صفحة الكاتب : صفاء الهندي

ماذَنْبُ الأبْرِياء ( قِصَّة قَصِيرَة ) .
صفاء الهندي
كانَ تائِهاً في مَهامِهَ التَفْكيرتَتَقاذَفَهُ أمْواج خَيالاتَه
من سَحابَة الى سَحابة
حاوَلَ أنْ يَتَشَبَّثَ بِفِكْرَة مُعَيَّنَة واحِدَة
لِيَتَمَعَّنَ فيها
لِيُقَلِّبُها مِنْ كُلِّ جَوانِبَها ...
لَعَلَّهُ يَلْمَسُ خَيْطَاً واحِدَاً مِنْ خِيوطِ الماضيْ
وَأيُ ماضي ؟ - إنهُ ماضِيَهُ المَجيدْ
حاوَلَ أنْ يَسْتَرِدَّ لَحَظاتٍ مِنْ تَأرِيخِه
لَحَظاتٍ مِنْ حَياتَهُ الغابِرَة
صورَة واحِدَة
وَلَوْ عَلَى مُسْتَوى الحُلُمِ الجَمِيْلْ ...
لَمْ يَكُ يَدْرِيَ بِجَمْرَة سيكارَتَهُ المُحْتَرِقَة
المُعَلَّقَة بَيْنَ شَفَتَيْهْ
قَدْ وَصَلَتْ الى شارِبِهِ - شارِبِهِ الأشْيَبْ المُصْفَرَّ
مِنْ كُثْرَة إدْمانَهُ على التَدْخِيْنْ ...
 
 
لازالَ يَتَفَحَّصِ الأُفُقْ بِنَظَراتَته
تارَةً يَرمُقَ قُرْصَ الشَمْسْ الباهِتْ
وَتارَةً يُقَلِّبُ صِوَرَاً مُجَسَّمَة
رَسَمَها أفولِ الشَمْسِ في المَغِيْبْ
لَمْ تَكُ لِتَعْرِفْ !
هَل تَغَيُّرَ قَسَماتِ وَجْهَهُ عِنْدَ تَأثُّرَه بِشَيءٍماْ ألْفَتَهْ
بِصُورَة - بِمَوْقِفْ - بِحَدَثْ مُعَيَّنْ !
لَمْ تَكُن لِتَدْرِي هَلْ هُوَ مُبْتَسِمٌ أمْ حَزِيْنْ
كانَ وَجْهَهُ صَلِبَاً أشْبَهَ بِحَجَرٍ قَدِيْمْ
تآكَلَتْهُ السِنُوْنْ
مِلْؤهُ نِتوآتٍ وَأخادِيْدْ إثْرَ جُدَرِي أصابَهُ
إبَّانَ طِفولَتَهُ البائسَةْ
 
 
لَمْ تَكُنْ تَقْرَعْ آذانَهُ أصْواتِ السَيارات البَعيدَةْ
ولا أصوات وَقْعَ أقْدامِ الناسِ المارَّة بِقُرْبِهْ 
رُبَّمَا لَمْ يَكُن مُهْتَمَّاً بِماْ يَجْرِي حَوْلَهْ ...
فهْوَ لازالَ مُشِيحَاَ بِنَظَرِهِ نَحْوَ السَّماء يُقَلِّبُهَا بِطَرْفِهْ
يَتَفَحَّصْ مُحِيْطاتَِها الواسِعَة وشُطْآنَهَا الزَرْقاءَ القَرِيْبَة 
يَتَنَقَّلْ بَيْنَ بِحورِها
مِنْ شاطِيءْ الى شاطِيءْ ومِنْ مَنْظَرْ الى مَنْظَرْ
وَقَدْ أبَحَرَتْ بِهِ سَفِيْنَةُ الخَيَالْ
فَشَقَّتْ عُبابَ الغُروبْ
مِنْ صورَة الشَمْسِ الذَاوِيَة الى قَزَعاتِ الغِيومِ الحَمْراءِ المُتَكَسِّرَةْ
على شَواطِئهَاْ
 
 
إنْطَفَئتِ السِيْكارَة
وَهِيَ لاتَزالَ مُعَلَّقَة بَيْنَ شَفَتَيْهْ
بَصَقَهَا وَبَصَقَ وَرائهَا
كأنَّهُ أرادَ بِهذا أنْ يُزِيْلَ بَقايا السِيْكارَة
أوْ رُبَّما أرادَ أنْ يُجَدِدَ لُعابَهْ
رَمَى بِطَرْفِهِ نَحْوَ السَماءِ البَعِيْدَة كأنَّهُ يَبْحَثَ عَنْ شَيءْ
أو يَنْتَظِرُ شَيءْ !!
تَشَقَّقَ وَجْهَهُ ماأنْ لَمِحَتْ عَيْناهُ أوَّلَ نَجْمَة لاحَتْ لَهُ فَوْقَ الأُفُقْ
مُسْفِرَاً عَنِ إبْتِسَامَة بائِسَة
لاتَكادَ تُمَيِّزَهَا عَنْ قَسَمَاتِ وَجْهِهِ المُتَحَجِّرْ
 
 
في كُلَّ يَوْمْ تَقْريبَاً وَقَبْلَ المَغِيْبْ
يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِه ويَذْهَبَ الى النَّهْرْ
كانَ النَّهْرُ قَريْبَاً من دارِه
يَجْلِسْ هُناك لِيُقَضِّيَ وَقْتَهْ !
في هذا اليَوْمَ تَحْديْدَاَ وَمُنْذُ الصَبَاخْ كانَ مَهْمومَاَ مُنْقَبِضَ النَفْسْ
في هذا اليَوْمْ
كان جالِسَاً كَعادَتِه يُفَكِّرْ - يَتَأمَّلْ - يَتَذَكَّرْ - حاوَلَ أنْ يَسْتَرْجِعَ فَتْرَة مِنْ فَتَراتِ عُمْرِهِ الغابِرْ
وَيَقْضِيَ على الوِحْدَةِ والفُراغِ الذي طالما أزْعَجَهْ
كانَ قَدْ ناهَزَ الخامِسَة والسِتِّنَ مِنَ العُمْرْ ... لكِنَّهُ لازالَ قَوِيَّاً صَلِبَاً 
رَغْمَ الحَياةِ المُتْعِبَة التي عاشَهَاْ
فيما مَضى :
كانَ ضابِطاً في الجَيْش ... طَرَدوهُ مِنْه وأحالوهُ على التَقاعُدْ
بِسَبَبِ بَتْرِ قَدَمَهُ اليُمْنَى إثْرَ إنْفِجارِ لُغْمٍ أثْنَاءَ التَدْرِيْبْ ...
إتَّهَموهُ بِالتَعَمُّدْ ! ثُمَّ بَرَّأتْهُ المَحْكَمَة العَسْكَرِيَّة لاحِقَاً بَعْدَ التَحْقيقْ مِنْ هذا الحادِثْ
كانَ يَشْغَلَ مَنْصِبَاً في كَتيبَةِ هَنْدَسَة ألغامْ - فَقَدْ كانَ هذا إخْتِصاصَهْ
كانَ خَبيراً بالألغامْ - أنْواعَهَا - أشْكالَهَا - تَأثيراتَهَا - وخَبيراً حَتى بِصَوْتِ الإنْفِجارْ 
هَلْ هُوَ مِنْ لُغُمْ أمْ مِنْ قَذيفَة أمْ مَدْفَعْ أمْ هُوَ مِنْ إنْفِجارِ صاروخْ ...
بَلْ كانَ يَعْلَمْ صَوْتُ الرَّصاصَة !
هَلْ هُيَ مِنْ بُنْدُقِيَّة أمْ مِنْ مُسَدّسْ
 
 
كانَتْ عَلامَة وَقَتَ عَوْدَتَهِ الى دارِه قَدْ حانَتْ ماأنْ لَمِعَتْ في السَماءِ أوَّلَ نَجْمَةْ
بَعْدَ الغُروبْ
هَمَّ بِالوُقوفْ - إتَّكَأ على عَصاهُ القَديمَة لِكَي يَنْهَضْ !
لَمَحَ بَرْقَاَ قَوِيَّاً مَلأ السَماءَ لَيْسَ في وَقْتَهُ ولا في أوانَهْ !! 
ثُمَّ تَلاهُ دَوِيٌ عَنيفٌ هَزَّ الأرْضْ - هَزَّ المَدينَة وَمَنْ عَلَيْهَاْ ....
عَلِمَ أنَّ ضَوْءَ الإنْفِجارَ يَسْبِقَ صَوْتَهْ
إلْتَفَتَ الى ناحِيَة المدينَة :
- آه ياسَتَّار ياالله .
 
قالَهَا بِمَرارَه
 
مِنْ كَثافَةِ الدُخانِ المُتَصاعِدْ ! عَرَفَ أنَّ الإنْفِجارَ كانَ في وَسَطِ المَدينَةْ
لَمْ يَقْوَ على النُهوضْ - أصابَتْهُ رَعْدَة - أخَذَ جِسْمَهُ يَرْتَجِفْ - إنْكَبَّ الى الأرْضْ واضِعَاً رأسَهُ بَيْنَ رِجْلَيْهْ
إنْهَمَرَتْ دُموعَهُ تَتَساقَطْ على التُرابْ وَهْوَ يَجْهَشْ بِالبُكاءْ :
- هاه هاه هاه
ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ نَحْوَ السَماءْ كأنَّهُ يَتَوَعَّدَها
صاحَ بِصَوْتٍ جِهوريٍ أجَشْ
- إلهِي ماذَنْبُ الأبْرِيَاءْ ؟

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


صفاء الهندي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/10/11



كتابة تعليق لموضوع : ماذَنْبُ الأبْرِياء ( قِصَّة قَصِيرَة ) .
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net