مشاركة زائفة
عبد القادر شهيب

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الموضة العربية الجديدة هي حكومة المشاركة الوطنية.. بدأت هذه الموضة بحكومة المشاركة الوطنية الفلسطينية كاقتراح طرحه الفرقاء الفلسطينيون المتخاصمون لتجاوز الانقسام الفلسطيني.. ثم انتقلت الفكرة إلي لبنان لتجاوز ـ أيضا ـ الانقسام اللبناني الحاد الذي هدد لبنان واستقراره، وفرض عليه فترة من الوقت أن يكون بلا رئيس، ثم فترة أخري بلا حكومة، وها هي الفكرة تنتقل مؤخراً إلي العراق بعد نحو سبعة أشهر من العجز عن تشكيل حكومة عراقية بعد الانتخابات البرلمانية.
لكن اللافت للانتباه أن الذين يدعون ويروجون لفكرة حكومة المشاركة الوطنية لا يؤمنون في داخلهم بهذه المشاركة ومقتضياتها التي تفرض أن يتقاسم الكل السلطة بدون إقصاء أحد أو تهميش آخر.
في فلسطين طرحت حماس ثم فتح هذه الفكرة وفي ذهن كل منهما أن تسمح لهما المشاركة بالهيمنة علي السلطة.. ولذلك انتهي المطاف إلي إخفاق المصالحة واستمرار الانقسام.
وفي لبنان أراد حزب الله وعدد من أنصاره من حكومة المشاركة سبيلا لفرض سطوتهم علي السلطة في لبنان وفرض نفوذهم عمليا علي لبنان.. لذلك تمسك حزب الله وأنصاره بألا يكون للأغلبية الفائزة في الانتخابات الأغلبية في المقاعد الحكومية.. وعندما أخفق في فرض ما سمي بالثلث المعطل ـ أي بالفيتو علي قرارات الحكومة ـ انتهي الأمر إلي منح رئيس الجمهورية حق تسمية عدد من الوزراء لا ينتمون إلي كتلة الأغلبية.
أما في العراق، فإن كل الكتل الفائزة في الانتخابات تتحدث طوال سبعة أشهر عن حكومة وحدة أو مشاركة وطنية.. لكن كلا منها له مآربه الخاصة من هذه المشاركة.. المالكي يريدها لكي يحتفظ بمنصب رئيس الوزراء شخصيا وعلاوي يريدها ليتولي هذا المنصب.. والصدريون يريدونها حتي لا ينفرد المالكي بالسيطرة علي الحكومة بعد أن أكرهتهم إيران علي القبول به رئيسا للحكومة.. والأكراد يريدونها حتي يحصلوا علي أكبر مكاسب ممكنة لهم.. والمجلس الأعلي يريدها لإبعاد المالكي عن رئاسة الحكومة.. أما المشاركة الحقيقية فلا يريدها أحد.
هذا يعني أن الذين ينادون ويتحمسون لفكرة حكومة المشاركة الوطنية لا يؤمنون بالفعل بهذه المشاركة لأنهم ليسوا مستعدين لأن يشاركهم أحد، ويريدون معظم الهيمنة علي السلطة والانفراد بها تحت غطاء هذه المشاركة.
إنهم يطرحون إذن مشاركة مزعومة وغير حقيقية أو مشاركة زائفة بلا مضمون.. وهذا هو سبب المصاعب والمشاكل التي تواجهها حكومة المشاركة التي أقيمت في لبنان وهي المصاعب التي تهدد بانفجار هذه الحكومة أو تحويلها إلي بطة عرجاء غير قادرة علي أن تفعل شيئا.. وهذا هو أيضا سبب المصاعب التي تعطل إتمام المصالحة الفلسطينية وتعطل تشكيل الحكومة العراقية.
الطريف أن فكرة حكومة المشاركة الوطنية تتناقض مع جوهر العملية الديمقراطية التي تؤهل الفائزين في الانتخابات لتولي السلطة.. بل إن المقصود بها إبعاد الفائزين في الانتخابات عن تولي السلطة كما حدث في لبنان ويحدث في العراق، ومنع إقامة انتخابات كما يحدث بين الفلسطينيين.