يا ليت أحمّرت الخضراء وأخضّرت الحمراء!
عباس الكتبي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
عباس الكتبي

المنطقة الخضراء، ومدينة الصدر، تقعان في بغداد، الأولى في غربها، والثانية في شرقها.
الحيّان متقابلان في الأتجاه، وبينهما مسافة بعيدة جداً من الفوارق الأجتماعية:كالمعيشية، والسكنية، والخدمية، والأمنية، وكأن واحدة في الثرى، والأخرى في الثريا!
من يطلع على تاريخ المنطقتين أو الحييّين، يجد ان المنطقة الخضراء منذ نشوئها، نزلها وسكن بها الناس المترفين من كبار الشخصيات والمسؤلين، وكانت معقل لرجال الدولة ومؤسساتها ودوائرها، ولسفارات الدول الأجنبية، على مرً الحقب والأنظمة السياسية، لذا فمن الطبيعي أن يعتنى بها في الأعمار والخدمات، وتكون محصنّة أمنية.
في الطرف المقابل، مدينة الصدر، نشأت على يد الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم، أستقطب وأستقدم الأهالي من جنوب العراق وأسكنهم فيها، وإلى اليوم غالبية الناس في مدينة الصدر، هم من أصل الجنوب، وأحدث فيها الزعيم نهضه معمارية، وسميّت في وقته بالثورة، فعلا انها ثورة اصلاحية، إلا أنها عاش ساكنيها بعد ذلك من الأنظمة الجائرة، الويل والثبور، والبؤس والحرمان، ومازلت إلى هذا الوقت تعاني الفقر، والبطالة، والخدمات الضرورية من قبل حكومات الديمقراطية.
الأمر الذي يحزن، ويبعث الأسى في النفوس، ان أبناء مدينة الصدر لهم 34 نائب، ينتمون إلى التيار الصدري، ومنهم محافظ بغداد، ولهم حصة الأسد في الوزارت، ومنها وزارة الأسكان والاعمار، ومنهم رئيس لجنة الأمن والدفاع، ولكن بلا عمل ولا ظيفة، ولا اعمار ولا خدمات، ولا أمن ولا أمان! فلماذا إذاً تسمونها باسم الصدر، مع احترامنا الشديد لقدسية ومرجعية السيد الصدر"قده"،فعلماء الدين لا يخلدون بزقاق أو محلة، وإنما يخلدون بعطائهم وتراثهم العلمي، قادة التيار الصدري، أساءوا السمعة للسيد محمد الصدر"قده"، ومَن كان لا ينفع أهله، فكيف ينفع الآخرين؟!
كلا الحيّان(الخضراءوالصدر)، سميّ بأكثر من أسم، خلال عقود السنين الماضية، بما تشتهي أنفس الناس والحكّام، أحياناً يكون الاسم عاطفي"كمدينة الصدر"،ومرة يكون سياسي"كمدينة صدام"، وعلى أي حال علينا بالواقع الحالي، "فالخضراء": أسم ينتسب إلى اللون الأخضر من الحدائق والأشجار، ومن دلالات هذا اللون، حسب علم النفس اللّوني، يدل على السعادة، وحب الحياة، ونعيم العيش، وهو يتوافق ويتناسب مع المترفين في الخضراء، الذين أفسدهم، وأبطرهم، وأطغاهم، حب المال، والجاه، والسلطة.
أمّا"مدينة الصدر":أسم ينتسب إلى المرجع الديني المقتول ظلماً، السيد محمد الصدر"قده"،ولاقت هذه المدينة تعسفاً وجوراً، وأضطهادأ وتشريداً، وقتلاً من السلطات الغاشمة، ومن تفجيرات الأرهابيين، وأنسب الألوان الذي يدل على الدماء التي جرت على الأرض من أبنائها، هو اللون الأحمر، فهو يرمز إلى الخطر المحدق بهم، ومن معانيه أيضاً الغضب، فأبناء المدينة كانوا وما زالوا غضّاب على الحكّام، وعلى المسؤلين اللذين يمثلونهم، لأنهم لم يقدموا لهم أي شيء، سوى القتل فيهم!
حقاً الفارق كبير بين الخضراء"المنطقة"وبين الحمراء"مدينة الصدر"، وكأن أولئك في الجنة، وهؤلاء في النار، وقد أرتسمت صورة في ذهني لهم، أستليّتها من مشهد قرآني، فنادى أهل المنطقة الحمراء أهل الخضراء:( أفيضوا علينا من اخضراركم قليلا)، فأجابوهم:( أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)، فلمّا يأسوا أهل الحمراء منهم دعوا عليهم فقالوا:(عسى ربكم أن يخضر احمرارنا، ويحمر اخضراركم).
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat