمير المؤمنين لا تقس اخي زيدا إلى زيد بن علي فإنه كان من علماء آل محمد غضب لله عز وجل فجاهد أعداءه حتى قتل في سبيله ولقد حدثني أبي موسى بن جعفر عليهما السلام انه سمع أباه جعفر بن محمد بن علي عليهم السلام يقول : رحم الله عمى زيدا انه دعا إلى الرضا من آل محمد ولو ظفر لوفى بما دعا إليه ولقد استشارني في خروجه فقلت له : يا عم ان رضيت أن تكون المقتول المصلوب بالكناسة فشانك فلما ولى قال جعفر بن محمد : ويل لمن سمع واعيته فلم يجبه
فقال المأمون: يا أبا الحسن أليس قد جاء فيمن ادعى الإمامة بغير حقها ما
جاء؟ فقال الرضا عليه السلام: ان زيد بن علي لم يدع ما ليس له بحق وانه
كان اتقى لله من ذلك أنه قال: أدعوكم إلى الرضا من آل محمد عليهم
السلام وإنما جاء ما جاء فيمن يدعى ان الله تعالى نص عليه ثم يدعو إلى غير دين الله ويضل عن سبيله بغير علم وكان زيد والله ممن خوطب بهذه الآية: ((وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم)). (عيون أخبار الرضا:226)
وكان الإمام الصادق عليه السلام يسأل عنه ويستقصي أخباره، قال عبد الله بن سيابة ((خرجنا ونحن سبعه نفر فأتينا المدينة، فدخلنا على أبي عبد الله الصادق عليه السلام فقال لنا: أعندكم خبر عمي زيد؟ فقلنا: قد خرج أو هو خارج. قال: فإن اتاكم خبر فاخبروني.
فمكثنا أياما فأتى رسول بسام الصيرفي بكتاب فيه: أما بعد فإن زيد بن علي عليه السلام قد خرج يوم الأربعاء غره صفر فمكث الأربعاء والخميس وقتل يوم الجمعة وقتل معه فلان وفلان.
فدخلنا على الصادق عليه السلام فدفعنا إليه الكتابة فقرأه وبكى. ثم قال: انا لله وانا إليه راجعون. عند الله احتسب عمي انه كان نعم العم، ان عمي كان رجلا لدنيانا وآخرتنا، مضى والله عمي شهيدا كشهداء استشهدوا مع رسول الله وعلى والحسن والحسين صلوات الله عليهم)). (المصدر السابق:288).
وقام عليه برعاية أيتام الشهداء مع زيد عليه السلام ((روى أبو خالد الواسطي، قال: سلم إلي أبو عبد الله عليه السلام ألف دينار، وأمرني أن أقسمها في عيال من أصيب مع زيد، فأصاب عيال عبد الله بن الزبير أخي فضيل الرسان منها أربعة دنانير)). (الإرشاد:ج2،ص173)
أثر حركة زيد في التاريخ
لم تبق حركة أو ثورة مستمرة لقرون كما بقيت واستمرت ثورة زيد بن علي عليه السلام، فقد أثرت هذه الثورة في المجتمع الإسلامي أثرا بالغا، وأضحت خطا مميزا استقطب الكثير من جماهير الأمة العامة منهم والخاصة على السواء.
ولم تتح فرصة لثوار أن يحكموا أصقاع واسعة من العالم الإسلامي كما أتيح للزيدية، حتى الى أقرب العهود، بل الى اليوم يقارع أتباع المذهب الزيدي في اليمن قوى الطاغوت المتكالب على هذا البلد الفقير بمقدراته المالية، الغني بمقدراته الفكرية والبشرية.
لقد قتل زيد لكن ولده لم يقفوا مكتوفي الأيدي، حيث انتشروا في البلدان يعلنون الثورة كلما وجدوا اتباعا، فهرب يحيى بن زيد الى خراسان وجمع جيشا كثيفا قال به الولاة هناك، لكنه لقي مصيرا مشابها لمصير أبيه عليه السلام
ورغم استشهاده فقد اخذت الثورة مأخذها في نفوس الجماهير التي عشقوها، وأضحت نغمة في الأفواه، حتى قال المؤرخون أنه ما ولد في تلك السنة مولود في خراسان إلا وسمي يحيى أو زيد.
واستمرت هذه الثورات عشر سنوات حتى سقوط الدولة الأموية، ومع ذلك استمر الخط الجهادي الذي رسمه زيد بن علي مشعلا وهاجا لكل الثائرين، فأخذ المعجبون بفكره وحركته يقوم بالثورة تلو الأخرى بعد أن اكتشفوا حقيقة الوجه العباسي الذي لم يكن ليختلف عن الوجه الأموي كثيرا.
فقام محمد ذي النفس الزكية بثورة في المدينة، وأخوه إبراهيم في البصرة، وثار علي بن الحسين في فخ، والحديث عن تلك الثورات يطول.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat