رواية ونصف.. لا تكفي
محمد زكي ابراهيم
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
ليس كل ما نقع عليه من أخبار يستحق التأمل ولا كل ما يصلنا منها يستأهل النظر. فغالباً ما تتشابه الأخبار عندنا إلى حد التماثل. وكثير منها ينسخ الآخر، ويعفي على آثاره. ولكنها تظل مع ذلك بالغة الدلالة، لأنها تصور واقعاً راكداً، غير قابل للتغيير.. تقريباً.
وبين هذا وذاك ثمة أخبار لا يملك المرء عندها إلا التوقف، ولا يستطيع مغادرتها دون تدبر. ليس لأنها مختلفة وغير مسبوقة، بل لأنها شديدة الأهمية، وافرة المعنى، وليس فيها من الإثارة إلا أقل القليل!
من ذلك ما قرأته قبل أيام عن عدد الروايات الصادرة في العراق منذ سقوط النظام القديم حتى عامنا هذا. فالخبر الذي يستند إلى إحصائية لا أعلم دقتها يقدر عددها ب 450 رواية، أي بواقع 45 رواية سنوياً، هو خبر ثقافي صغير. ولكنه خطره جسيم لا يدركه إلا ذو فضل عظيم.
ولاشك أن هذا العدد قليل جداً إذا ما قورن بعدد كتاب الرواية في العراق، وانقسامهم إلى طبقات تتفاوت في ما بينها صعوداً ونزولاً. لكنه يبدو مقنعاً إزاء ما يواجهونه من صعوبات في النشر والتوزيع والبيع.. والقراءة. وما يعانونه من قسوة الحياة.. ومر العيش.. وقلة الناصر!
ولا تدل ضخامة العدد على الجودة، مثلما لا يدل طول الرواية على غناها. ولكن غزارة الإنتاج تشير ولو بطرف خفي.. إلى خصب المرحلة، وثراء التجربة. وهما أمران لا بد منهما.. لكل عمل ناجح.
ولا تنعم الرواية في العراق بأجواء ناعمة، وليس لها فيه سوق رائجة. كما أنها لا تستظل بدراما تلفزيونية وسينمائية، توفر لها بعض الدعم. ولا أعلم رواية وجدت طريقها للسينما باستثناء اثنتين، هما الظامئون لعبد الرزاق المطلبي، والأيام الطويلة .. لعبد الأمير معلة! ولكني أعلم أن العديد مما كتب يصلح أن يكون عملاً درامياً.. مجيداً.
ولأن ما ينعم به العراق اليوم من حرية تصل حد الانفلات وديمقراطية تقترب من عتبة الفوضى، فإن العدوى انتقلت إلى الكتاب أنفسهم، وجعلتهم يشعرون بالإحباط تارة، واللا جدوى تارة أخرى. والقادرون على المطاولة قليلون ونادرون. والمنضمون للقافلة من الشبان، أقل وأندر!
وليس هناك في الأفق ما يشير إلى حل مشكلتي النشر والتوزيع. فعمل تجاري مثل هذا، لم يعد يستهوي أحداً، لقلة ما فيه من مردودات. أما الذين تحملوا عناء الطباعة أو تخطوا حاجز النشر، فوقفوا عند نقاط لم يسعهم تجاوزها بأي شكل من الأشكال وهي إعراض القارئ وزهده وجفوته وقلة اكتراثه.
إن 45 رواية في العام رقم متواضع دون شك في بلد يزيد تعداد سكانه عن الثلاثين مليوناً. ورواية ونصف الرواية لكل مليون عراقي أمر مؤسف. ولكن هل يكفي الأسف لحل مشكلة كهذه؟ لا أعتقد ذلك بالطبع، ولكنني شخصياً لا أملك سواه، وربما الآخرون أيضاً.
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
محمد زكي ابراهيم

ليس كل ما نقع عليه من أخبار يستحق التأمل ولا كل ما يصلنا منها يستأهل النظر. فغالباً ما تتشابه الأخبار عندنا إلى حد التماثل. وكثير منها ينسخ الآخر، ويعفي على آثاره. ولكنها تظل مع ذلك بالغة الدلالة، لأنها تصور واقعاً راكداً، غير قابل للتغيير.. تقريباً.
وبين هذا وذاك ثمة أخبار لا يملك المرء عندها إلا التوقف، ولا يستطيع مغادرتها دون تدبر. ليس لأنها مختلفة وغير مسبوقة، بل لأنها شديدة الأهمية، وافرة المعنى، وليس فيها من الإثارة إلا أقل القليل!
من ذلك ما قرأته قبل أيام عن عدد الروايات الصادرة في العراق منذ سقوط النظام القديم حتى عامنا هذا. فالخبر الذي يستند إلى إحصائية لا أعلم دقتها يقدر عددها ب 450 رواية، أي بواقع 45 رواية سنوياً، هو خبر ثقافي صغير. ولكنه خطره جسيم لا يدركه إلا ذو فضل عظيم.
ولاشك أن هذا العدد قليل جداً إذا ما قورن بعدد كتاب الرواية في العراق، وانقسامهم إلى طبقات تتفاوت في ما بينها صعوداً ونزولاً. لكنه يبدو مقنعاً إزاء ما يواجهونه من صعوبات في النشر والتوزيع والبيع.. والقراءة. وما يعانونه من قسوة الحياة.. ومر العيش.. وقلة الناصر!
ولا تدل ضخامة العدد على الجودة، مثلما لا يدل طول الرواية على غناها. ولكن غزارة الإنتاج تشير ولو بطرف خفي.. إلى خصب المرحلة، وثراء التجربة. وهما أمران لا بد منهما.. لكل عمل ناجح.
ولا تنعم الرواية في العراق بأجواء ناعمة، وليس لها فيه سوق رائجة. كما أنها لا تستظل بدراما تلفزيونية وسينمائية، توفر لها بعض الدعم. ولا أعلم رواية وجدت طريقها للسينما باستثناء اثنتين، هما الظامئون لعبد الرزاق المطلبي، والأيام الطويلة .. لعبد الأمير معلة! ولكني أعلم أن العديد مما كتب يصلح أن يكون عملاً درامياً.. مجيداً.
ولأن ما ينعم به العراق اليوم من حرية تصل حد الانفلات وديمقراطية تقترب من عتبة الفوضى، فإن العدوى انتقلت إلى الكتاب أنفسهم، وجعلتهم يشعرون بالإحباط تارة، واللا جدوى تارة أخرى. والقادرون على المطاولة قليلون ونادرون. والمنضمون للقافلة من الشبان، أقل وأندر!
وليس هناك في الأفق ما يشير إلى حل مشكلتي النشر والتوزيع. فعمل تجاري مثل هذا، لم يعد يستهوي أحداً، لقلة ما فيه من مردودات. أما الذين تحملوا عناء الطباعة أو تخطوا حاجز النشر، فوقفوا عند نقاط لم يسعهم تجاوزها بأي شكل من الأشكال وهي إعراض القارئ وزهده وجفوته وقلة اكتراثه.
إن 45 رواية في العام رقم متواضع دون شك في بلد يزيد تعداد سكانه عن الثلاثين مليوناً. ورواية ونصف الرواية لكل مليون عراقي أمر مؤسف. ولكن هل يكفي الأسف لحل مشكلة كهذه؟ لا أعتقد ذلك بالطبع، ولكنني شخصياً لا أملك سواه، وربما الآخرون أيضاً.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat