(زيارة الأربعين ،،،، جنون مستحق)
باقر العراقي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
باقر العراقي

في كل عام ولمدة شهرين متتاليين يحدث تغير اجتماعي واضح في المجتمع العراقي ، هذا التغير ناتج عن انشغال الناس في أمر واحد وهو الشعائر الحسينية في شهري محرم وصفر من كل عام ، يكون ذلك الانشغال بدافع شخصي لكل واحد على حدة ،والكل يجتمع لهدف واحد وهو زيارة الأربعين وخدمة الزائرين ، وهناك صرف أموال طائلة على المواكب الحسينية وجهد متواصل مع العائلة واستغلال المنزل لأغراض خدمة الزوار والسهر على راحتهم وتوفير أفضل ما يمكن لهم .
حدثني احد الزوار قال : كنا نسير على طريق الحسين عليه السلام ولمئات الأميال، وبعد أن توقفنا في احد مواكب الخدمة ،اقبل عليَ رجلٌ كبير السن من أصحاب الموكب ، وقال أعطني جواربك وحذائك وعلي َ غسل قدميك وتدليكهما ، فلم أتقبل ما سمعته من هذا الرجل المُسِن وقلت له شكرا يا عم أنا سأهتم بأمري ، فصمت الرجل وهو ماداً يديه باتجاهي وبعد أن تجاوزته التفتُ إليهِ، فوجدته ينظر إليَ وقد امتلأت عيناه بالدموع ، وردَ وهو يختنق بعبرته ، لماذا لم تعتبرني أحد خدام زوار الإمام الحسين فما كان مني إلا أن عدت إليه واعتذرت واستسلمت لما أراد ..
من الذي يدفع الناس لهذا العمل ؟ وما هو الشيء المعنوي الذي سيحصلون عليه جراء هذا الجهد والصرف ؟ ومن الذي يدفعهم كجماعات ليكونوا منظمات ذاتيه الصرف تسمى مواكب خدمة الزوار ولا أجانب الحقيقة إن قلتُ أنها تعتبر أرقى من كل ما يقدم في فنادق ومطاعم العالم أينما كانت ،أولها نفسية وبالكلام اللطيف والمتذلل بحيث لو كنت زائرا تشعر بأنك ملك وهناك حاشية تهتم بك من مأكل ومشرب وسكن وتنظيف الأقدام وتدليكها وتقديم المساعدات الطبية والمراهم والعلاجات الأخرى ، وكل ذلك لا ينافسه احد من حيث الأسعار لأنها خدمه مجانية وهذا الكلام ليس إعلان ولا دعاية ، هو واقع يحدث في أربعينية الإمام الحسين عليه السلام عام 2012والاعوام السابقة.
اعتقد ومن هذه الإحداث والمواقف على مستوى الشخصية العراقية بل أجزم ثابتا بأن هناك تشكل جديد للفرد العراقي ، ومبني على أساس خدمة الآخرين وليس استغلالهم كان يشاع سابقا أو بالأحرى ما ذكره علماء الاجتماع ، وبدليل أن المشاكل العشائرية في هذه الفترة تكون قليله جدا نسبه إلى الأشهر الأخرى ،وكذلك الجرائم والسرقات والمشاكل الاجتماعية العامة وللشباب بصورة خاصة تكاد تكون معدومة ، وغير ذلك الكثير من الممارسات السلبية ادعوا علماء الاجتماع إلى دراستها وفهمها .
والسبب قد يكون هو العمل الجماعي فالكل يجد له عمل الزائر والخادم وصاحب الموكب وكل هذه الملايين تسير في طريق واحد، سواء أكانت من داخل البلد أو من خارجه ، بحيث يترك كل واحد أعماله وعياله وكل متعلقاته في سبيل هذه الرحلة ، وهناك من ينفق بغير حساب ولا تسجيل ، ومن دون معرفة صاحب الموكب ، فهل كل ذلك حصل اعتباطا أم أن هناك قوة محركة تقود الجماهير لهذا العمل الجماعي الإبداعي ؟ وربما لذته تستحق كل هذا الجنون ..
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat