صفحة الكاتب : جليل ابراهيم المندلاوي

في ذكرى استشهاد مدينة حلبجة.. الغاية.. هل هي حقا من يبرر الوسيلة
جليل ابراهيم المندلاوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

مازلت اذكر ذلك اليوم العصيب، كما يذكره الكثيرون من ابناء جلدتي.. حيث لم يطبق لعين جفن لليال خلت بعد فاجعة ذلك اليوم الذي حمل تأريخ السادس عشر من آذار من عام 1988.. ففي ذلك اليوم استشهدت مدينة.. نعم مدينة بأكملها.. برجالها ونسائها وأطفالها.. بنسلها وحرثها ودوابها وهوامها.. بشوارعها واسواقها ومجالسها.. استشهدت مدينة بعد ان اغتصبت ازقتها!!..

كل هذا وأكثر مما لايمكن للعقل البشري ان يتخيله او يستوعب صوره المأساوية مما لم ترها عين ولم تسمع لأنين احتضاراتها أذن.. انها حلبجة المدينة الشهيدة.. التي أُخذت على حين غرة، في غفلة من الضمير الانساني حتى لم يبق منها سوى جدران استعصت على رياح الموت لتكون أرحم من صناع الموت اذ أبت ان تنهار على الاجساد التي تناثرت تحتها، وكيف لهذه الجدران ان تميل وقد بنيت من اطواد كانت المأمن الوحيد لكوردستان في عالم غامض بدت ملامحه تتكشف وهو يقترب من فجر الالفية الثالثة.. حيث نزعت الاقنعة ان لم تكن انتزعت وبدى كل لمظهره الحقيقي..

لا اريد ان اخوض في تفاصيل ذلك اليوم العصيب.. فحقيقته تكشفت مثلما تكشفت حقائق كثيرة لمآسي وكوارث اخرى، حتى اضحت كخنجر في الضمير الانساني بل وأمست تؤرق مرتكبيها وتعدهم بحساب لامفر منه.. اذ جاء الحساب وأفل الظالمون حتف أنوفهم لتحتضن حلبجة الحياة من جديد..

مايهمنا الان هو ماهية الغاية التي تتخذ كستار لتبرير بل وتمرير وسائل قذرة، وكيف تم تبرير الكارثة حتى تغاظى العالم آنذاك عن عيون المظلومين الذين نجوا.. لانقول بجلودهم.. لأن تقرحاتها ماتزال باقية حتى يومنا هذا.. بل نجوا بتلك العيون فحسب، والتي حملت دموع تلك المأساة عسى ان يتحرك العالم الذي ظل ساكنا بل ومتفرجا ايضا.. ولم يكن هناك تبرير سوى انها الحرب..!!

نعم كانت حرب طاحنة دمرت حلبجة والفاو وسربيل وقصر شيرين وعبادان والبصرة ومندلي وبنجوين ومدن وقرى اخرى كثيرة لكلا الطرفين.. حرب مازالت اسبابها الحقيقية خافية عن الكثيرين حتى يومنا هذا، فقد كنا نسمع انها حرب للدفاع عن الارض لا لتدميرها، وهذا ماكان يفهمه الكثيرون بل ويتصورون انها الغاية التي استخدمت من اجلها كل الوسائل حتى غير المشروعة منها للوصول اليها.. ولم نكن نعلم ان الوسائل التي استخدمت كانت لأطالة امدها ولأنهاك قوى واستهلاك اخرى وصرف ذخائر مادية وبشرية كبيرة، وتصريف لأكبر كمية من السلاح لضمان عدم ركود اسواقه... تلك الغاية التي كنا نتصور ان قتل العدو وردعه هو الوسيلة للدفاع عن الارض، ولكن.. أية غاية ترتجى من قتل الاف المدنيين العزل من ابناء هذه الارض..؟؟

فهل الغاية كانت الدفاع عن الارض، ام ان هؤلاء العزل كانوا هم الخطر الحقيقي الذي يشعر به نظام مجنون يسفك الدماء بلا حساب.. نعم ربما ستكون الغاية مقبولة نوعا ما لو قتل "على يد العدو" عدد من العساكر او انتهكت حرمة الارض بأن يتم استخدام القوة ضد "العدو" كوسيلة لرد الاعتداء وحماية المدنيين "لاقتلهم" من العزل الذين لاحول لهم ولا قوة ولا سلاح.. ولكن ان يقتل ممن يفترض الدفاع عنه من ابناء هذه الارض مع العدو "مع سبق الاصرار" من اجل تحرير أرض.. فما قيمته وماقيمة الارض بلا شعب.. وماقيمة الغاية التي ترتجى من استعمال سلاح يحظر استعماله على العدو اصلا في الحروب فكيف بالمدنيين من ابناء هذه الارض واصحابها الشرعيين..

فما قيمة هذه الغاية بتلك الوسيلة القذرة!!.. وماقيمة الوطن اذا اصبح غاية للحفاظ على الكراسي العالية ودماؤنا هي الوسيلة، وجماجمنا هي الهياكل التي تبنى عليها عروش الاستبداد ومعاقل القهر.. فهذا هو حال الصراعات في مختلف الازمنة، غاياتها تبدو سامية ووسائلها قبيحة الصورة، بشعة المظهر..

فأستخدام الشر او التحالف معه حتى، كوسيلة للتخلص من شر آخر لايمكن تبريره مطلقا مهما كانت الغايات، والتي لو تمعنا اكثر في اهدافها الحقيقية القائمة لأكتشفنا ان المصالح الدنيئة والضيقة هي دوما اهداف غير معلنة لها، بل مزينة بشعارات زائفة ليبقى السؤال الذي هُجرت اجابته.. هل الغاية حقا هي التي يبرر الوسيلة؟؟.. أم ان المصالح بأختلاف أوجهها هي التي تحدد الوسيلة!!..


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


جليل ابراهيم المندلاوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/03/10



كتابة تعليق لموضوع : في ذكرى استشهاد مدينة حلبجة.. الغاية.. هل هي حقا من يبرر الوسيلة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net