أَدَوَاتُ الدَّوْلَة المَدَنِيَّة! [١٠]
نزار حيدر
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
نزار حيدر

وفِي الدَّولةِ المدنيَّةِ يحكُم الدُّستور والقانون، وليسَ القرار، ومن الواضح جدّاً الفرق بينهُما، فبينما يُعدُّ الدُّستور أَعلى عقدٍ إِجتماعيٍّ في الدَّولة يقرُّهُ الشَّعب بالاستفتاء العام والقانون أحدُ مخرجاتهِ التي تولد تحت قُبَّة البرلمان الذي يُمثِّلُ بمجموع أعضائهِ الممثِّلين الشرعيِّين للشَّعب الذي ينتخبهم بالاقتراع السرِّي المباشر والعام، يُعتبر القرار نتاج مزاجيَّة الحاكم! وتوجهاتهِ السِّياسيَّة.
ولقد ظلَّ الْعِراق على مدى [٣٥] عاماً تحت طائلة [القرارات] التي تخضع لمزاجِ [القائد الضَّرورة] و [الحزب القائد] فغاب الدُّستور والقانون بعد أَن لخَّص النِّظام الشُّمولي الحاكم الدَّولة برمَّتها بشخص الطَّاغية الذَّليل صدَّام حسين حتى رفعوا الشِّعار المعروف [إِذا قال صدَّام قال العراق]!.
واذا تتبَّعنا كلَّ الكوارث التي حلَّت بالعراق خلال تلك الفترة السَّوداء من تاريخ الْعِراقِ فسنلحظ أَنَّها كلَّها نتاج قرارات الطَّاغية وليست قوانين صوَّت عليها البرلمان إِستناداً الى الدُّستور وروح موادَّهُ! لأَنَّ كلَّ مؤسَّسات الدَّولة كانت صوريَّة لا حقيقة لها على أَرض الواقع! طبعاً من دونِ أَن يعني ذلك عدم تحمُّلها المسؤوليَّة أَبداً! اذ يكفي كدليلٍ على الجريمة أَن تكون بوقاً للظالمِ أَو سَوطاً بيدهِ!.
ففي زمن الحَرْبِ العراقيَّة الإيرانيَّة الظَّالمة التي شنَّها الطَّاغية ضدَّ الشعبَين الجارَين، أَصدر الطّاغية قراراً بادئ الأَمر مزَّق فيه إِتفاقيَّة الجزائر لعام ١٩٧٥ واعتبرها لاغية! ليُعلن بعد ذلك عن إِنطلاق [القادسيَّة] وفِي نِهاية المطاف وبعد حربٍ طاحنةٍ دامت (٨) سنوات أَكلت الأَخضر واليابس في البلدَين وعطَّلت كلَّ فُرص التَّنمية والبناء! أَصدر قراراً آخر يعترف فيهِ بالاتفاقيَّة المذكورة! فالحربُ الظَّالمةُ شنَّها بقرارٍ والبحث عن السَّلام المزعوم مع الجارة الشرقيَّة بقرارٍ أَيضا!.
وهكذا هو حال كلِّ الجرائِم البَشِعة التي ارتكبها الطَّاغية الذَّليل بحقِّ العراقييِّن! والتي كان آخرها قرارهُ القاضي بتدميرِ سيادة البلد والإتيان على هيبتهِ!.
أَمّا بعد التَّغيير الذي شهدهُ الْعِراقِ في التَّاسع من نيسان عام ٢٠٠٣ فلقد تغيَّر الحال بشَكلٍ كبيرٍ وجذري! فلقد صوَّت العراقيُّونَ بالأَغلبيَّة السَّاحقة على الدُّستور في استفتاءٍ شعبيٍّ عامٍّ! وهو الذي يُمثّلُ العقد الاجتماعي الذي توافَقوا عليه، من جانبٍ، وباتَ في البلدِ برلمانٌ يُمثِّلُ مجموع نوَّابهُ الشَّعب بكلِّ مكوِّناتهِ وأَطيافهِ وتوجُّهاتهِ! مهمَّتهُ الأَساسيَّة تشريع القوانين التي تنبثق من روحِ الدُّستور!.
ولقد كان المؤَمَّل أَن تتبانى الكُتل والأَحزاب السِّياسيَّة على تكريسِ هذه الحالة الجديدة من خلال تراكُم التَّجربة للمضيِّ قُدماً بالعراقِ الجديد [الدُّستوري] ولكنَّ الذي حصل هو العكس من ذلك تماماً اذ راحت هذه الكُتل بعد أَن تحوَّل زعماؤُها الى ما يشبه [العصابة الحاكمة] التي تستحوذ على كلِّ شيء بعد أَن تسرقهُ! تتبانى على تدميرِ كلِّ ما بناهُ العراقيُّونَ بالدَّم والمُعاناة والتَّضحيات الغالية! من خلال التآمر على الدُّستور فيعملوا بالمادَّة التي تخدم مصالحهُم ويطووا عن التي تخدم المجتمع كشحاً، من جانبٍ، ثم راحت تُفصِّل القوانين والتَّشريعات تحت قُبَّة البرلمان حسب مقاساتِها بالدقَّة المتناهية، من جانبٍ آخر!.
إِنَّ الْعِراقِ الجديد [الدُّستوري] يقف اليوم على كفِّ عفريت اذا ظلَّت هذه [العصابة الحاكمة] على رأس السُّلطة في العام القادم الذي سيشهد إِنتخابات نيابيَّة جديدة!.
وهنا تحديداً تقف مسؤُوليَّة النَّاخب شاخصةً لتحقيق التَّغيير عِبر صُندوق الاقتراع! بعد أَن ثبُت لكلِّ ذي عَينٍ بصيرةٍ أَنَّ هذه العصابة التي بدأَت حملاتها الانتخابيَّة مبكِّراً من خلال الزِّيارات المكوكيَّة للمحافظات وإِطلاق الوعود والعُهود [الكاذبة بكلِّ تأكيد] لا يُمكن أَن تتغيَّر لتُغيِّر بالمُطلق! ولو كان فيها بصيصُ أَملٍ لرآهُ ولمِسهُ الشَّارع بشَكلٍ أَو بآخر!.
يجب أَن يتحقَّق التّغيير لِهذهِ الوجوهِ الكالِحة التي لم تجلِب الخير للعراق على حدِّ تعبير الخِطابِ المرجعي! لنُعيد العمليَّة السِّياسية [الدُّستوريَّة] الى مسارِها الصَّحيح والسَّليم قبل أَن يُدمِّروا كلَّ شيءٍ!.
*يتبع
١٧ نيسان ٢٠١٧
لِلتّواصُل؛
E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat