صفقة السلاح الروسية شبهة فساد أم تجاوز للخطوط الحمراء؟!
علاء كرم الله
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
علاء كرم الله

بعد أنبثاق ثورة تموز عام 1958 أتجه العراق صوب المعسكر الأشتراكي(الأتحاد السوفيتي) السابق وباقي دول الكتلة الشرقية ،حيث كانت توجهات ذلك المعسكر آنذاك هو دعم حركات التحرر العربي والوقوف مع ثورات الشعوب التي تقبع تحت نير الأستعمار. وتمثل ذلك التوجه بتوقيع بروتوكولات التعاون في كافة المجالات الصناعية والزراعية والثقافية والعمرانية وأهمها العسكرية ، حيث تم تسليح الجيش العراقي بالصناعات العسكرية السوفيتية الحديثة من طائرات ومدافع ودبابات وغيرها من المعدات العسكرية ومنذ ذلك الحين (1958) ومرورا بالسنوات التي أعقبتها ولحين سقوط النظام السابق عام 2003 ظل تسليح الجيش العراقي (سوفيتيا) بالكامل أستثناء من بعض الأسلحة التي أشتراها العراق من (فرنسا-السويد-البرازيل) أثناء حرب الخليج الأولى( 1980 – 1988) مع أيران وقد تم تدمير الجزء الأكبر من تلك الأسلحة والمعدات في حرب الخليج الثانية(حرب أجتياح الكويت عام 1990 – 1991) ثم دمرت تلك الترسانة الرهيبة من الأسلحة بالكامل أثناء الأجتياح الأمريكي للعراق عام 2003 ومابقي من سلاح متروك تم سرقته وتهريبه الى جهات مجهولة!! ولم تبق من ترسانة السلاح تلك مايكفي لتجهيز سرية أوحتى فصيل من الجيش!. وبناء على ذلك كان لزاما على العراق أن يعيد بناء نفسه عسكريا لمواجهة التحديات الداخلية ودرء المخاطرالخارجية التي باتت تهدده بعد أن أصبح دولة ضعيفة بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى!. ومن الطبيعي أن أمر أعادة بناء الجيش وتسليحه وتدريبه مرهون بيد الأمريكان بأعتبارهم هم من أحتلوا البلاد وهم أصحاب القرارفي ذلك وهم من يوجهون ويخططون لكيفية ونوعية السلاح الذي يراد تجهيز الجيش العراقي به. بعد هذه المقدمة نقول: لا أحد ينكر وجود فساد رهيب دمر وقتل كل شيء في العراق فبات موضوع الشك والتشكيك أمر واقع لكل خطوة تخطوها الحكومة العراقية في التعاقد لشراء أي شيء أن كان سلاح أم غير ذلك بسبب من فضائح الفساد التي نسمع عنها بين الحين والآخر. فكل عقد شراء صار محاط (بشبهة فساد!!) بسبب من ضعف الحكومة وغياب المركزية وتعدد مراكز القوى داخل الدولة ، فكل قائد سياسي وزعيم حزب هو حكومة بحد ذاته!!. ألا أن صفقة السلاح الروسية (الأخيرة) ليست فيها أية شبهة فساد ! ولكن أريد لها أن تكون كذلك وكيف؟! بدءا أن صفقة (السلاح الروسية) والتي تقدرقيمتها (2/4 ) مليار دولاروالتي تشمل شراء طائرات ومنظومة دفاع جوي وبعض المعدات الأخرى لم يذهب لعقدها وزير الدفاع وكالة(سعدون الدليمي) أو أي ضابط كبير في القوات المسلحة بمفردهم بل ذهبوا برفقة رئيس الحكومة (المالكي)الذي رأس الوفد، وعن الجانب الروسي ترأس الوفد المفوض الرئيس الروسي (بوتين) ومعه كبار الضباط والمستشارين. وبعيدا عما روجته وسائل الأعلام الغربية والتي أعطت الضوء الأخضر لبعض وسائل الأعلام والفضائيات العربية والمحلية والمعروفة من قبل الشعب العراقي ببث الأخبار الملفقة وأثارت النعرات الطائفية وتسميم الأجواء العراقية،منذ سقوط النظام السابق ولحد الآن، هذه الفضائيات عملت على أثارت غبار من الشبهة والفساد على الصفقة حتى أختلطت الأمور وضاعت الحقيقة لأن الأعلام الخارجي والعربي كان أقوى وأكثر حنكة ودهاء وخبثا في قلب الحقائق ووضع الصفقة في أطار من الشبهة والفساد؟!. أقول بعيدا عن كل ذلك وانا هنا لست في صدد الدفاع عن أحد بقدر محاولة ملامسة الحقيقة والأحتكام لمنطق العقل وكيف:1- أن روسيا لم تغلق أبوابها بوجه العراق وعدم التعامل معه في أي شيء حتى يحتاج العراق لطرف ثالث آخر لعقد الصفقة؟! وبالتالي يتقاسم العمولة مع أطراف من الوفد العراقي والروسي ؟!.2- العراق لديه المال وروسيا لديها الصناعة والعراق حر بما يريد ان يشتري من هذه البضاعة أو تلك الدولة فهل هناك حاجة الى طرف ثالث للتوسط بين الطرفين؟!.3-اذا كان رئيس الحكومة العراقية (المالكي) غير قادر ولم يفرض سيطرته بالكامل على أمور البلاد التي تعمها الفوضى والفساد ويعيش حالة من الصراع السياسي مع بعض الأطراف السياسية ويمكن بسبب ذلك أن تمر الصفقات المشبوهة من يمينه أو يساره! ولو أن الحقيقة هي غير ذلك تماما! حيث أن بعض مراكز الأبحاث العالمية المحايدة تصف المالكي بالرجل الذكي والقوي والصبور والعنيد وأستطاع كبح جماح معارضيه وتحجيمهم في الكثير من المواقف!. فهل الرئيس الروسي (بوتين) هو أيضا بهذا الضعف وعدم السيطرة أيضا وأوضاع بلاده تعيش حالة من الفوضى والفساد والأنفلات كما في العراق ويمكن ان يتجرأ أحد من أعضاء وفده أن يتقاضى عمولة عن الصفقة؟! سيما المعروف عن الرئيس (بوتين) بأنه رجل مخابرات سابق ويتمتع بقدرات عالية من الذكاء والفطنة والقوة وهو أيضا يمثل كابوس مقلق لأمريكا لأنه يريد أن يضع حدا لأستهتارها وتلاعبها بمقدرات الشعوب بعد أن تفردت بالعالم وأستقوت كثيرا بعد أنهيار الأتحاد السوفيتي السابق عام 1990 .4- المعروف في عالم الصفقات المشبوهة تحدث عندما تكون هناك بضاعة أيا كان نوعها عسكرية أو غير عسكرية تتسم بالرداءة وعدم الكفاءة اوبضاعة ومواد ممنوع ومحظور تداولها بسبب من القوانين الدولية عند ذلك يقوم أشخاص لهم باع طويل وأسطول من العلاقات بتمريرتلك الصناعة أو المواد الى الطرف الراغب بشرائها مقابل عمولات مالية. مثال ذلك:عندما كان العراق يخضع للحصار الأقتصادي بعد أجتياح الكويت (1990- 1991 ) أستطاع شراء الكثير من المعدات الصناعية بأثمان مرتفعة وبصفقات عن طريق أطراف خارجية ونفس الشيء أستطاع ان يبيع نفطه عن طريف أطراف خارجية ولكن بأثمان رخيصة . 5 –العراق بعد سقوط النظام السابق رفعت عنه كافة العقوبات الدولية وأصبح حرا فيما يريد أن يشتري او يبيع . فهل هناك حاجة الى وسيط في أبرام الصفقة حسب ما روجت عنه وسائل الأعلام بأن هناك شخص تركي مقيم في بيروت هو من رتب الصفقة؟!.
إذا السؤال :لماذا ألغيت الصفقة وتم غض النظر عنها؟: لاشك في أن العراق وباقي الدول العربية أصبحوا من حصة أمريكا وتهيمن عليها سياسيا وأقتصاديا وعسكريا (العراق بعد عام 2003 ودول الخليج هي أصلا ترزخ تحت الهيمنة الأمريكية منذ عقود طويلة أما باقي دول المنطقة فأصبحت رهينة للسياسة الأمريكية بعد أحداث الربيع العربي.). أستثناء من سوريا التي لا زال نظامها يدافع عن بقائه بمساعدة من روسيا والصين وأيران وحزب الله (عسكريا مخابراتيا لوجستيا ).إذا من حق أمريكا أن تدافع عن مصالحها وخاصة بالعراق الذي يعتبر عقد اللؤلؤ! وأثمن ما حصلت عليه في المنطقة منذ اربعينات القرن الماضي ولحد الآن لما يمتلكه من موقع ستراتيجي وموارد نفطية كبيرة، فمن الطبيعي أن لا تسمح لروسيا أو غيرها من الدول للأضرار بتلك المصالح ثم هل يعقل أن أمريكا بعد أحتلالها العراق وما خسرته من أموال طائلة ومعدات عسكرية وخسائر في الأرواح قاربت 5000 عسكري أن تسمح لروسيا أن تأخذ منها صفقة سلاح بقيمة(2/4) مليار دولار والتي تعد من الصفقات الكبيرة؟!.
بالمقابل أن روسيا لا زال لعابها يسيل على العراق ! وتتذكر ذلك الزمن الذي كان العراق يمثل أحد ركائزها القوية في الشرق الأوسط لذا هي تحاول أن تجد لها موطيء قدم في العراق من خلال عقد أية صفقة كانت عسكرية أو نفطية أو غيرها(شركة غاز بروم الروسية فازت بعقد في حقل بدرة النفطي وبنفس الوقت لديها عقود عمل نفطية في أقليم كوردستان). وعليه أن أية خطوة تقدم عليها الحكومة العراقية على الصعيد السياسي والأقليمي والدولي أن كان لعقد صفقات شراء أو حتى زيارات رسمية تكون تحت انظار ومراقبة ومتابعة الأمريكان!.
من جانب آخر اراد الرئيس (المالكي) بزيارته لروسيا أن يبعث برسالة لأمريكا بأن العراق دولة ذات سيادة رغم( أنه لا زال يخضع تحت عقوبة الفصل السابع) وبأنه يمتلك الحرية في أقامة علاقاته وتعاقداته الخارجية ومنها تنويع مصادر سلاحه وكذلك أراد أن يحاول فك الحصار والضغط الأمريكي عليه!. ولكنه نسي أن ذلك يعتبر تجاوزا للخطوط الحمراء !! من زاوية النظر الأمريكية ، حيث أن امريكا ترى أن روسيا تقف ندا لها وفعلا بدء العالم يستشعر بوجود حرب باردة بين أمريكا وروسيا كالتي كانت أبان فترة الأربعينات ولحين أنهيار الأتحاد السوفيتي 1990 من القرن الماضي (، هذا أضافة الى أن روسيا تمتلك علاقات طيبة مع أيران وتدعم سوريا على الصعيد الدولي بل تعتبر أن حرب سوريا هي حرب روسيا!تصريح لافروف وزير خارجية روسيا) في الوقت الذي ترى فيه أمريكا ومن وجهة نظرها أن هذه الدول ومعها حزب الله اللبناني هي من الدول الداعمة للأرهاب. كما فات على رئيس الحكومة (المالكي) بأنه مهما بلغ الصراع بين هذه الدول ( روسيا – أمريكا) على مصالحها فهناك أتفاقات سرية فيما بينها هذه لك وتلك لي! ولا أحد يتجاوز على الاخر!( كما في الأتحاد السوفيتي السابق الذي كان يتقاسم العالم مع أمريكا بأتفاقات سرية). وعليه فالأمريكان لا يسمحون بمرور مثل هذه الصفقة للأعتبارات التي ذكرناها سابقا أضافة لخوف أمريكا من أمكانية ان تذهب الكثير من مفردات هذه الصفقة الى سوريا؟!.لذلك سرعان ما جاء الرد الأمريكي وطائرة الرئيس (المالكي) لم تحط بعد على أرض مطار بغداد! حيث بدأت وسائل الأعلام تتحدث عن الصفقة وما فيها من فساد وعمولات واطراف خارجية! وتم أخراج الصفقة بسيناريو أعلامي رهيب ومحبوك ظلت تطبل له وسائل الأعلام العربية والمحلية . ولا بد لمثل هكذا لعبة سياسية أن يكون لها ضحايا وكان (علي الدباغ) الناطق الرسمي للحكومة العراقية ضحية هذه اللعبة السياسية!.الحكومة العراقية من جانبها في محاولة لذر الرماد في العيون ولرد شيء من الأعتبار لما رافق الصفقة من لغط نشرت خبرا تداولته بعض الصحف أن الفريق (عبود كمبر) وهو ضابط كبير في القيادة العامة للقوات المسلحة بأنه سيذهب الى روسيا لعقد صفقة جديدة !! والخبر ليس له أساس من الصحة. أن أمر الصفقة انتهى وطواه النسيان بعد أن أخذ وقته الكافي في وسائل الأعلام. بعد كل ما ذكرناه لا بد أن نشير بأن المالكي لازال الشخصية الأكثر قبولا لدى أمريكا وأيران وهو ينتهج سياسة مسك العصا من الوسط اومحاولته لعب دور المهدأ في الصراع الأمريكي الأيراني وتقريب وجهات النظر بينهما بشأن موضوع الملف النووي وحتى في الموضوع السوري المعقد للغاية.وهنا لا بد أن نوضح بأن سياسة الأحتلال ومضامينه واحدة وأن تباعدت الأزمان أن كان أحتلالا بريطانيا أيطاليا فرنسيا أمريكيا فالخروج عن سياسة الأحتلال ومحاولة التصدي له والخروج عما يريده ويرسمه تكون نتائجه وخيمة! (وما أنتحار عبد المحسن السعدون رئيس وزراء العراق السابق في العهد الملكي عام 1929 ومن ثم الموت المشبوه للملك فيصل الأول عام 1933 في مدينة برن بسويسرا ثم بعد ذلك موت ولده الملك غازي عام 1939 في حادث السيارة الغامض كلها أثبتت وحسب الوثائق السرية التي تنشرها مراكز البحوث العالمية بين الحين والآخر بأنهم حاولوا الخروج على سياسة الأحتلال البريطاني أنذاك والمطالبة ببناء العراق وأعماره والنهوض به). وعليه نقول بعد كل ما ذكرناه بأنه لم تكن هناك أي شبهة فساد على الصفقة ! هذا أن كانت هناك صفقة تم أبرامها فعلا!! وهذا ما ذكره وزير الدفاع وكالة (سعدون الدليمي) الذي عقد في اليوم التالي من عودة الوفد مؤتمرا صحفيا ذكرفيه ( بأنه هو المسؤول عن الصفقة وأن كان بها أي شبهة فساد!! موضحا بأن الوفد لم يوقع أية صفقة! فقط تم معاينة الأسلحة المراد شرائها ولم ندفع فلسا واحدا!!، فلما كل هذه الضجة؟!). أخيرا نقول: أن أمر ألغاء الصفقة وتوقفها وما أثير حولها من لغط وكلام وشبهة فساد كله يدخل بفعل تدخلات خارجية ( عربية وأقليمية)لا تريد للعراق أن يعيد مكانته وقوته وأن يبقى دولة ضعيفة تعيش حالة من التناحرات السياسية والطائفية وأيضا من قبل أطراف داخلية تعيش حالة من الصراع السياسي الحاد مع شخص المالكي تحديدا والتي تحاول أسقاطه بشتى الطرق!.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat