اللعبة والجنون والرحيل؟!!
د . صادق السامرائي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . صادق السامرائي

نظرية اللعبة معروفة , ومبتكرها الذي إنتصر على الجنون , لكنه وزوجته قضيا نحبهما في حادث سيارة في يوم 23\5\2015 عن عمر يناهز 86 عاما.
وحسب ما ورد في الأخبار أنهما كانا يستقلان سيارة التاكسي , التي إنحرفت وإنقلبت وقذفتهما ميتين في الحال.
والجنون معروف منذ بدء الخليقة , ومؤكَد في تراثها المعرفي والديني والتشريعي , وقد إتخذت البشرية موقفا سلبيا منه , رغم أن الكثير من الذين يسمونهم مجانين , أسهموا في صناعة أحداث تأريخها وترسيم خارطة حياتها , ومنهم صاحب نظرية اللعبة , التي أحدثت تغيرات نوعية في التفاعلات الدولية والإقتصادية , ونعيش معطياتها على مدى أكثر من نصف قرن.
كما أن علاقة الجنون بالعبقرية ملاحظة متكررة , وكأن الجنون والعبقرية توأمان لا ينفصلان!!
وفي مجتمعاتنا العديد من العباقرة الذين نسميهم مجانين , وكان في محلتنا رجل يسمى مجنونا , وعندما نسأل عن سبب تسميته بذلك يكون الجواب , إنه يخترع كل شيئ , فما أن تعطيه فكرة حتى يحولها إلى مُخترع مادي , ولهذا فهو مجنون , وكان يرسم بدقة , فحالما ينظر إليك حتى يرسمك تماما على الورق , وكأنه إلتقط صورتك.
وعندما كنت أعمل في مستشفى الكرامة ببغداد , جيئ بشاب على أنه مجنون , وكان في غاية التوقد الذهني والقدرة الفائقة على وضع الأفكار في كلام , وكانت أمه معه , وتقول أنه مجنون , وعندما جلست معه لتقييم حالته , تبين أنه صار يُسمى مجنونا , لأنه ما أن تسأله عن معضلة تقنية في مصنع أو ماكنة إلا وإخترع لك آلة لحلها , أو صنّع لك ما يشابهها , وكان يؤكد لي بأن الفكرة تتحول في رأسه إلى آلة , وكأنه يستحضر مواصفاتها وتركيباتها الهندسية , ويبدأ بترجمتها في الواقع من حوله , وأذكر أنه كان مهتما بإبتكار آلات لتعليب التمور وتصنيعها وكيف يمكن تلقيح النخيل وإنزال الأعذاق.
" دكتور المخططات في دماغي , وصنعت بعضها لكنهم يحسبوني مجنونا , وهذه أمي أنظر ماذا ترى"!!
فما أكثر العباقرة في مجتمعاتنا ونلصق بهم كلمة الجنون , ويمكن أن أسميه " الجنون الحميد" , لأنه إنتاجي إبداعي ومؤثر في مسيرة الحياة , وهذا الجنون ترعاه الدول المتقدمة , كما هو الحال مع صاحب نظرية اللعبة , الذي نال عليها جائزة نوبل.
فليس كل جنون خبيث , وإنما الرؤية المجتمعية المتوارثة هي التي لا تميز , قتفقد الكثير من الفرص الحضارية التي يمكن أن ترسم مسيرة حياتها.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat