في غمرة الجهل، التقوقع والتمذهب والتكفير، والنزاعات حيث تستباح الدماء والأعراض، وفي لظى نيران هذه المصائب والويلات الناتجة عن الجهل الكبير والواضح والذي استغله الآخرون كوسيلة لكي يأججوا النزعات فيما بين الحضارات والأديان والمذاهب، مستغلين القاعدة التي تقول: "الإنسان هو عدو ما يجهل"..
إن هذه سنن قد مرت في التاريخ وعبر القرون ولكن الناس للأسف لا تقرأ حيث هناك أناس يقعون في مصيدة الشر وهم يظنون أنهم يفعلون حسناً، من هنا كان من اللزوم على كل صاحب قلم واعي وفكر مستنير أن يوضح الأمور كي نخرج شيئاً فشيئاً من بحر الظلمات الذي وللأسف أننا سنعاني من أمواجه العاتية ولفترة غير قصيرة..
فهذه النفوس الثائرة والقلوب المليئة بالحقد، إنما هي أمثلة قد مرت عبر التاريخ وفي كل حقبة تتكرر هذه الصور المظلمة ولكن بمسميات أخرى وبعناوين مختلفة، ولكنها لها نفس الأهداف الحكم على الآخر دون معرفة، وتنفيذ الحكم بالإبادة أو باستئصال دون رحمة، وكل هذا لماذا؟!
فقط لأن الإنسان لا يكلف نفسه لكي يتعرف إلى أخيه الإنسان، كيف يفكر؟! وما هو معتقده؟! وهل ما يعتقد به أو يدين به يستأهل منا القضاء عليه واستبعاده فكرياً أو جسدياً؟!
فلو أننا أستعملنا تلك العقول وعملنا على استنارتها من خلال الغوص في معرفة الآخرين لكنا في ألف خير وعافية..
ففي ظل كل هذا يأتي دور الحوار الهادئ، وأن يأتي الحوار متأخراً أفضل من أن لا يأتي نهائياً، فإن الحوار المرتكز على الأدلة العلمية والخلفية الموضوعية والذي يهدف إلى إظهار الحقائق وتبيانها ووضع النقاط على الحروف، والعمل على إزالة ما يعلق بها من شوائب، التي قد تنسجها الأوهام وهي وليدة الذهنية القاصرة في كثير من الأحيان، أو وليدة الغفلة والتقصير في أحيان أخرى، من هنا فإن الكثير من الحيثيات الدقيقة والجوانب قد تسقط ما يستحيل معها تبيان الحق بصورة صحيحة، وما يرضي الوجدان والضمير. والسبب في ذلك هي الشبهات والشوائب التي تدور حول الحقائق..
ولربما هذه الشبهات، وتلك الشوائب تعلقت بالحقائق، قد جاءت بسبب عمل غير أخلاقي، نتيجة إلى بعض الممارسات تعود إلى مجموعة من الناس عمداً وإصراراً، وخضوعاً لعصبية جاهلية، أو انقياداً لبعض المشاعر التي أثرت فيهم وأفقدتهم حالة التوازن، وما جعلتهم بعيدين كل البعد عن جادة التعقل والإنصاف.
وقد يكون السبب هي حالات الخوف من السلطة، أو بدافع الوصول إلى المقام الرفيع، ما يكون الحافز لهم إلى العمل على تدليس معالم الحق، والسير في سبيل الباطل.
وكل ما كان الحوار هادئاً، فيه جدية، وإخلاص، ومتمثلاً إلى القواعد الأخلاقية ومتحلياً بروح المسؤولية، وتحت الرقابة الشرعية، ونابعاً من الوجدان، والفضائل الإنسانية، ويلتزم الضوابط العلمية الدقيقة، فستكون نتائج الحوار كثيرة الفوائد، وجمة العوائد، ومن شأنها أن تغني الفكر البشري، ويعمل على تعميق الإيمان، وتقوية العقيدة الصحيحة، ويصونها من الإنحرافات.
وفي حال لم يتجلى في هذا الحوار الإخلاص والجدية في أحد الأطراف دون الآخر، فإنه قد يفقد الكثير ولربما لا يصل إلى أحد أهدافه، ولكن لو أن أحد الطرفين أخلص وكان جدياً، فإنه لا بد أن يكون مباركاً يحبه الله عز وجل، لأنه سوف يسهم في إظهار الحق ولو بعد حين، ويكون النجاح وظهور الحق بمقدار الذي يبذله هذا الطرف أو ذاك من جهد، وكلما بذل من جهد في هذا النوع من الحوارات فإنه لن تخلو من نفحات إخلاص وتقوى..
وكلما كان الحوار قوياً، ومؤثراً، وحماسياً. فإن هذه القوة ستأتي موزعة في اتجاهين متقابلين:
الأول: يجب أن تتجلى في الحوار الجرأة على قول الحقيقة كما هي، مع قوة حجاج واحتجاج، وإصرار، والتزام، وملاحقة لكل صغيرة وكبيرة. ومتابعة لأدق التفاصيل.
والثاني: لا يجب أن يظهر الحوار الإصرار على حشد واستنفار كل القوى للحفاظ على موروث قد بينت الدراسات العلمية المنصفة أنه بات عبئاً، لا يجد أية مبررات مقبولة أو معقولة لحمل ثقله، إلا تحمل الضنا والتعب بلا سبب، وهذا قد يكون السفه بعينه، الذي لا يرضى أحد أن يهتم به، أو أن ينسب إليه..
وإن البعض في جنوحهم في الإيغال في تأويلات وتبريرات لا بد أن تذهب بماء الوجه، وتسقط الشعارات المرفوعة التي تدعي العلمية والإنصاف و.. و.. إلخ.. وهذا أمر والله ما يزيد الإنسان العاقل حيرة، وعجباً وحيرة!
وإذا خلت لدى المتحاورين القناعة التامة بالحوار وبأسسه وقضاياه وآلياته، وليس لديهم التسليم الكامل بنتائجه فإنه وإن استمر التجاهل إلا أننا لا يمكن أن نتخلى عن الحوار حتى نفتح كوة ولو صغيرة باتجاه إظهار الحق والحقيقة..
يبقى أن نشير الى أننا إذا أطلعنا على روحية كل الأديان والمذاهب والطوائف فلا بد أن نجد التأكيد على القيم الانسانية ولا سيما المحبة، ذلك الشعور الذي تتمثّل فيه الايجابية الروحية والعملية في العلاقة بالآخر، والسبب أن المحبة تعني النظر إليه من خلال إنسانيته، في جميع العناصر التي تجذبه إليه، والتعامل مع السلبيات بطريقة لا تبتعد عن الرفق الذي يرتكز على الخلفية الكامنة وراء تلك السلبيات ولا محيص عن الفائدة التي تصدر عن أي حوار..
9/4/2013
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
في غمرة الجهل، التقوقع والتمذهب والتكفير، والنزاعات حيث تستباح الدماء والأعراض، وفي لظى نيران هذه المصائب والويلات الناتجة عن الجهل الكبير والواضح والذي استغله الآخرون كوسيلة لكي يأججوا النزعات فيما بين الحضارات والأديان والمذاهب، مستغلين القاعدة التي تقول: "الإنسان هو عدو ما يجهل"..
إن هذه سنن قد مرت في التاريخ وعبر القرون ولكن الناس للأسف لا تقرأ حيث هناك أناس يقعون في مصيدة الشر وهم يظنون أنهم يفعلون حسناً، من هنا كان من اللزوم على كل صاحب قلم واعي وفكر مستنير أن يوضح الأمور كي نخرج شيئاً فشيئاً من بحر الظلمات الذي وللأسف أننا سنعاني من أمواجه العاتية ولفترة غير قصيرة..
فهذه النفوس الثائرة والقلوب المليئة بالحقد، إنما هي أمثلة قد مرت عبر التاريخ وفي كل حقبة تتكرر هذه الصور المظلمة ولكن بمسميات أخرى وبعناوين مختلفة، ولكنها لها نفس الأهداف الحكم على الآخر دون معرفة، وتنفيذ الحكم بالإبادة أو باستئصال دون رحمة، وكل هذا لماذا؟!
فقط لأن الإنسان لا يكلف نفسه لكي يتعرف إلى أخيه الإنسان، كيف يفكر؟! وما هو معتقده؟! وهل ما يعتقد به أو يدين به يستأهل منا القضاء عليه واستبعاده فكرياً أو جسدياً؟!
فلو أننا أستعملنا تلك العقول وعملنا على استنارتها من خلال الغوص في معرفة الآخرين لكنا في ألف خير وعافية..
ففي ظل كل هذا يأتي دور الحوار الهادئ، وأن يأتي الحوار متأخراً أفضل من أن لا يأتي نهائياً، فإن الحوار المرتكز على الأدلة العلمية والخلفية الموضوعية والذي يهدف إلى إظهار الحقائق وتبيانها ووضع النقاط على الحروف، والعمل على إزالة ما يعلق بها من شوائب، التي قد تنسجها الأوهام وهي وليدة الذهنية القاصرة في كثير من الأحيان، أو وليدة الغفلة والتقصير في أحيان أخرى، من هنا فإن الكثير من الحيثيات الدقيقة والجوانب قد تسقط ما يستحيل معها تبيان الحق بصورة صحيحة، وما يرضي الوجدان والضمير. والسبب في ذلك هي الشبهات والشوائب التي تدور حول الحقائق..
ولربما هذه الشبهات، وتلك الشوائب تعلقت بالحقائق، قد جاءت بسبب عمل غير أخلاقي، نتيجة إلى بعض الممارسات تعود إلى مجموعة من الناس عمداً وإصراراً، وخضوعاً لعصبية جاهلية، أو انقياداً لبعض المشاعر التي أثرت فيهم وأفقدتهم حالة التوازن، وما جعلتهم بعيدين كل البعد عن جادة التعقل والإنصاف.
وقد يكون السبب هي حالات الخوف من السلطة، أو بدافع الوصول إلى المقام الرفيع، ما يكون الحافز لهم إلى العمل على تدليس معالم الحق، والسير في سبيل الباطل.
وكل ما كان الحوار هادئاً، فيه جدية، وإخلاص، ومتمثلاً إلى القواعد الأخلاقية ومتحلياً بروح المسؤولية، وتحت الرقابة الشرعية، ونابعاً من الوجدان، والفضائل الإنسانية، ويلتزم الضوابط العلمية الدقيقة، فستكون نتائج الحوار كثيرة الفوائد، وجمة العوائد، ومن شأنها أن تغني الفكر البشري، ويعمل على تعميق الإيمان، وتقوية العقيدة الصحيحة، ويصونها من الإنحرافات.
وفي حال لم يتجلى في هذا الحوار الإخلاص والجدية في أحد الأطراف دون الآخر، فإنه قد يفقد الكثير ولربما لا يصل إلى أحد أهدافه، ولكن لو أن أحد الطرفين أخلص وكان جدياً، فإنه لا بد أن يكون مباركاً يحبه الله عز وجل، لأنه سوف يسهم في إظهار الحق ولو بعد حين، ويكون النجاح وظهور الحق بمقدار الذي يبذله هذا الطرف أو ذاك من جهد، وكلما بذل من جهد في هذا النوع من الحوارات فإنه لن تخلو من نفحات إخلاص وتقوى..
وكلما كان الحوار قوياً، ومؤثراً، وحماسياً. فإن هذه القوة ستأتي موزعة في اتجاهين متقابلين:
الأول: يجب أن تتجلى في الحوار الجرأة على قول الحقيقة كما هي، مع قوة حجاج واحتجاج، وإصرار، والتزام، وملاحقة لكل صغيرة وكبيرة. ومتابعة لأدق التفاصيل.
والثاني: لا يجب أن يظهر الحوار الإصرار على حشد واستنفار كل القوى للحفاظ على موروث قد بينت الدراسات العلمية المنصفة أنه بات عبئاً، لا يجد أية مبررات مقبولة أو معقولة لحمل ثقله، إلا تحمل الضنا والتعب بلا سبب، وهذا قد يكون السفه بعينه، الذي لا يرضى أحد أن يهتم به، أو أن ينسب إليه..
وإن البعض في جنوحهم في الإيغال في تأويلات وتبريرات لا بد أن تذهب بماء الوجه، وتسقط الشعارات المرفوعة التي تدعي العلمية والإنصاف و.. و.. إلخ.. وهذا أمر والله ما يزيد الإنسان العاقل حيرة، وعجباً وحيرة!
وإذا خلت لدى المتحاورين القناعة التامة بالحوار وبأسسه وقضاياه وآلياته، وليس لديهم التسليم الكامل بنتائجه فإنه وإن استمر التجاهل إلا أننا لا يمكن أن نتخلى عن الحوار حتى نفتح كوة ولو صغيرة باتجاه إظهار الحق والحقيقة..
يبقى أن نشير الى أننا إذا أطلعنا على روحية كل الأديان والمذاهب والطوائف فلا بد أن نجد التأكيد على القيم الانسانية ولا سيما المحبة، ذلك الشعور الذي تتمثّل فيه الايجابية الروحية والعملية في العلاقة بالآخر، والسبب أن المحبة تعني النظر إليه من خلال إنسانيته، في جميع العناصر التي تجذبه إليه، والتعامل مع السلبيات بطريقة لا تبتعد عن الرفق الذي يرتكز على الخلفية الكامنة وراء تلك السلبيات ولا محيص عن الفائدة التي تصدر عن أي حوار..
9/4/2013
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat