النهر الذي يجري في السماء (مقالة مترجمة)
د . فائق يونس المنصوري
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فائق يونس المنصوري

Illustration by Alice Moynihan for TED
النهر الخفي ... أكبر نهر على الأرض
في منطقة الأمازون وخلال يوم مشمس نموذجي يتدفق 20 مليار طن متري من المياه صاعداً من خلال الأشجار ليصب في الهواء، انه نهر غير مرئي يتدفق عبر السماء عابرا قارة بأجمعها.
يقول Antonio Donato Nobre أحد كبار الباحثين في المعهد الوطني البرازيلي لبحوث الأمازون National Institute of Amazonian Research "هذا النهر من البخار الذي يتصاعد من الغابة ويذهب إلى الغلاف الجوي أكبر من نهر الأمازون ". (1)، وفي رأيه، فإن الشيء الأكثر تميزا في منطقة الأمازون (عدا طوله الذي يتجاوز 6400 كم أو مئات المليارات من الأشجار) هو أنها في الأساس تمثل نظاما كبيرا شبيها بالمرشات التي تعمل بالطاقة الشمسية لتنشر المياه في جميع أنحاء القارة. ويضيف Nobre وإذا كان هذا النظام من صنع الإنسان فانه سيكون مثار حسد العالم كله، وهنا يكمن السر في لماذا تُعَد الطبيعة من أكثر المهندسين دراية؟
كل شجرة سخان صامت
من خلال عملية تسمى النتح Transpiration، يمكن لشجرة كبيرة في الأمازون إطلاق 1000 لتر من الماء الى الغلاف الجوي في يوم واحد. ويقول Nobre: "هناك تبخر محموم يحدث هنا وهو يشبه بقوته سخان يبعث الماء الى الهواء ولكن "بأناقة أكثر" (ويقصد الكاتب بالسخان Geyser، ذلك النبع من المياه الحارة الفوارة التي تتدفق الى سطح الأرض عبر شقوق في القشرة الأرضية وتكتسب حرارتها من سخونة مادة الصهارة الأرضية Magma وتنتشر في المناطق البركانية كآيسلندا ومنطقة يلوستون في الولايات المتحدة الأميركية Yellowstone National Park)
فبينما تكتسب السخانات قوتها من حرارة الصهارة تحتاج الأشجار فقط للاسترخاء تحت ضوء الشمس لإطلاق بخارها غير المرئي، فضلا عن ذلك، تلك القوة المطلقة لرصيدها العددي الهائل من مئات المليارات من أشجار الغابة التي تطلق ما يصل الى 20 مليار طن متري من الماء الى الغلاف الجوي يومياً، وهذا يعني أن هذا النهر المحمول جوا (بخار الماء) والذي ينجرف فوق مظلة من الأشجار يتجاوز تصريف نهر الأمازون، الذي يصرف 17 مليار طن من المياه الى المحيط الأطلسي يوميا ويعد أكبر نهر على سطح الأرض.
نهر يجدد غابة
تخلق الغابات المطيرة غيومها المطيرة الخاصة بها والتي تكون زاخرة بالجراثيم المجهرية (السبورات) وحبوب اللقاح والفطريات، أو "الروائح" كما يطلق عليها Nobre. هذه الروائح تعد حاسمة لدورة حياة الغابة، حيث أن البخار المتصاعد من الأشجار يتكثف حول هذه الجسيمات المجهرية مشكلا الغيوم التي تتحول في نهاية المطاف الى أمطار غزيرة. وتعتبر هذه العملية فريدة من نوعها بالنسبة للغابة، على العكس من المحيطات (على سبيل المثال) والتي نادرا ما تخلق غيوما ثقيلةً كغيوم الأمازون، لأن هواء البحر ليس غنيا جدا بالحياة النباتية. ويشير Nobre: " تُعد العلاقة بين هذه الكتلة الحية (الغابة) والكتلة غير الحية(الجو) علاقة بارعة في منطقة الأمازون". وهي السبب في عودة هذا النهر الخفي إلى التربة ليجدد الغابة، ثم يعود ليصعد كرة أخرى الى السماء عبر قمم الأشجار في دورة فعالة متكررة.
غابات الأمازون تعادل 50،000 محطة لتوليد الطاقة
تخيل أنك تحاول تجميع 20 مليار طن متري من المياه (وهي تلك التي يقوم الأمازون بضخها الى الغلاف الجوي يوميا) في غلاية شاي، “انها ستكون غلاية كبيرة حقا" يعلق Nobre وهو جامد الوجه. وكم من الطاقة ستحتاج لتبخير ذلك الماء مرة أخرى الى الغلاف الجوي؟ ربما (يقترح Nobre) يمكنك ربطه بسد إيتايبو Itaipu Dam في البرازيل والذي يعد ثاني أكبر محطة كهرومائية في العالم، ولكن هذا سوف لن يعمل الا على تدفئه تلك المياه.
ولتحويل جميع تلك العشرون مليار طن من المياه إلى بخار (كما يفعل الأمازون كل يوم) فأنك ستكون بحاجة لبناء 49،999 محطة أخرى كمحطة إيتايبو، الامر الذي يضع الفخر البرازيلي بذلك السد في موضع تساؤل كما يقولNobre، "ورغم كون البرازيل فخورة جدا بسد إيتايبو لأنه يوفر أكثر من 30 % من استهلاك الطاقة في البرازيل، الا ان الأمازون يقوم هنا بهذا الامر مجانا فهو مصنع متجدد وقوي للغاية. "
بدون الأمازون ... أمريكا الجنوبية صحراء قاحلة
يدعو Nobre زملائه البرازيليين لإلقاء نظرة شاملة على طول خط الاستواء ومضاهاة المشهد الطبيعي، "حيث تنتظم الصحاري على امتداد خطي عرض 30 درجة شمالا و30 درجة جنوبا فيقول انظروا الى نصف الكرة الأرضية الجنوبي ستجدون صحاري أتاكاما التشيلية وناميبيا وكالهاري الأفريقية والصحراء الأسترالية، بينما ستجدون في نصف الكرة الأرضية الشمالي الصحراء الكبرى في افريقيا وصحراء سونورا (على الحدود الأميركية – المكسيكية) ". لكنما تجدون في أمريكا الجنوبية امتدادات خضراء غير طبيعية ".
ويستطرد Nobre، "لقد كان من المفترض أن تكون هذه المساحة الرباعية الاضلاع صحراء قاحلة" في إشارة الى كتلة اليابسة الممتدة من وسط البرازيل وصولا الى الأرجنتين ومن ساحل الأطلسي حتى جبال الأنديز. ان هذه ليست مجرد نعمة لعاشقي الأشجار بل هي أيضا أرضا خصبة للتجارة، "حيث يأتي 70% من الناتج المحلي الإجمالي في أمريكا الجنوبية من تلك المنطقة معتمدة في ذلك على هذا النهر".
تُرى ماذا يمكن أن يحدث للأربعة تريليون دولار من النشاط الاقتصادي إذا تمت إزالة تلك الغابات وجف النهر؟ ربما في مبلغ بمثل هذا الحجم من الأفضل لنا عدم معرفة النتائج.
المصادر:
(1) أحاديث تيد: سحر الأمازون، نهر يتدفق بشكل غير مرئي في جميع أنحاءنا. (TED Talk: The magic of the Amazon: A river that flows invisibly all around us).
عن:
Dan Kedmey. The largest river on Earth is invisible — and airborne. ideas.ted.com, Science, Nov 24, 2015.
http://ideas.ted.com/this-airborne-river-may-be-the-largest-river-on-earth/
عن المؤلف:
دان كدمي Dan Kedmey: كاتب عمل في تيد TED، مكرسا جهوده لتغطية أي فكرة تستحق الانتشار. كتب سابقا عن الأعمال والتكنولوجيا لمجلة تايم. حائز على درجة الماجستير في التقارير الأدبية من جامعة نيويورك وبكالوريوس في الاقتصاد من كلية كارلتون.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat