لم تحفل قصيدة في الشعر العربي بعيون الحكمة ومنابعها مثلما حفلت قصيدة أبي الطيِّب المتنبي (303 _354 هجري ) الميميَّة المشهورة ب(( الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيفُ والرمحُ والقرطاسُ والقلمُ )) التي أمتازت بخاصية التعديد كصور بلاغيه لاسيما في هذا البيت الذي يدنو من الفخرِ أكثر منه الى الحكمة غرضاً ( من البحر البسيط )
*والحكمة عند المتنبي خلاصة ترحال وتجوال ومعاشرة خرج منها بمشهد تراجيدي قرب النعمانيه ليلة ال27 من رمضان عام 965 م هو وغلمانه وأبنه محسَّد وغلامه ( مفلح ) وخِرْجُ أوراقه ومقتنياته التي صارت نهب الريح والدم المُراق، وأنكسرت غيمة الشعرعلى رمال صحراء ( البغيله ) وأنطفأَ فوقَ ترابها نجم سؤدد شاعر ملأَ الدنيا وشغلَ الناس ولم تحظَّ حكمةُ شاعر من الشهرة مثلما حوتها قصائد أبي محسَّد فقيل : (( ما أجتمعَ أثنان يتحدثان ألا وكان المتنبي ثالهما كما قالَ ( أبن فورجه) كنايةً عن الحكمة التي دارت على ألسُن الناس في شتى العصور والأزمان أضطراراً أو أختياراً وكيف لا وهو جوّاب الصحارى وقرين الأمراء والفرسان .
وعودة الى القصيدة وماتحويه من معانٍ دراميه وصلت حدَّ الضرب بدواة ومفتاح (أبن خلكان) شجَّ جبهة الشاعر فسال دمه ( أن كان سَّركُمُ ماقالَ حاسدنا فما لجرحٍ أذا أرضاكم ألمُ ) يضع نفسه منزلة الأمير قرينه بحضور أبن عم الأمير الشاعر ( سيف الدوله الحمداني ) (( يامَن يعزُّ علينا أن نفارقَهم وجداننا كلَّ شيءٍ بعدكم عدمُ ))، (( أذا ترحلّْتَّ عن قومٍ وقد قدروا أن لاتفارقَهم فالراحلونَ همُ ))
ونستطيع تسمية هذه القصيدة بقصيدة (الرحيل ) فبعدها غادر حلب على مضض الى كافور الأخشيدي قاطعاً بذلكَ آصرة عمر وشعر وعشق
ويُرجِعُ أغلب مورخو الأدب هذا النص الى خانة العتاب والفخر والمديح لما حواهُ من تلكم الأغراض
وكذلك تسميتها بقصيدة ( الخيمه ) لأنها شهدت فراق السيف عن الشعر ( المتنبي وسيف الدوله ) بسبب الوشاة والحُسّاد الذين ما فتيءَ المتنبي بالتلميح أليهم (( أزِلْ حسدَ الحُسادِ عني بكبّْتهم فأنتَ الذي صيرّتَهم ليَ حُسَّدا)) وبسبب هذه القطيعة أنعلَ الشاعر رجليه في أفراسٍ غير أفراسه التي يروم وأفردَ كلماته لأناس أمراء وفرسان عدَّه الاأن طيف صاحبه ( الحمداني ) لم يفارقه حتى عودته من أبن العميد ومقتله .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الأسماء الواردة في المنشور هي لشخوصٍ عاصرهم الشاعر
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat