صفحة الكاتب : محمد حسن ديناوي

الجمعة الراعفة ... وإصلاحات النظام الزائفة
محمد حسن ديناوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

إن ما حدث يوم الجمعة الموافق الثاني والعشرين من نيسان (  أبريل ) والتي سماها الشباب الثائر من الشعب السوري الجمعة العظيمة  ، وذلك كتأكيد على وحدة الشعب السوري ضد النظام القمعي الفاسد المستبد ، وأن جميع أطياف الشعب السوري بجميع أطيافه ومعتقداته ومذاهبه وقومياته  يقفون صفا واحدا للمطالبة بحقوقه المسلوبة من الحرية والكرامة وحق المواطنة المتساوية في بلد جديد  يسوده القانون والديموقراطية والتعددية ، رغم  محاولات  النظام المتهالكة  لتسويق الفتنة الطائفية وترهيب الشعب بها في محاولة يائسة لجر البلاد إلى الخراب والدمار ، إلا أن الشعب السوري أذكي من هذه القيادات المحنطة التي لا ترى إلا ما يسمح لها النظام البوليسي الفاسد برؤيته ، فلقد ثار شبابها كما ثار من قبل جميع مكونات الشعب السوري وأطيافه من مسلمين ومسيحيين ، ومن عرب وأكراد ، ومن سنة واسماعيلية وعلويين و دروز .
 إنها ثورة شعب كامل أبي بجميع أطيافه وإثنياته يتوق للحرية ويتعطش للكرامة ، ويضحي في سبيل هذه المبادئ السامية بالنفيس والنفيس ، لا  لأجل أشخاص أو عائلات أو عصابات ومافيات ... إنها ثورة العزة والكرامة ، إنها ثورة الحرية والتحرر ، لقد كسر هذا الشعب الأبي المتجذر في أعماق الحضارة حاجز الخوف ، وخرج بصدوره العارية وهاماته المرفوعة يردد شعارته الصادقة بلحن شجي وحماس ملتهب دفع ثمنها الكثير من دماء شبابه الأطهار ، لأن الحرية الحقيقية ليست كلمات تقال وشعارات ترفع ، إنما هي ثمن باهظ  يقدمها المواطنون الأباة من دماء زكية تراق ، وتضحيات نفيسة  تبذل ، لإنهاء نظام الفساد والاستبداد عدو الشعب والوطن ، الذي يطلق رصاص بنادقه الخارق والحارق والمتفجر ، مستهدفا  جباه المتظاهرين الشامخة وحناجرهم الشجية الصادقة وصدورهم العارية المنتصبة .
إنها جمعة  عظيمة بحق ، بعظمة هؤلاء الشهداء الذين قدموا أنفسهم قرابين فداء للحق والحرية ، إنها جمعة التضحية ...  جمعة البطولة ... جمعة البسالة والفداء .... إنها الجمعة الدامية التي روت أرض الشام المباركة بدماء زكية سفحت على ثرى ترابها الطاهر المعطر بدم الشهداء السابقين من يوم فتحها خالد بن الوليد إلى نور الدين زنكي والعز  وقطز وصلاح الدين الذي حررها من الصليبيين الفرنجة ، ومرورا بيوسف العظمة الذي تصدى للإحتلال الفرنسي ... إلى ثوار الثورة السورية ضد المستعمر الفرنسي في جميع أنحاء سورية ... إلى الشهداء الذين سقطوا على يد هذا النظام الدكتاتوري الفاشي المجرم في حمص ودرعا ودوما وحماه وحلب وبانياس ، وفي سجون تدمر وصيدنايا ، وفي كل بقعة عزيزة من بقاع وطننا الغالي الحبيب ، حيث عاثت أيادي المجرمين الظلمة فسادا في ربوعها ، تقتل الشرفاء  وتعتقل الأحرار وتنكل بالواطنين العزل ، في حين يتلبسها الجبن ويجللها الخنوع أمام أعداء الوطن ، فما زالت الجولان تئن من وطأة احتلال الكيان الصهيوني المجرم ، كأنما يحرس هذا النظام الجبان المتخاذل حدودها ، ويؤمن لهذا الكيان المحتل الحماية الكاملة والرعاية من غضبة الأباة والأحرار من أبناء هذا الشعب العظيم المعطاء .
الغريب في الأمر – ولا غريب عند هذا النظام – أن هذه الجمعة الراعفة قد أتت بعد إقرار مايسمى رفع حالة الطوارئ ، فهل رفعها كان لإنهاء القمع وغلّ أيادي أجهزة النظام البوليسية ، واحترام المواطن والحفاظ على دمه وكرامته ، أم لإطلاق يدها لتقتل وتسفك وترعب وتتمادى في إجرامها مع شرعنة هذا الإجرام ؟  هل هكذا يكون الإصلاح بالقتل والمجازر والمذابح وسفك الدماء  ، تحت دعاوي ومسميات مفضوحة مكشوفة يعرفها جميع أبناء الشعب السوري العظيم ، فمرة  مندسين ، ومرة عصابات مسلحة ، وأخرى إخوان مسلمين ...  ثم سلفية ... ثم حزب تحرير .... وغدا قاعدة ، ويوما مؤامرة من الغرب ... وثانية من الجنوب ... وثالثة من الشمال وأخرى وليست بأخيرة  من الشرق ، أو الشمال الشرقي أو الجنوب الغربي أو أجندة خارجية  من دول الجوار ... أو من دول الاعتدال ... أو من دول الخليج ... أو من إسرائيل الذين يحمون حدودها من أربعين سنة وقد باعوها الجولان بدون إطلاق رصاصة واحدة ، وقد سمحت لقوات النظام الإنتشار داخل الأراض المحرمة بداعي الصداقة السرية والمصالح المشتركة  لمحاصرة الشباب الثائر من أهل درعا وقتلهم ، وكأن الناس لا تقرأ عن ثناء الكيان الصهيوني على سورية وأن الجيل الجديد من أبناء الكيان الصهيوني عبروا عن كامل رضاهم  وشعورهم بالأمن والأمان على حدود النظام السوري إذ لم يسمعوا طلقة واحدة طيلة حياتهم ، ولم يتمكن أحد المجاهدين أوالمناضلين أن يتسلل مرة واحدة إلى داخل الأرض المحتلة  عبر حدود دولة الصمود والتصدي واحتضان المقاومة   !!  .
كما ملؤوا الدنيا صريخا وعويلا في إعلامهم الكاذب الذي لا يصدقه حتى القائمون عليه ويكتبونه بأيديهم  ، بأن المؤامرة قادمة  من وراء البحار .... من أمريكا أو غيرها ، تستهدف المقاومة ... والممانعة ... والتصدي .... وهم الذين يتبجحون بما قدموا لأمريكا من خدمات ومعلومات عن الحركات الإسلامية ، وما سلموها من ملفات لترضى عنهم .
وبدلا من أن يفيق هذا النظام البائس في اليوم التالي – السبت النازف -  على جريمته النكراء في تلك الجمعة العظيمة الراعفة من التضحية والفداء ، فقد أوغل في إجرامه وأطلق الرصاص على المشيعين الذين قاموا لتشييع شهدائهم الذين سقطوا برصاص عصاباتهم الإجرامية الغادرة المندسة في هذا الوطن الشريف الأبي ، لأن صفة الغدر والإجرام ليست من صفات هذا الشعب الوطني ، وليست من أخلاق العرب ، ولا من قيم الإسلام والمسلمين .

إن الذين أطلقوا الرصاص على  المتظاهرين العزل وعلى المشيعين ، لا شك أنهم غرباء عن هذا الوطن لا ينتمون له  ، لأنهم لا يحسون بشعوره ولا يتألمون لألمه ، بل يسعدون لمصائبه وآلامه ويرقصون فوق جثث شهدائه  ، ويعربدون على جراحه ، وما هذا بمستغريب أو بعيد وقد رآهم أبناء الشعب السوري يذلون أبناء البيضا ويدوسون على أجسادهم ويركلون رؤوسهم ووجوههم ويهتفون للزعيم الخائب ( يا بشار لا تهتم ... وراك رجال بتشرب دم ) .
نعم لم يتدربوا إلا كيف يذلون هذا الشعب الأعزل ويقتلونه ويشربون دمه ... فهو ساحة المعركة والمضمار وهو العدو الحقيقي .... وأما إسرائيل فهي دولة محترمة  ذات سيادة لها حق الجوار والصداقة ... وكل الإحترام المتبادل .
إن كل ماقام به النظام السوري حتى اللحظة مما يسميه إصلاحات رغم أنه في القشور ، لم يلمس الشعب السوري منه على أرض الواقع إلا المزيد من القمع والقتل والبطش والإعلام المزيف والنفاق الرخيص والالتفاف المفضوح على مطالب الشعب العادلة في الحرية والكرامة ،  فمسؤولي المخابرات في حمص وبانياس ودرعا تم ترقيتهم ، أو نقلوا إلى مواقع أخرى أعلى  مكافأة لهم على إخلاصهم وتنفيذ التعليمات المقدسة  من القتل والإجرام لأبناء الشعب ، فلم نسمع عن محاكمة أحدهم أو معاقبته ... أو إعدامه ، جزاء قتله شعبه وأبناء وطنه .
وأما رفع حالة الطوارئ فقد لمس المواطنون حقيقة مفعولها بإطلاق الرصاص الحي الحارق والخارق والمتفجر على الرؤوس والصدور بشكل كثيف غير مسبوق ، لو إطلق باباتجاه الجولان لتحررت من العدو الصهيوني المحتل من أربعين سنة على الأقل ، ثم أكملوا المسرحية في يوم السبت النازف بدعوى المؤامرة وأطلقوا الرصاص على المشيعين .
وأما الحكومة التي تغيرت فقد استبدل نصفها المقال  بكوادر من مسؤولي حزب البعث الشمولي والذي كان السبب وراء المصائب والكوارث في هذا البلد ، كما غلبت عليها الصفة الأمنية  والعسكرية ، بقيادة وزيرزراعة بعثي فاشل   ، فقد عين وزير الداخلية أحد المجرمين السابقين من هذا النظام الفاسد الذي تلطخت يداه في دماء الأبرياء والأحرار من أبناء هذا الوطن الغالي في سجن تدمر وفي سجن صيدنايا ، فما حال هذه الحكومة مع أبناء شعبها إلا كالمستجير من الرمضاء بالنار ، وهو نفس حال هذه الإصلاحات البائسة المزعومة .
 إن الوطن بحاجة إصلاح  جذري وحقيقي  شامل يدخل حيز التطبيق روحا وعملا ، لا  كلاما فارغا  وحبرا فاسدا لا يساوي الورق الذي يطبع عليه .
إصلاحا جادا يحقق مطالب الشعب العادلة في الحرية والكرامة والعدالة ، في ظل نظام ديموقراطي يؤمن بالتعددية وتداول السلطة السلمي ، مع تفكيك جميع أجهزة القمع وتدمير المواطن ، وتشكيل جهاز أمن حقيقي ينظم صلاحياته قانون يلزمه بالمحافظة على أمن الوطن والمواطن ، ويتكفل بالحفاظ على حرية المواطن وصون كرامته .... ليكون الأمن في خدمة الشعب ... لا لقتل الشعب وإذلاله .
وصياغة دستور جديد يلبي مطالب الشعب وطموحاته ، لا يدعم التوريث ويحدد مرحلتين  للرئاسة تحدد فترة كل منهما من أربع إلى خمس سنوات ، يحفظ ذلك انتخابات حرة نزيهة وشفافة ، تتم تحت مراقبة من جهات محايدة .  
إن موضوع الإصلاح لا يتحقق بتغيير أحجار دومينو أو تبديل قبعات ، وإنما يحتاج إلى إصلاح العقلية التي ستقوم على الإصلاح ، يحتاج إلى تغيير استراتيجية عمل ومنهج وطريقة تفكير.
فهل لدى النظام القيادات والرجال القادرة على القيام بمثل هذا الإصلاح ، أم أن جميع رجالات النظام وكوادره منغلقين متخلفين  وغير مهيئين للإصلاح كما أعلن الرئيس بشار ؟ !
قد أوافقه الرأي بأن جميع قياداته ورجاله غير مهيئين للإصلاح ، فقد تجاوزهم الزمن وأصبحوا من مخلفات الماضي البائد ، فما زالوا بعيشون زمن وأفكار الإنقلاب العسكري البائس في آذار عام ( 1963) وعام (1970 ) ، وأن الإصلاح الحقيقي موجود عند هذا الشباب الثائر المنفتح الذي فهم عصره وأدرك ما حوله فسبق الواقع وتجاوزه ... لا تلك المعلبات الرخيصة  الفاسدة والكليشهات المثلمة الدارسة  .... والمومياءات المحنطة المتحجرة التي لم تعد تصلح لغير المتاحف بعد محاكمتها ، ليتندر عليها الناس .... ولأخذ العظة منها والعبرة لجيل الثورة الكبرى الجديدة من الشباب الصادق الثائر ،  المخلص الواعي  . 

محمد حسن ديناوي
22 ( أبريل ) 2011
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد حسن ديناوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/04/24



كتابة تعليق لموضوع : الجمعة الراعفة ... وإصلاحات النظام الزائفة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net