وقفة تأمل في ....عموم لعن بني أمية في زيارة عاشوراء
حيدر المعموري
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
حيدر المعموري

وأنت تقرأ زيارة عاشوراء المباركة وتتنقل بين مضامينها متأملا متدبرا فانك تمر على قول إمامنا الباقر(ع) فيها (( ولعن الله بني أمية قاطبة )) وكما لا يخفى أن من يقرا لفظة قاطبة فانه يفهم الشمول والعموم لكل من انطبق عليه عنوان بني أمية وانتسب إليهم لا فرق بين أي منهم فهم كلهم بحسب الظاهر مشمولون باللعن الوارد في فقرة الزيارة تلك.... ولكنك في الوقت نفسه إذا ما تصفحت فصولا من كتاب التاريخ وأحداثه سوف تقف عند شخصيات من بني أمية كانت تدين بالولاء والمحبة لآل محمد (ع) وحضا البعض منها بأوسمة المدح والثناء من قبل الأئمة الطاهرين (ع) اذكر لكم منهم على سبيل المثال : (سعد بن عبد الملك ) الذي لقبه الإمام الصادق (ع) بسعد الخير... وكذلك ممن حسنت سيرته منهم (خالد بن سعيد بن العاص ) و (أبو العاص بن الربيع ) الذي رفض بيعة أبي بكر وثبت مع أمير المؤمنين وكذا (معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان) الذي لقبوه بالحمار لأنه رفض الخلافة ودعا إلى تسليمها للإمام زين العابدين (ع) وفي بعض الروايات انه لعن أبيه وجده على المنبر جاء في منتهى المقال للمازندراني في ترجمة معاوية بن يزيد ناقلاً عن كتاب حبيب السَّير أنه تخلف أياماً قلائل ثم صعد المنبر وخلع نفسه وقال في كلامه : " أيها الناس قد نظرت في أموركم وفي أمري فإذا أنا لا أصلح لكم والخلافة لا تصلح لي إذ كان غيري أحق بها مني ويجب عليَّ أن أخبركم به، هذا عليُّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام زين العابدين ليس يقدر طاعن أن يطعن فيه وإن أردتموه فأقيموه على أني أعلم أنه لا يقبلها" , ونقل عن البهائي رحمه الله في كتابه الكامل أن معاوية بن يزيد صعد المنبر ولعن أباه وجده وتبرأ منهما ومن فعلهما، فقالت له أمه : (يا بني ليتك كنت حيضة في خرقة، فقال لها: وددت ذلك يا أُماه ثم سقي السم وكان له معلم شيعي فدفنوه حيّاً)".... ومنهم أيضا ومنهم (إمامة بنت أبي العاص ) التي تزوجها أمير المؤمنين (ع) ومنهم كذلك (محمد بن حذيفة ) وأمه بنت أبي سفيان وكان من خواص أمير المؤمنين (ع) مع أن معاوية بن أبي سفيان يكون خاله ومنهم أيضا الشاعر الأموي (الابيوردي) وغيرهم ...فاذا كان هؤلاء فعلا كما وصفهم التاريخ فكيف يستقيم ويتناسب هذا الأمر مع لعنهم وشمولهم به كما هو الظاهر الذي تفيده عبارة (قاطبة ) التي وردت في الزيارة . فاللعن هل يشمل أولئك الأخيار ومن شاكلهم أيضا لأنهم من بني أمية أم أن هناك تفسير أخر له .
في الحقيقة أن هناك عدة إجابات تناولت هذه النقطة بالتحديد نحاول المرور عليها مع توضيح وبيان يرسم لنا تصورا مقبولا وصحيحا عن الأوجه التي يمكننا من خلالها استيضاح حقيقة الحال ,
مع ملاحظة انه يمكن أن يجتمع عدد من تلك الوجوه التي سنذكرها كل على حدة في تكوين تصور ورؤية صحيحة نفسر من خلالها ذلك المقطع من زيارة عاشوراء وكذلك يمكن أن يكون بعض الوجوه بمثابة النقد والمناقشة لوجوه أخرى :
الوجه الأول :ذهب جماعةالى القول بالعموم فقالوا : نعم إن اللعن يشمل الجميع بدلالة العموم في كلمة قاطبة فمنه نعلم أن الكل مشمول .. حيث التزم أصحاب هذا الرأي بفساد الفطرة الأموية وانحرافها ..وان كان هناك من عرف بالاستقامة والصلاح منهم في عهد ما فأن حكم الفطرة المعجونة في أصل خلقتهم سيغلب عليهم ويؤدي بهم إلى سوء العاقبة قبل موتهم وكذلك إن ما ذكر من إيمان البعض منهم لم يثبت على نحو القطع واليقين كما هو حال معاوية بن يزيد ..... ولا يخفى ما ينطوي عليه هذا الرأي من شبهة الجبر وسلب الاختيار عنهم في أصل خلقتهم وهو ما يتعارض وثابت من ثوابت مدرسة آل محمد (ص) وهو الأمر بين الأمرين وان العباد يختارون أفعالهم وما يؤمنون به ولا يجبرون تكوينا وفي أصل خلقتهم على شيء من ذلك فعدالة الله جلت عنه .... فضلا عن إن من مبادئ هذا الوجه قد اعتمد في مبادئه روايات الطينة الفاسدة والصالحة (والتي تضمنت معنا أن الله قد خلق الصالحين من اصل صالح وخلق الطالحين من أصل فاسد فلا ينفع الفاسد صلاحه ولن يضر الصالح فساده ) وتلك الروايات كما مر ان دلت على الجبر وسلب الاختيار فهي مما ترفضه الأمامية بلا خلاف فضلا عن كون تلك الروايات من روايات الآحاد التي لا تفيد علما في مجال العقائد فتلك الروايات لا تفيد إلا الضن والذي لا يغني عن الحق شيئا في حين اننا ننشد اليقين فيما نعتقد..... وفيما يأتي من الوجوه مزيد من إلقاء الضوء على خطأ هذا الرأي وعدم صوابيته .
الوجه الثاني : وهو من حيث النتيجة يتفق مع الوجه الأول (اي انه قد قال بعموم اللعن لكل من كان من بني أمية ) إلا انه يختلف في أسلوب التوصل إليها حيث نحا من تبناه منحا أصوليا فقال :إن من القواعد الأصولية ( جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية إذا كان المخصّص لبياً أي عقلياً أو أجماعيا). فقالوا: إذا أدرك العقل أو قام الإجماع على أن الملاك الذي سبب لعن بني أمية هو ضلالهم على وجه العموم ثم ورد بعد ذلك نقل وأخبار تفيد صلاح البعض منهم فان ذلك لا يوجب تقييد موضوع الحكم (بني أمية) بل من نفس العموم الوارد في لفظة قاطبة الواردة في الزيارة يستكشف وجود الملاك والسبب في لعنهم جميعها وهو الضلال، وإذا شككنا بالبعض الذي قالوا بصلاحه فان الحكم بعموم اللعن الوارد في عبارة الزيارة سيكون كاشفاً عن وجود سبب اللعن فيه وهو ضال وان بدا للبعض صلاحه ....
وقد نوقش هذا الوجه بما ملخصه انه لو علـمَ وثبت لدينا بعدم وجود الملاك في فرد كأن يخرج بدليل (أي أن هناك أدلة أكيدة ومعتبرة تفيد أن بعضهم صالح )، فإنه سيكون خارجاً عن العموم ولا يشمله اللعن ، وقد ورد في النصوص أدلة يستفاد منها خروج بعض بني أمية من عموم الحكم باللعن..ولذا لم يرتضي جماعة من العلماء ذلك القول بشمول اللعن للجميع ، وذكروا أن في أولياء أمير المؤمنين والأئمة(عليهم السلام) وخواصهم جماعة ينتهي نسبهم إلى بني أمية، ولا ريب في حرمة اللعن على المؤمنين الموالين للائمة الطاهرين (عليهم السلام)، قال تعالى: (( وَلا تَزر وَازرَةٌ وزرَ أخرَى )) (الأنعام:164), وقال: (( كلّ امرئ بمَا كَسَبَ رَهينٌ )) (الطور:21).
ويأتي مزيد بيان في الوجوه التالية .
الوجه الثالث : قالوا فيه أن عموم اللفظ يشمل الموجودين ساعة الخطاب وفي تلك الآونة فاللعن قد أضيف إلى قوم معهودين معينين وهم من كانوا موجودين من الأمويين آنذاك فهم دون غيرهم المشمولون باللعن , ولكن هذا الوجه غير مقبول لما ورد من أن من أحب عمل قوم صار منهم أو حشر معهم وان الأعمال بالنيات ... وقد ضعّف هذا الوجه جماعة وما سنذكره من روايات أنفا تبين عدم مقبوليته ايضا .
الوجه الرابع : ذهب جماعة إلى تضيق الوجه الثالث أكثر فقالوا : إن (بني أمية) الواردون في مقطع الزيارة ذاك ما هو إلا عنوان عرفي يشير إلى خصوص أولئك الذين أعانوا في غصب الخلافة وجحد كلمة الولاية وشاركوا في مجريات الأحداث بالسيف والبنان والقلم واللسان , وهذا هو المتبادر إلى الأذهان من ذكر تلك العبارة فلا بد من حمل العموم عليه ويرد عليه ما ذكر في الوجه الثالث وما سيأتي في الوجه الخامس .
الوجه الخامس : إن أولئك الذين ثبت صلاحهم وموالاتهم لمن فرض الله ولايته على الخلائق خارجون حكماً ــ لا موضوعاً ـــ ( واللعن يشمل كل بني أمية إلا من ثبت صلاحه وإيمانه وولايته لأولياء الله من بني أمية في كل أوان وحين ) في شمول اللعنة فيكونون مستثنون عن حكم اللعن مع كونهم من بني أمية، على قاعدة(ما مِن عام إلا وقد خُصَّ) أو (ما من عام إلا وله استثناء) فهم ممن تشملهم القاعدة المتقدمة، فهم كغيرهم من المصاديق الخارجة عن حكم العام بالتخصيص والاستثناء , فهو وهو نظير قوله تعالى في قوم نبينا (ص) : ﴿وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ﴾ , فإن الوصف بالتكذيب ينصرف إلى المكذبين من قومه (صلوات ربي عليه واله ) ولا يعني ان الحكم بالتكذيب يشمل قومه كلهم بل الحكم يشمل قومه باستثناء أشخاص الذين آمنوا منهم، وإن كان ظاهر الآية الكريمة التعميم للجميع، ولكن لا ينظر إلى هؤلاء المؤمنين لا يشملهم الحكم بالتكذيب ولا يدخلون معهم في حكم الآية على القوم.. ولا يعاب هذا التعميم لجميع القوم، لأن الفرد أو الأفراد المؤمنين غير مقصودين بكلامه يقيناً.. ولا سيما مع تبرؤ المؤمنين من قومهم الكافرين.
وفي روايات أهل البيت (ع) ما يؤيد هذا الرأي ويدعمه , فقد روى الشيخ المفيد في اختصاصه: عن أبي حمزة قال : دخل سعد بن عبد الملك (وسعد الخير لقب أضفاه إمامنا الصادق (ع) عليه)،- وهو من ولد عبد العزيز بن مروان ـ على أبي جعفر (ع) فتناشج كما تنشج النساء ، فقال له أبو جعفر (ع) : ما يبكيك يا سعد ؟ قال : وكيف لا أبكي وأنا من الشجرة الملعونة في القرآن ، فقال له : لست منهم ، أنت أمويّ منّا أهل البيت ، أما سمعت قول الله عزّ وجلّ يحكي عن إبراهيم ( فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ) .
• فيكون مؤدى هذا الوجه أن كل صالح ومؤمن بما كتب الله على عباده وموال لاولياء الله معاد لأعدائه لا يشمله اللعن وان كان من بني أمية .
• وبذلك نكون قد وصلنا مسك ختام بحيثنا هذا الذي أهديه لسيد الشهداء في محرمه الحرام
((يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، لَقَدْ عَظُمَتِ الرَّزِيَّةُ، وجَلَّتْ وعَظُمَتْ المُصِيبَةُ بِكَ عَلَيْنا وَعَلَى جَمِيعِ أهْلِ الإسْلام، وَجَلَّتْ وَعَظُمَتْ مُصِيبَتُكَ فِي السَّمَوَاتِ عَلَى جَمِيعِ أهْلِ السَّمَوَاتِ، فَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً أسَّسَتْ أساسَ الظُّلْمِ وَالجَوْرِ عَلَيْكُمْ أهْلَ البَيْتِ، وَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً دَفَعَتْكُمْ عَنْ مَقامِكُمْ وَأزالَتْكُمْ عَنْ مَراتِبِكُمُ الّتِي رَتَّبَكُمُ اللهُ فِيها، وَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً قَتَلَتْكُمْ، وَلَعَنَ اللهُ الْمُمَهِّدِينَ لَهُمْ بِالتَّمْكِينِ مِنْ قِتالِكُمْ، بَرِئِتُ إِلى اللهِ وَإلَيْكُمْ مِنْهُمْ وَمِنْ أَشْياعِهِمْ وَأَتْباعِهِمْ وَأوْلِيائِهِمْ..... اللّهُمَّ اجْعَلْنِي عِنْدَكَ وَجِيهاً بِالحُسَيْنِ عَلَيهِ السَّلامُ فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ)).
واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصل اللهم على محمد واله الطاهرين
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat