كتابات في الميزان
كتابات في الميزان

تأملات في القران الكريم ح265 سورة الفرقان الشريفة


بسم الله الرحمن الرحيم

وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيراً{55}
تنعطف الآية الكريمة لتبين مقررة :
1-    (  وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ ) : بعد ان بينت الآيات الكريمة السابقة جزءا من معالم قدرته جل وعلا , الا ان الانسان "الكافر" يتخذون آلهة من المخلوقات , ما لا يجلب النفع لهم , ولا حتى يضرهم او يدفع الضر عنهم . 
2-    (  وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيراً ) : يقرر النص المبارك ان الكافر يعين الشيطان بطاعته , او يظاهر الشيطان في عدواته لله تعالى وللمؤمنين .  

وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً{56}
الآية الكريمة تعين وظيفة الرسول الكريم محمد "ص واله" بوظيفتين :
1-    (  وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّراً ) , مبشرا بالجنة وحسن العاقبة والثواب الجزيل للمؤمنين .
2-    (  وَنَذِيراً ) : منذرا من جهنم وسوء العاقبة والعذاب الاليم للكفار .  

قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَن شَاء أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً{57}
الآية الكريمة تخاطب الرسول الكريم محمد "ص واله" (  قُلْ ) , لهم , (  مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ) , لا اطلب اجرا مقابل دعوتي وادائي لمهام الرسالة والنبوة , (  إِلَّا مَن شَاء أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً ) , لكن من شاء منكم ان ينفق في اوجه الحق قربة الى الله تعالى فلستم بمجبرين على ذلك , لكنه خيرا لكم وازكى لأموالكم واطهر لنفوسكم .     

وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً{58}
يستمر خطاب الآية الكريمة للرسول الكريم محمد "ص واله" :
1-    (  وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ ) : اعتمد وتوكل على الحي الذي لا يموت في استكفاء الشرور والاستغناء عن الاجور .
2-    (  وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ ) : نزهه جل وعلا عن صفات النقصان وكل ما لا يليق به جل وعلا , مثنيا عليه بصفات الكمال والجلال , طلبا لمزيد النعم { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ }إبراهيم7 .
 (  وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً ) , كفى به جل وعلا عالما مطلعا على ذنوب عباده , ما خفي منها وما اعلن , وهو جل وعلا يجازيهم بها , فلا عليك ان آمنوا او كفروا . 

الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً{59}
نستقرأ الآية الكريمة في ثلاثة موارد :
1-    (  الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ) : يؤكد النص المبارك ان الله تعالى خلق السموات والارض في ستة ايام , لا يعلم انها من ايام الدنيا او من ايام الاخرة , فلم تكن هناك شمس ولا ارض قد خلقا بعد .
2-    (  ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ) : عرش القدرة .
3-    (  الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً ) : تختلف الآراء حول (  خَبِيراً ) , فمنها :
أ‌)    الخبير هو الله تعالى , وهو من الاسماء الحسنى .
ب‌)    اذا كان سياق النص المبارك موجه للناس عامة , فأن الاكثر معرفة بالله تعالى هو الرسول الكريم محمد "ص واله" , فيكون هو المراد به .
ت‌)    الخبير هو جبرائيل "ع" .
ث‌)    من خبر الله تعالى في الرسل والكتب المتقدمة . 

وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً{60}
تبين الآية الكريمة (  وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ ) , لتساءل كفار مكة هذا عدة اراء منها :
1-    ما كان كفار مكة يطلقون لفظة ( الرحمن ) على الله تعالى .
2-    او انهم ظنوا ان الرحمن غير الله تعالى .  
3-    او ان سؤالهم كان فيه شيئا من الاستهزاء .
(  أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا ) , أتريد منا ان نسجد لما تأمرنا بالسجود له طاعة لك , (  وَزَادَهُمْ نُفُوراً ) , بعدا عن الايمان .    

تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً{61}
تتعلق الآية الكريمة بسابقتها الكريمة , السابقة امرت بالسجود للرحمن فاعرض وانكر الكفار ذلك , لذا جاءت بمزيد من المعرفة بالرحمن (  تَبَارَكَ ) , تعاظم , كثرت خيراته وبركاته , (  الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء ) , النص المبارك يرفع التفكر والتدبر الى السماء , لمعرفة كفار مكة ببعض احوالها وما ينفعهم في معرفة الطرق ومسير القوافل :   
1-    (  بُرُوجاً ) : البروج الاثني عشر .
2-    (  وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً ) : الشمس , {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً }نوح16 .
3-    (  وَقَمَراً مُّنِيراً ) : مضيئا , {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً }نوح16 .

وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً{62}
تستمر الآية الكريمة في موضوع سابقتها الكريمة مضيفة (  وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً ) , يخلف كلا منهما الاخر , (  لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ ) , ما فاتك في احدهما , يمكنك قضاءه في الاخر , (  أَوْ أَرَادَ شُكُوراً ) , او لمن اراد ان يشكر نعمه جل وعلا فيهما . 
(  عن الصادق عليه السلام كل ما فاتك بالليل فأقضه بالنهار قال الله تبارك وتعالى وتلا هذه الآية ثم قال يعني ان يقضي الرجل ما فاته بالليل بالنهار وما فاته بالنهار بالليل ) . "تفسير الصافي ج4 للفيض الكاشاني" .  

وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً{63}
تنعطف الآية الكريمة لتسلط الضوء على عباد الرحمن مادحة (  وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ ) , نسبتهم للرحمن , لفرط ايمانهم , ثم ذكرت خصلتين من خصالهم :
1-    (  الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً ) : مشيهم الطبيعي من غير تكلف او تبختر .
(  عن الصادق عليه السلام هو الرجل يمشي بسجيته التي جبل عليها لا يتكلف ولا يتبختر ) . "تفسير الصافي ج4 للفيض الكاشاني" .   
2-    (  وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً ) : يبين النص المبارك حالة من حالاتهم , عند تعرض الجاهلون لهم بما يكرهون , يجيبونهم بـ (  سَلَاماً ) :
أ‌)    تسليما منكم ومتاركة لكم لا خير بيننا ولا شر . "تفسير الصافي ج4 للفيض الكاشاني" .   
ب‌)    أي قولا يسلمون فيه من الإثم . "تفسير الجلالين للسيوطي" .   

وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً{64}
تستمر الآية الكريمة في بيان حالة من حالاتهم السرية في علاقتهم مع الله تعالى ذكره (  وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ ) , تخصيص العبادة في البيتوتة كونها ابعد عن الرياء وارسخ في القلب , (  سُجَّداً وَقِيَاماً ) , كثرة السجود والقيام . 

وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً{65}
تستمر الآية الكريمة في بيان حالة اخرى من حالات عباد الرحمن , والتي يتبين فيها اشفاقهم من عذاب جهنم (  وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا ) , اي ان دعاءهم لازم وثابت ومستمر , مع لحاظ ان دعاءهم يستهل بــ (  رَبَّنَا ) , وقد تقدم الحديث عن هذا المضمون , (  اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ ) , اول مطلب لهم ان يمنّ عليهم الباري جل وعلا بالنجاة من جهنم , (  إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً ) , مبينين السبب وهو ان عذاب جهنم يلازم صاحبه , ولا يفارقه .        

إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً{66}
تستمر الآية الكريمة في موضوع سابقتها الكريمة لتروي على لسان عباد الرحمن بيانا اخر لجهنم (  إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً ) , ان جهنم شر مكانا للاستقرار والاقامة .    




 
 

طباعة
2015/03/05
2,401
تعليق

التعليقات

لا توجد تعليقات على هذا المقال بعد. كن أول من يعلق!