بسم الله الرحمن الرحيم
وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً{67}
تستمر الآية الكريمة لتبين اعمال عباد الرحمن ( وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا ) , الانفاق على العيال , او النفقة الواجبة وقد يلحق بها المستحبة :
1- ( لَمْ يُسْرِفُوا ) : لا يتجاوزون الحد في الانفاق , او لا ينفقون في المعصية , او لا ينفقون في الموارد غير ذات الاستحقاق .
2- ( وَلَمْ يَقْتُرُوا ) : لم يبخلوا بما عليهم في موارد استحقاق النفقة .
3- ( وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً ) : الحد الوسط بين الاسراف والبخل .
( عن النبي صلى الله عليه وآله : من اعطى في غير حق فقد اسرف ومن منع من حق فقد قتر ) . "تفسير الصافي ج4 للفيض الكاشاني" .
وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً{68}
تستمر الآية الكريمة في بيانها لعباد الرحمن :
1- ( وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ ) : لا يعبدون غير الله تعالى ذكره .
2- ( وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ) : لا يعتدون بالقتل على الانفس المحترمة , التي حرم الله تعالى قتلها , الا بالحق .
3- ( وَلَا يَزْنُونَ ) : لا يعتدون او يتجاوزون حدود الله تعالى ومنها الزنا .
( وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً ) , من اقترف واحدة مما ذكر فقد عرض نفسه للعقاب الاثم .
يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً{69}
تستكمل الآية الكريمة موضوع سابقتها الكريمة :
1- ( يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) : ذاك التهديد الوارد في الآية الكريمة السابقة فيما يبدو انه في الدنيا كالحدود و التعزيرات , اما في الاخرة يتعرض مرتكب احدى الجرائم الثلاث الى اضعاف العقاب في الاخرة .
2- ( وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً ) : ثم يخلد في جهنم , وحاله فيها ( مُهَاناً ) , ذليلا , لا كرامة له .
إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً{70}
تستثني الآية الكريمة ( إِلَّا مَن تَابَ ) , ادرك التوبة , وليس التوبة فقط , بل ( وَآمَنَ ) , ادرك الايمان , كأن الايمان ينتزع من مرتكب احدى الجرائم الثلاث , فلا يؤمن المؤمن وهو يشرك بالله تعالى , ولا يقتل النفس المحترمة بغير وجه حق وهو مؤمن , وكذلك المؤمن لا يزني , كما وان الايمان بعد التوبة لا يكاد يكون كافيا ما لم يصحبه ( وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً ) , عملا يبين ويثبت اثار التوبة وينم ويدل على حقيقة الايمان , فيعمل في وجوه الخير , ( فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ) , يعد النص المبارك هذه الفئة ( مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً ) بأن الله تعالى سيبدل سيئاتهم الى حسنات , ( وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً ) , غفورا , كثير المغفرة لهم , ( رَّحِيماً ) , بهم وبحالهم .
وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً{71}
تقرر الآية الكريمة ( وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً ) , ان من تاب من ذنوبه وهي ليست مما ذكر , واردف توبته بالعمل الصالح , ( فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً ) , فأنه بذلك يعود الى الله تعالى والى حضيرة الايمان رجوعا صحيحا سليما .
وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً{72}
تستمر الآية الكريمة في بيانها لعباد الرحمن مادحة :
1- ( وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ) : تختلف الآراء في الزور , فمنها انه الغناء ومنها انه الشهادة الكاذبة .
2- ( وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً ) : ثم انهم يكرمون انفسهم من الحضور في اماكن الباطل , فيمرون بها ان اضطروا مرور الكرام , معرضين عن الاستماع اليها او حتى النظر فيها .
وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً{73}
تستمر الآية الكريمة في بيانها لعباد الرحمن مادحة ( وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ ) , اذا وعظوا بآيات القرآن او آيات قدرته جل وعلا , ( لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً ) , لم يقيموا عليها غير واعين او مدركين لها , بل تنفتح قلوبهم واذهانهم وحواسهم لها , مستزيدين منها ايمانا ويقينا , {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ }الأنفال2 , {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ }التوبة124 .
وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً{74}
تستمر الآية الكريمة في بيانها ومدحها لعباد الرحمن مسلطة الضوء على دعواتهم ( وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ ) , يدعون الله تعالى ان يهبهم من الزوجات والذرية ما تقر به اعينهم , بالتوفيق للطاعة وحيازة الفضائل ... الخ , ( وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ) , واجعلنا قدوة , يقتدى بها في طرق الخير والهداية .
نقلت الآيات الكريمة في مدحها وكلامها عن عباد الرحمن صورة متكاملة الجوانب .
أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَاماً{75}
تشير الآية الكريمة الى عباد الرحمن :
1- ( أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ ) , المنزلة الرفيعة في الجنة , ( بِمَا صَبَرُوا ) , بصبرهم على الطاعة .
2- ( وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَاماً ) : ليس تلك المنزلة فقط , وايضا تحييهم الملائكة او يحيي بعضهم بعضا , وهذا مما حرّم على اصحاب النار .
خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً{76}
تستكمل الآية الكريمة موضوع سابقتها الكريمة مضيفة :
1- ( خَالِدِينَ فِيهَا ) : يخلدون فيها , لا يموتون ولا يخرجون منها ابدا .
2- ( حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً ) : حسنت للاستقرار والاقامة .
قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً{77}
الآية الكريمة تخاطب الرسول الكريم محمد "ص واله" ( قُلْ ) , لهم , ( مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ) , لا يكترث بكم ربي , لولا دعاءكم اياه في الشدائد والنوائب فيكشفها ويرفعها عنكم , ( فَقَدْ كَذَّبْتُمْ ) , فقد كذبتم الرسول الكريم محمد "ص واله" وما جاءكم به من القرآن والآيات والبراهين القاطعة , ( فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً ) , لذا سيكون العذاب ملازما لكم , لا محالة , في الدنيا والاخرة .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat