الوالدان.. ما لهما وما عليهم
محمد المبارك
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد المبارك

استفاضت الروايات والأحاديث الشريفة في فضل الوالدين ووجوب رعايتهما
وطاعتهما وبرهما ، ولذلك أخذ ذلك جانبا كبيرا في أحاديث وندوات المربين
وأهل الاختصاص بل تعدى ذلك ليشمل خطب المنابر وكتب المؤلفين وقبل هذا
وذاك القرآن الكريم ، حيث قال سبحانه (( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه
وبالوالدين إحسانا))(1).
وفي فضل برهما يقول أبي جعفر ( عليه السلام) في رواية عن عنبسة بن مصعب ،
قال ( ثلاث لم يجعل الله تعالى فيهن رخصة : أداء الأمانة إلى البر
والفاجر ، والوفاء بالعهد للبر والفاجر ، وبر الوالدين برّين كانا أو
فاجرين)(2).
فإذاً أتضح أن بر الوالدين من المسلّمات التي أمر بها الشارع المقدس وحث
عليها ، وبرهما معلوم ومعروف وهو طاعتهما والإحسان إليهما وعدم عقوقهما
وهذا واجبنا نحوهما.
ولكن نبقى في العكس وهو واجبهم نحونا لماذا لم يتكلم عنه المتكلمون
ولماذا لم يتطرق إليه من يجب عليه ذلك ولاسيما الخطباء الذين كثير ما
يتكلمون عن واجب الأولاد اتجاه والديهم بينما تجد من القليل بمكان من
يتحدث عن العكس ، فهل هناك واجبات من الوالدين اتجاه أولادهم ؟
يقول الإمام السجاد (عليه السلام) في رسالة الحقوق ( وأما حق ولدك فتعلم
أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره ، وأنك مسؤول عما وليته من
حسن الأدب ، والدلالة على ربه والمعونة على طاعته فمثاب على ذلك
ومعاقب)(3).
وأيضا يتضح من هذه المقطوعة للإمام السجاد (عليه السلام) أنه كما
للوالدين حقوق فكذلك للأولاد حقوق ومن أهم تلك الحقوق أن تنسبه إليك وأنه
جزء منك وأنك مسؤول عن تربيته بحسن الأدب والتربية الصالحة ، وهنا ( مربط
الفرس) - كما يقال - فالوالدين ولاسيما الأب مسؤول عن تربية أولاده
التربية التي تقودهم إلى بر الأمان في الدنيا والآخرة فمن يريد أن يعمل
ذلك فلابد له من ملاصقة أولاده والقرب منهم وأن لا يتركهم عبثا ولاسيما
في هذا الزمان الذي أصبحت مغرياته كثيرة ولربما لا يستطيع الوالدين
السيطرة عليها لقربها منهم ولكثرتها كما أسلفنا.
فالأجهزة الإلكترونية مثلا أصبحت تغزو الأفراد والمجتمعات في عقر دارهم
وفي أفكارهم وعقلياتهم حتى أنك لتراها في أيدي الأطفال في كل وقت وزمان
لا تكاد تنفك من أيديهم والخوف كل الخوف مما يشاهدونه فيها ومنها.
ناهيك عن الأجهزة الإعلامية الأخرى من ( التليفزيون) والستلايت
والفيديو وغيرها ، كل هذه الأجهزة لا تلقى لها صداً منيعا حقيقيا من
الوالدين وليس هذا فحسب بل أن البعض يشجع الأبناء من حيث يشعر أو لا يشعر
بشراء كل ما يطلبونه بإيعاز من الأم أحيانا لكي ربما يقتل بها نفسه أو
الآخرين أحيانا بطيش منه أو بمبرر يضحك الثكلى ، كأن يعطي طفل أو شابا
مراهقا لا يتجاوز عمره الأربعة عشر أو خمسة عشر عاما سيارة فارهة ليمازح
بها أقرانه أو يمازحونه ، لينتج عن ذلك دهس أو عاهة مستديمة وكل ذلك باسم
المزاح!!، وما أكثر ما يقع ذلك.
وقد وقع ذلك بالفعل منذ أيام قليلة بالقرب من إحدى المدارس القريبة من
سكناي فقد تعرض أحد أبنائي لحادث كاد يودي بحياته ولكن الله سلّم وكانت
النتيجة رضوض وتمزق في الرجلين والسبب قيادة غير مسؤولة من شاب مراهق لم
يرعَ والده مسؤوليته اتجاهه بأن أعطاه سيارة وهو في مثل هذا السن الحرج
المبكر ولم يسأل عنه ولم يبين له أهمية قيادة السيارة وأرواح البشر وأن
السيارة للحاجة وليست للمرح أو العبث بها.
فيجب في مثل هذه الأمور المهمة أن لا يغيب دور الوالدين في النصح
والإرشاد فهم مسؤلان بالدرجة الأولى عن التزام أولادهم بالأدب وهذا يعكس
صورة تربيتهم ورعايتهم لهم وصدق صلى الله عليه وآله وسلم حين قال ( كلكم
راع وكلكم مسؤول عن رعيته)(4).
(1)- سورة الإسراء : الآية (23)
(2)- النجفي ، هادي – موسوعة أحاديث أهل البيت ( عليهم السلام) ج12 ص108
– ط\ 1 ، 1423هـ \ 2002م ، دار إحياء التراث – بيروت\ لبنان.
(3)- زين العابدين ، الإمام علي بن الحسين ( عليهما السلام)- رسالة
الحقوق صـ 99- شرح السيد عباس علي الموسوي – ط\4 ، هـ1410\ 1990م ، دار
المرتضى – بيروت \ لبنان.
(4) – البخاري ، محمد بن إسماعيل – صحيح البخاري ج2 ك: الجمعة ب: 569
ح:841 ص 414 – دار القلم – بيروت \ لبنان.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat