أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ : السّنةُ الثّالِثَةُ (١٧)
نزار حيدر
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
{وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ}.
والملأ هم [وُجوه القوْم و سَادَتهم] و [أهل المشورة و الرّؤساء] كما في معاجم اللّغة العربيّة، او كما يمكن ان نُسمّيهم اليوم بالفريق الحاكم، او فريق الحاكم، وهؤلاء عادةً ما يضجرون اذا تقاطعت مصالحهم مع ايّة مشورة صالحة يُمكن ان يقدّمها احدٌ للحاكم، ولذلك فهم يحجبونها عنه ولا يدَعون صاحب الرّاي الحصيف ان يصل الى الحاكم، واذا شعروا ان مُصلحاً يحمل مشروعاً جديداً قد يهدم مشروعهم فوق رؤوسهم، فتراهم؛
١/ يحرّضون عليه الحاكم ويوغلون صدرهُ ضدّهُ بالتّهم والافتراءات {وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ}.
٢/ يُشيعون عليه كلّ ما يمكن ان يغتالَ شخصيّته في المجتمع، كالسّحر والكذب والجنون لاسقاطهِ والتّقليل من آثاره {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} {قَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} {قَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَٰذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ}.
٣/ التّآمر عليه لإبعادهِ عن البلاد وطردهِ منها {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ} كما يفعل اليوم الطّغاة ضدّ المصلحين الذين يهدّدون عروشهم الخاوية ولو بكلمةِ حقٍّ وبصورةٍ سلميّة، فيعمَدوا الى إسقاط الجنسيّة عَنْهُ وإبعادهِ عن البلاد وكأَنَّ المواطنة قميصٌ يُلبِسونهُ من يُعجبهُم وينزعونهُ عمَّن لا يروقُ لهم! أو كَأَنَّ المواطنة هِبة الحاكم للمواطن او مكرُمةً منه لرعاياه! [نظام القبيلة الفاسد الحاكم في البحرين نموذجاً وهو ينزع مُواطنيَّة آيّة الله المجاهد الشيخ عيسى قاسم ويُجرّدهُ من جنسيَّتهِ، وكأنّها وُرَيقات يُمْكِنُ لاحدٍ ان يُمزّقها او يجوزُ ويحقُّ لأحدٍ، مهما كان موقعهُ، ان يَسلُبَها من مواطن! ابداً؛ انّها انتماءٌ وهويّةٌ وتاريخٌ ودورٌ وموقفٌ، خاصةً بالنّسبة لشخصيّةٍ وطنيّةٍ عملاقةٍ كالشّيخ قاسم الذي لازال يترك بصماتهُ الواضحة في ماضٍ وحاضر ومستقبل بلادهِ البحرين منذ اكثر من نصف قرن، يجاهدُ من أَجْلِ وحدتها وكرامةِ شعبها التي لا تتحقّق الا بالحريّة والعدالة الاجتماعيّة التي تتجلَّى بنبذ التّمييز بكلّ أشكالهِ من قِبَلِ (آل خليفة) خاصَّةً التّمييز الطّائفي].
٤/ واذا لم ينفع معهُ كلّ ذلك يعمدون لقتلهِ {وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ} {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}.
والفريقُ الفاسدُ الذي يلتفّ حول الحاكم عادةً ما يكون بوقاً له يضلّل الرّاي العام لتصديق أُلوهيّة الحاكم من جانب، ويصدّق انّ سلطانهُ قميصٌ قمّصهُ الله تعالى لهُ فلا يجوزُ لاحدٍ ان ينازعهُ فيه {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ} {وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ* مَا سَمِعْنَا بِهَٰذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَٰذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ}.
وعندما تبتلي الدّولة ومؤسّساتها بمثل هذا النّموذج الفاسد من جيش (المستشارين) الذين يملأون مكاتب الزّعماء، تتدهور حال البلاد الى الحضيض وهذا ما نراهُ اليوم في جلّ بلادنا العربية والإسلامية، العراق نموذجاً، وللاسف الشّديد فانّ في البلادِ مَن يرغب بهذا النّوع من المستشارين، كونهُ لا يُحبُّ ان يسمع الا الرّاي الذي تطرب لهُ أذنَيه، وان هذا النّوع من المستشارين (الطبّالين) تراهم فنّانين في تزويق الكلام والرأي قبل تقديمهِ كمشورةٍ للزّعيم! لمداراةِ مشاعرهِ وحفاظاً على اعصابهِ من التوتُّر.
انّهم لا يرَون أَنفسهم الا مع (القائد الضّرورة) و (الزعيم المُلهَم) ولذلك لا يفرّطون بمصالحهم الى جنبهِ ابداً حتىاذا تناقضت مشورتَهم مع الحقيقة والواقع، فليسَ مُهمّاً كلّ ذلك انّما المهم ان يرضى عنهم الزّعيم!.
انّهم (عَبَدَةُ العجْلِ) بامتياز!.
ولقد حذّر أَميرُ المؤمنين (ع) من مغبّة تقريب المسؤول لهذا النّوع من الفريق والمستشارين ففي عهدهِ للاشتر لما ولّاه مصر كتبَ لهُ يقول {وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الرَّعِيَّةِ، أَثْقَلَ عَلَى الْوَالِي مَؤُونَةً فِي الرَّخَاءِ، وَأَقَلَّ مَعُونَةً لَهُ فِي الْبَلاَءِ، وَأَكْرَهَ لِلاِْنْصَافِ، وَأَسْأَلَ بِالاِْلْحَافِ، وَأَقَلَّ شُكْراً عِنْدَ الاِْعْطَاءِ، وَأَبْطَأَ عُذْراً عِنْدَ الْمَنْعِ، وَأَضْعَفَ صَبْراً عِنْدَ مُلِمَّاتِ الدَّهْرِ مِنْ أَهْلِ الْخَاصَّةِ، وَإِنَّمَا عَمُودُ الدِّينِ، وَجِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ، وَالْعُدَّةُ لِلاَْعْدَاءِ، الْعَامَّةُ مِنَ الاُْمَّةِ، فَلْيَكُنْ صِغْوُكَ لَهُمْ، وَمَيْلُكَ مَعَهُمْ}.
انّهم يتحدّثون دائماً عن حقوق الحاكم، ويقصدون بها حقوقهم، وواجبات الشّعب، فلا تسمعهم ابداً يتحدّثون ولو مرّةً واحدةً عن واجبات الحاكم وحقوق الشّعب، لانّ الكلام الاول يُرضي الحاكم ويُغضب الشّارع، وهو المطلوب، امّا الثّاني فيُغضب الزّعيم ويُرضي الشّارع وهو غير مطلوب أَبداً.
امّا أَميرُ المؤمنين (ع) ففي اوّل خطابٍ له بعد مبايعتهِ خليفةً للمسلمين قال لهم يذكّرهم بحقوقهِم أولاً {أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ لِي عَلَيْكُمْ حَقّاً، وَلَكُمْ عَلَيَّ حَقٌّ: فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَيَّ: فَالنَّصِيحَةُ لَكُمْ، وَتَوْفِيرُ فَيْئِكُمْ عَلَيْكُمْ، وَتَعْلِيمُكُمْ كَيْلا تَجْهَلُوا، وَتَأْدِيبُكُمْ كَيْما تَعْلَمُوا.
وَأَمَّا حَقِّي عَلَيْكُمْ: فَالوَفَاءُ بِالبَيْعَةِ، وَالنَّصِيحَةُ في الْمَشْهَدِ وَالْمَغِيبِ، وَالاِْجَابَةُ حِينَ أَدْعُوكُمْ، وَالطَّاعَةُ حِينَ آمُرُكُمْ} فقدّم الحديث عن حقوق النّاس على الحديثِ عن حقوق الحاكم، وكذلك قوله (ع) {أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ جَعَلَ اللهُ لِي عَلَيْكُمْ حَقّاً بِوِلاَيَةِ أَمْرِكُمْ، وَلَكُمْ عَلَيَّ مِنَ الْحَقِّ مثْلُ الَّذِي لِي عَلَيْكُمْ، فَالْحَقُّ أَوْسَعُ الاَْشْيَاءِ فِي التَّوَاصُفِ، وَأَضْيَقُهَا فِي التَّنَاصُفِ، لاَيَجْرِي لاَِحَد إِلاَّ جَرَى عَلَيْهِ، وَلاَ يَجْرِي عَلَيْهِ إِلاَّ جَرَى لَهُ، وَلَوْ كَانَ لاَِحَد أَنْ يَجْرِيَ لَهُ وَلاَ يَجْرِيَ عَلَيْهِ، لَكَانَ ذلِكَ خَالِصاً لله سُبْحَانَهُ دُونَ خَلْقِهِ، لِقُدْرَتِهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَلِعَدْلِهِ فِي كُلِّ مَا جَرَتْ عَلَيْهِ صُرُوفُ قَضَائِهِ، وَلكِنَّهُ جَعَلَ حَقَّهُ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يُطِيعُوهُ، وَجَعَلَ جَزَاءَهُمْ عَلَيْهِ مُضَاعَفَةَ الثَّوَابِ تَفَضُّلاً مِنْهُ، وَتَوَسُّعاً بِمَا هُوَ مِنَ الْمَزِيدِ أَهْلُهُ} وقولهُ عليه السلام {أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ حَقّاً عَلَى الْوَالِي أَلاَّ يُغَيِّرَهُ عَلَى رَعِيَّتِهِ فَضْلٌ نَالَهُ، وَلاَ طَوْلٌ خُصَّ بِهِ، وَأَنْ يَزِيدَهُ مَا قَسَمَ اللهُ لَهُ مِنْ نِعَمِهِ دُنُوّاً مِنْ عِبَادِهِ، وَعَطْفاً عَلَى إِخْوَانِهِ.
أَلاَ وَإِنَّ لَكُمْ عِنْدِي أَلاَّ أَحْتَجِزَ دُونَكُمْ سِرّاً إِلاَّ فِي حَرْب، وَلاَ أَطْوِيَ دُونَكُمْ أَمْراً إِلاَّ فِي حُكْم، وَلاَ أُؤَخِّرَ لَكُمْ حَقّاً عَنْ مَحَلِّهِ، وَلاَ أَقِفَ بِهِ دُونَ مَقْطَعِهِ، وَأَنْ تُكُونُوا عِندِي فِي الْحَقِّ سَوَاءً، فَإِذَا فَعَلْتُ ذلِكَ وَجَبَتْ لله عَلَيْكُمُ النِّعْمَةُ، وَلِي عَلَيْكُمُ الطَّاعَةُ، وَأَلاَّ تَنْكُصُوا عَنْ دَعْوَة، وَلاَ تُفَرِّطُوا فِي صَلاَح، وَأَنْ تَخُوضوا الْغَمَرَاتِ إِلَى الْحَقِّ، فَإِنْ أَنْتُمْ لَمْ تَسْتَقِيمُوا لِي عَلَى ذلِكَ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَهْوَنَ عَلَيَّ مِمَّنْ اعْوَجَّ مِنْكُمْ، ثُمَّ أُعْظِمُ لَهُ الْعُقُوبَةَ، وَلاَ يَجِدُ عِنْدِي فِيها رُخْصَةً، فَخُذُوا هذَا مِنْ أُمَرَائِكُمْ، وَأَعْطُوهُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ مَا يُصْلِحُ اللهُ بِهِ أَمْرَكُمْ}.
وفي هذا النصّ ربط الامام (ع) طاعة الرّعيّة للحاكم بمقدار نجاحهِ في تحمّل مسؤولياته، فشرعيّة الحاكم تُقاسُ بالنّجاح فقط وليس بأيّ شَيْءٍ آخر، فاذا فشل فللأمة الحق في عزلهِ وطردهِ عن موقع المسؤولية واستبدالهِ بمَن يحقّق مصالحها ويحميها من العبث والفساد والضّياع.
٢٢ حزيران ٢٠١٦
للتواصل؛
E-mail: nhaidar@hotmail. com
Face Book: Nazar Haidar
WhatsApp & Viber& Telegram: + 1
(804) 837-3920
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
نزار حيدر

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat