كتابات في الميزان
كتابات في الميزان

جَهلا فورة!!

أعتذر مقدما من دولة سنغافورة لمقارنتي أحوالنا بحالها , فهي الدولة التي إستقلت عام 1965 بعد إنفصالها عن ماليزيا , وتسمى سنغابورة في اللغة المحلية.
 سنغا: أسد , بورا: مدينة , وفورة حسب ترجمتنا العربية تعني المدينة.
 
ومن الصعب أن نقارن ما بين مدن الجهل والخراب والدمار ودولة الأسد , التي عبّرت عنه بقوة الفكر والروح والتفاعل الإنساني المتسامح المتآلف المبدع الرحيم , فتألقت وتمخضت قدراتها عن إبداع إقتصادي وإبتكاري متميز , وضعها في مصاف الدول المتقدمة جدا في عصرنا المتوهج بالمخترعات والمستجدات , وقد حققت سنغافورا هذه الثورة المعاصرة في ظرف بضعة عقود.
 
ونحن أولاد "جهلا فورة" فماذا يُرتجى منا , وماذا يليق بنا غير الشرور , والتفاعلات السيئة الفتاكة المخزية المضحكة.
 
المجتمعات تتطور وتكون في بضعة عقود , ونحن لا نزال ننوح على غابر الأزمان , ونتساءل لماذا فلان صار خليفة دون فلان , وعلينا أن نعيد الزمان إلى الوراء قرونا وقرونا.
 
نحن أولاد "جهلا فورة" المصابون بأوبئة الهلاك والإنقراض , نجتهد في الصراع الدامي فيما بيننا , نكره الحياة الدنيا لأنها لا تساوي شيئا بالقياس إلى الحياة الأخرى , التي نرى فيها ما لذ وطاب , أما إذا سألتنا عما نفعله في دنيانا , فأننا نعبد ربنا الذي نصنعه على  هوانا , ووفقا لرغباتنا المدفونة في أعماق لا وعينا المضطرب.
 
نحن أولاد "جهلا فورة" , لا نعرف التسامح والتآلف والتراحم , ونجيد التناطح والتنابز بأشنع الألقاب والمسميات والتوصيفات , اللازمة لسفك دمائنا وتحويلنا إلى قرابين لأصنام ما فينا , ولآلهتنا التي نأكلها وتأكلنا , وكأننا ثريدها , وهي ثريدنا , ومطية النفس الأمّارة بالسوء التي فينا.
 
عذرا سنغافورا , فأنتِ لستِ دولة إسلامية  , وفيك ديانات متنوعة متعددة ومعابد مختلفة , لكنك تدينين بالبقاء والتعاون والتكامل والرحمة , والإبداع والقوة الفكرية والثقافية والتربوية والتعليمية , ونحن ندّعي الدين وأفعالنا ضد أي دين!!
 
عذرا سنغافورا , فنحن أولاد "جهلا فورة" , نتباهى بعمائمنا وأصولنا وبقال فلان وصرح فلان , وبطولاتنا في قتال بعضنا , وإنجازاتنا العلمية أننا إكتشفنا أن التأريخ يمكن تغييره ومحقه بالإنقضاض على وجودنا ورفع رايات إنقراضنا السوداء.
 
فانظري يا سنغافورا إلى العمائم السوداء والخضراء والبيضاء والحمراء , المتناطحة في حلبة الأكباش الطائفية  , والمتقاتلة كالديكة على قطيع الدجاج!!
 
عذرا سنغافورا , أنتِ سبب تأخرنا وتخلفنا , وتصارعنا على الأجداث , فالمهم عندنا أن نثأر لأجدادنا الميامين , فكلنا سادة وأئمة ومن دوحة وارفة جذورها في الأرض , وأغصانها في سابع سماء وسماء.
 
تلك مأساتنا يا سنغافورة , فما أروع أفكاركِ وحكمة رؤاكِ , وما أجهلنا أمام بهاءك وسطوع علائك الباهر الفياض!!
 
مبروك لسنغافورة مجدها , وأملنا أن نتعلم درسا واحدا من دروس صيرورتها , علّنا نستيقظ من غفلة جهلنا ونحاول أن نكون!!!
طباعة
2014/09/07
2,494
تعليق

التعليقات

لا توجد تعليقات على هذا المقال بعد. كن أول من يعلق!