بسم الله الرحمن الرحيم
مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ{43}
تخاطب الآية الكريمة الرسول الكريم محمد "ص واله" ( مَا يُقَالُ لَكَ ) , من التكذيب والتهم , ( إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ ) , كما قال الكفار في كافة الرسل السابقين , ( إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ ) , لأنبيائه واتباعهم , ( وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ ) , لمن كفر بهم وسلك طريق العداء .
وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ{44}
تستمر الآية الكريمة مبينة ( وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً ) , بغير لغة العرب , ونزل لما قال المشركون "هلا نزل هذا القران بلغة العجم" , ( لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ) , بينت بلسان نفهمه , ( أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ ) , قران اعجمي ونبي عربي , ( قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء ) , قل لهم يا محمد ان القران للذين آمنوا هدى للرشد والصواب وشفاء من الشك والريب وسائر الجهالات , ( وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ ) , وللذين كفروا فأنه ثقل على اذانهم , فلا يسمعونه استماع تدبر , ( وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ) , لا يفهمون مضامينه , ( أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ ) , أي هم كمن ينادى من مكان بعيد لا يسمع الصوت ولا يفهم المطلب .
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ{45}
تستمر الآية الكريمة محققة ( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ ) , التوراة , ( فَاخْتُلِفَ فِيهِ ) , اختلفوا فيه بين التصديق والتكذيب كما اختلف في القرآن , ( وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ ) , الامهال بتأخير الحساب والعقاب , ( لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ) , فيما اختلفوا فيه في الدنيا , ( وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ ) , ان المشركين في شك من القرآن شديد الريبة .
مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ{46}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ ) , فأن نفعه يعود عليه , ( وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا ) , عاقبة العمل السيء تعود على صاحبها , ( وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ) , ما يظلم احدا عنده جل وعلا , فلا ينقص من اجر العمل الصالح , ولا يزيد في عذاب المسيء فوق استحقاقه .
إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ{47}
تستمر الآية الكريمة مبينة ( إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ ) , لا يعلم قيامها الا هو جل وعلا , ( وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا ) , من اوعيتها , ( وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ ) , وكذلك ما تحمل أي انثى ولا تلد , ( إِلَّا بِعِلْمِهِ ) , فأن ذلك متعلقا بعلمه جل وعلا , ( وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي ) , ذلك يوم القيامة حيث ينادي الكفار على لسان الملائكة "أين الذين زعمتم انه شركائي في الخلق والتدبير؟ " , ( قَالُوا آذَنَّاكَ ) , اعلمناك , ( مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ ) , لا احد منا يشهد لهم بالشركة لما عاينا الحال في هذا المقام .
وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَدْعُونَ مِن قَبْلُ وَظَنُّوا مَا لَهُم مِّن مَّحِيصٍ{48}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( وَضَلَّ عَنْهُم ) , غاب , ضاع , ابتعد عنهم , ( مَّا كَانُوا يَدْعُونَ مِن قَبْلُ ) , يعبدونه , ( وَظَنُّوا ) , بمعنى ايقنوا , ( مَا لَهُم مِّن مَّحِيصٍ ) , مهرب من العذاب .
لَا يَسْأَمُ الْإِنسَانُ مِن دُعَاء الْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُوسٌ قَنُوطٌ{49}
تضيف الآية الكريمة ( لَا يَسْأَمُ الْإِنسَانُ مِن دُعَاء الْخَيْرِ ) , لا يمل الانسان من الدعاء لنفسه بالصحة والعافية والتوسعة في الرزق ... الخ , ( وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ ) , وان اصابه ضر كالفقر او المرض , ( فَيَؤُوسٌ قَنُوطٌ ) , لا يكون عند ذلك الا يائسا من فرج الله تعالى .
وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ{50}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا ) , كالغنى والعافية , ( مِن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُ ) , من بعد ما اصابه من الفقر والمرض , ( لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي ) , قد أوتيته بعلمي وجهدي ونلته باستحقاقي , ( وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً ) , تقوم , او ربما فيه انكارا لقيامها , ( وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَى رَبِّي ) , يومها , ( إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَى ) , وفي حالة قيام الساعة على افتراضها وعودتي الى ربي حينها , فأنني سأجد لي عنده الجنة والخير العميم , ظنه بذلك ان ما لديه سوف لن ينفك عنه وسيستمر حتى يوم القيامة , ( فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا ) , لنخبرهم بما عملوا من السيئات , ( وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ ) , شديد او غاية في الشدة .
وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاء عَرِيضٍ{51}
تضيف الآية الكريمة ( وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَانِ ) , بالعافية وسعة الرزق , ( أَعْرَضَ ) , عن الشكر , ( وَنَأى بِجَانِبِهِ ) , وانحرف عن الشكر تبخترا , ( وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ ) , اصابه المرض او الفقر , ( فَذُو دُعَاء عَرِيضٍ ) , فأنه عند ذاك يكثر من الدعاء .
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُم بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ{52}
تستمر الآية الكريمة مضيفة ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ ) , ان علمتم او اخبروني , ( إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ) , ان كان القرآن من عنده جل وعلا , ( ثُمَّ كَفَرْتُم بِهِ ) , من غير حجة او بيان , ( مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ) , فمن اكثر تيها وحيرة ممن هو في خلاف بعيد عن الحق ؟ ! .
سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ{53}
تضيف الآية الكريمة مؤكدة ( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ ) , اقطار السموات والارض وافاق العالم , ( وَفِي أَنفُسِهِمْ ) , وكذلك في انفسهم من لطيف الصنع ودقة واحكام التدبير واتزان النظام , ( حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ) , ان القرآن وما جاء به محمد "ص واله" هو الحق الذي لا ريب فيه , ( أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) , أولم يكفهم انه جل وعلا شاهدا مطلعا على كل شيء , لا يغيب عنه شيء .
للقمي رأي لطيف في هذا المورد " في الآفاق الكسوف والزلازل وما يعرض في السماء من الآيات وأما في أنفسهم فمرة بالجوع ومرة بالعطش ومرة يشبع ومرة يروى ومرة يمرض ومرة يصح ومرة يستغني ومرة يفتقر ومرة يرضى ومرة يغضب ومرة يخاف ومرة يأمن فهذا من عظم دلالة الله على التوحيد" .
( عن الصادق عليه السلام قال نريهم في أنفسهم المسخ ونريهم في الآفاق إنتقاض الآفاق عليهم فيرون قدرة الله عز وجل في أنفسهم وفي الآفاق قيل حتى يتبين لهم أنه الحق قال خروج القائم عليه السلام هو الحق من عند الله عز وجل يراه الخلق لابد منه وفي رواية خسف ومسخ وقذف سئل حتى يتبين قال دع ذا ذاك قيام القائم عليه السلام ) ."تفسير الصافي ج4 للفيض الكاشاني" .
أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَاء رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ{54}
تؤكد الآية الكريمة ( أَلَا إِنَّهُمْ ) , الكفار , المنافقين , ضعاف الايمان من المؤمنين , ( فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَاء رَبِّهِمْ ) , في شك من البعث والحساب , ( أَلَا إِنَّهُ ) , جل وعلا , ( بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ ) , احاط بكل شيء علما به وقدرة عليه , { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ }سبأ3 .
حيدر الحدراوي
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat