صفحة الكاتب : ا . د . محمد الربيعي

بعبع الامتحانات
ا . د . محمد الربيعي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 يقرأ الطالب ويحفظ نصوص الكتاب المدرسي او الجامعي لأن الحفظ هو الوسيلة الرئيسية للنجاح في الامتحان والذي على نتائجه يعتمد مستقبل الطالب. هذه حقيقة فشل النظام التربوي وتدهوره واساس المشاكل الكثيرة المترتبة على عدم قدرة كثير من الطلبة من اجتياز الامتحانات، فهي ما تبدو لي الممارسة الأساسية والتي تشكل العمود الفقري لفلسفة التعليم والمتعلقة بتحقيق الأهداف وتقييم نتائج التدريس والتعليم وتطبيق الانضباط التعليمي.  
ولان التلقين هي الطريقة الآلية، واحيانا الوحيدة من طرق التدريس، أصبح الامتحان مجرد قياس لكمية المعلومات التي حظها المتعلم في فترة زمنية محددة.  فبعد تقديم المعلومات بصورة جاهزة للمتعلم لا يبقى إلا تقييم درجة حفظها وترديدها، ودرجة خضوع المتعلم لسلطة المدرسة والمدرس، فلا داعي للبحث والاستقصاء والإبداع،  فالمعرفة ثابتة لا تتغير، وشاقولية عمودية تنزل من المدرس الى الطالب، والامتحان بهذا المعنى مقياس للتلقي والاجترار والخنوع، وليس دليل فهم الموضوع وإدراكه وهضمه. 
الطلبة يقرأون ويستذكرون معلومات الكتاب المدرسي بدون ادنى أهمية للفهم والادراك، وبدون اية مناقشة او بحث او إضافة لموضوع التعلم. أهمية هذه القراءة المجردة من الفهم للمتعلم هو اجتياز الامتحان الذي لا يمنح اعتبار كبير للتفكير والنقد والتحليل وإلتركيب، والقدرة على حلول المشاكل المستجدة، والقابليات العقلية الاخرى. لذلك تجد الطلبة "الحفاظين او الدراخين"، يتفوقون بحصولهم على اعلى المعدلات. وبما ان نظام القبول في الكليات الجامعية مبني على أساس معدل الامتحان المدرسي نجد هؤلاء الطلبة يملؤون كليات الطب لتفضيلهم لها لما في وظيفة الطبيب من أهمية اجتماعية وكسب مالي.  وما عليك لكي تكون طبيبا إلا ان تقرأ كتبك الطبية المقررة وتحفظها على ظهر القلب. اقرأ الكتاب 50 مرة فهو افضل في النظام التربوي العراقي من قراءة 50 كتاب. لا تضيع وقتك في التنقيب والبحث واقتناء المعلومات الجديدة غير تلك التي يرغب بها مدرسك فهذا قد يؤدي بك الى هاوية الرسوب! لا تقرأ كتابا (ورقيا او الكترونيا) ثقافيا او قصة أدبية لانها تضيع من وقتك الذي يمكن استثماره في حفظ الكتب المدرسية. اليس هذا سببا لانتشار الجهل بين العراقيين وقلة معارفهم الإنسانية واللغوية والعلمية؟
كثرت الأبحاث والدراسات التي تؤكد فشل التلقين في تطوير القابليات الذهنية وما يؤدي اليه من نتائج وخيمة على المجتمع من تكريس لقيم الخنوع والتوكل والتلقي ومن تثبيط لقيم المساءلة، والنقد والبحث والمبادرة، والإبداع، والتفاعل والتعاون والعمل بروح الفريق. ومع معرفتنا بعدم جدوى التلقين وفشل الأنظمة التربوية المعتمدة عليه، فإننا لا زلنا مستمرين في ممارسته، سواء في المدارس او في الجامعات وكل الأدلة تؤكد على اننا سنستمر في تكريس هذا النهج لأننا لا نريد تغير عقلية الفرد الخانعة، المحافظة، والمقلدة والتابعة، الى عقلية حرة ونقدية ومبدعة. 
بالرغم من ان الامتحانات، في بعض الأحيان، جيدة لاختبار قدرة الطالب على تذكر المعلومات تحت ضغط  الزمن إلا انه يخدع الطالب، فهو لا يقيس قدراته الفطرية ولا قابلياته المكتسبة، وليس هو بمقياس للقدرة وللمعرفة ولا لحب التعلم. 
إنه لا يشجع السعي وراء المعرفة بقدر ما هو السعي لتحقيق درجات عالية. 
إنه يحصر العقل حول مبادئ توجيهية ويغلقه بعيدا عن التفكير الحر. 
إنه يرغم الطالب على الالتزام بمعلومات الكتاب وعلى ما يلقنه المعلم. 
إنه يشجع الطالب على الغش، وبالتالي على نشر الفساد المهني والكسل الفكري.
إنه يؤدي الى عدد من المشاكل الشخصية، وضعف الأداء لدى الكثير من الطلاب المبدعين والاذكياء.
واذا كان غرض الامتحان هو قياس درجة تأهيل الطالب لاختصاص اومهنة ما، فهو فاشل في تحقيق هذا الهدف. نأخذ على سبيل المثال، طالب يرغب ان يصبح طبيبا أو جراحا. هل يكون مفيدا ان يتم اختباره عن طريق الامتحان لمعرفة ما اذا كان قد حفظ نص الكتاب الطبي المقرر؟ اليس من الأفضل في هذا العصر من كثرة المعلومات وسهولة الحصول عليها تعليم الطالب أساليب الحصول على المعلومات بدلا من حفظها كالببغاء، وجعل الاختبارات تقيس قدرته في اتقان المادة النظرية ومهارته في علاج الامراض.  
الحقيقة بلا مناص ان الامتحان في المدارس العراقية ليس باختبار حقيقي لقياس درجة معارف الطالب، وما هو الا أسلوب لتصنيف الطلاب حسب أدائهم في الامتحان. يعرف معظم الطلاب كيف يمكنهم الحصول على درجات عالية في الامتحان: هدوء الاعصاب، والالتزام بالنص، وعدم الخروج عن المألوف او عما يتوقعه المدرس. 
ما فائدة ان يكون امتحان دور اول او ثاني او ثالث اذا كان الهدف هو تصنيف الطلاب في تسلسل من ناجحين او راسبين اذا كان الامتحان لا يقيس الا قابلية تذكر المعلومات واجترارها،  وترديدها، ويهمل الكثير من المهام الاساسية في العملية التعليمية، كاكتشاف وتوظيف القدرات والمهارات والمواهب؟ ما أهمية الامتحان الذي يؤدي الى فشل اعداد هائلة في الدور الأول ويدفعهم الى دور ثاني وثالث؟ اليس فشلهم هو فشل النظام التربوي وهدر في الطاقات والموارد والجهود؟ ألا يعود فشلهم بصورة جزئية الى ضعف التعليم وضعف المدرسين وعدم ربط الامتحانات بمخارج واهداف التعلم؟ وما فائدة امتحان يؤدي الى انتاج اعداد هائلة من المتفوقين الحاصلين على مجموع درجات عالية تتراوح بين 90% الى 100% واحيانا اكثر من 100% (لا اعرف نظام تربوي في العالم يمنح الطالب درجة اعلى من اعلى نسبة مؤية!). وكما تساءلت في السابق "اليس الامتحان هو سبب هذه التخمة فنرى كليات الطب لا تقبل في صفوفها طلابا بمعدلات اقل من 95% في المرحلة الاعدادية، وهذا ما يجعل الطلاب يحفظون كتبهم حرفيا لتجنب اي خطأ مهما كان صغيراً، او اي انحراف عما هو ملقن لهم مهما كان ضئيلا لان درجة واحدة قد تؤدي بهم الى كلية ليست من اختيارهم". لا اعرف اي نظام تربوي في العالم يستطيع التمييز بين قابليات ومهارات طلبة تختلف درجاتهم النهائية ب 1% فقط، فكيف يمكن دفع طلبة على هذا الاساس لدراسة الهندسة او الصيدلة دون الطب، او العلوم والزراعة دون الهندسة كما يحصل في نظامنا التربوي. 
باختصار امتحانات المدارس والجامعات العراقية هي اختبارات للذاكرة أكثر مما هي اختبارات للتحليل والإبداع، أو لفهم حقيقي. فإذا كانت لديك ذاكرة جيدة يمكنك الحصول على درجات ممتازة باقل جهد ممكن. 
أخيرا، برأي ان موضوع واجبات وحقوق المدرس التقليدية والمتعارف عليها كنتائج الامتحان يجب ان يعاد النظر فيها من زاوية القيمة العلمية والثقافية لنتائج التعلم وعلى اساس مقدار الجهد المبذول في عملية التعليم والتعلم، والتي يلعب المدرس الدور الاهم فيها بالإضافة الى اننا نحتاج الى معايير صحيحة لتحديد كفاءة الطالب لسبب هو اننا لا نملك حاليا الادوات التي تمتحن الامتحان اي بمعنى هل ان الامتحان حقا يقيس كفاءة وقابلية الطالب. ولماذا لا يقيس الامتحان مدى حاجة المناهج للتغيير او التطوير والتحسين. أليس هذا هو احد أهم اهداف اجراء الامتحان؟
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ا . د . محمد الربيعي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/12/23



كتابة تعليق لموضوع : بعبع الامتحانات
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net