نصب (الجبايش) الدولي!!
علاء البغدادي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
علاء البغدادي

بعد أن أوفت الحكومة بجميع عهودها ومواثيقها، وأدَّت ما عليها من إلتزامات تجاه مواطنيها للعراقيين الأحياء وعلى (24 حبّايه براسيتول)، حيث أنجزت جميع الخُطط الخُمسيَّة (والسُدسيَّة والسُبعيَّة والثُمنيَّة والتُسعيَّة) التي ساعدتها في إتمام البُنى التحتيَّة والفوقيَّة وفي مختلف قِطاعات الحياة، الأمنيَّة والإقتصاديَّة والصحيَّة والصِّناعيَّة والزراعيَّة والتعليميَّة والبلديَّة وحتى (العَلَيَّه والمو عَلَيَّه)!!
نعم، بعد أن أفرغت ذمَّتها تماماً وجعلتها نظيفة (مغسولة بصابون الحِصَّة سابقاً، لأنَّ هَسَه ما كو حِصَّة أصلاً)، وحقَّقت قفزة (وطفرة وشَبخة) نوعيَّة في تنجيز كافَّة إستحقاقات المواطنين الأحياء، سارعت إلى إنصاف المواطنين الأموات والإلتفات (لحد ما تنكسر الركَبه) إلى تكريمهم، إنطلاقاً من نظريَّة (الوفاء الجماهيريّ) التي أبدعها الزعيم عادل إمام، وعلى طريقة (إِخسر ثمَّ إِخسر حتى يُصدِّقك الناس) التي يعتمدها الحاج (زيكو) في قيادة المنتخب!!
ما فعلته الحكومة ليس ترفاً أو بَطَراً أو (خَمْطاً)، ولا يُمكن أن يكون مَدعاة للسخريَّة والتَهكُّم، فهي حريصة على تنفيذ أنجح البرامج والسياسات الإقتصاديَّة التي تُحافظ على ميزانيَّة الدَّولة وصَرفها بدقَّة متناهية وحَسَب مبدأ (المليار المناسب في الجَيب المناسب)، (وهنياله من باك وخفَّف) على إعتبار أنَّ إستراتيجيَّة (ما ننطيها) بعيدة الأمد.
لعل القارئ المسكين يتساءل: ماذا فعلت الحكومة؟ لأنَّني أمارس معه سياسة (التفحيط) التي يعتمدها السَّاسة معه، لكني سأفصح عمَّا قامت به الحكومة، وهو أنَّها أنشأت نُصباً تذكاريَّاً صغيراً بإسم (نُصب الشُّهداء) في قضاء (الجبايش) تخليداً لأرواح شهداء (الإنتفاضة الشَّعبانيَّة)، وقد بلغت الكُلفة الإجماليَّة للمشروع 23 مليار و200 مليون دينار عراقي فقط لا غير. ولا شكَّ أنَّه مبلغاً زهيداً جدّاً إذا ما قيس بتضحيات الشُّهداء الأبرار، الذين قدَّموا أرواحهم من أجل إقامة هذا النصب العَتيد.
النُصب الذي أُقيم في (الجبايش) والذي كلَّف أكثر من أربعة أضعاف ميزانيَّة القضاء، هو عبارة عن هيكل حديديّ على شكل قبَّة بارتفاع 36 متر، ويضمُّ أيضاً مدرجاً للطائرات المروحيَّة، لغرض إستقبال عوائل الشُّهداء (الفايخين كلّش) الذين سيتوافدون أفواجاً للزيارة (وأخذ المراد والعَلَك)، كما يحتوي على 98 قبراً رمزيّاً ومسجداً صغيراً.
أهالي قضاء (الجبايش) وبعض أبناء مدينة الناصريَّة استنكروا إقامة النُصب أو (النَصب)، إلاّ أنَّ حكومتنا ديمقراطيَّة جدّاً، فقد تركتهم يستنكرون (براحتهم)، وراحت سادرة في إتمام نَصبِها. أحد الأخوة قال لي: إنَّ هذا النُصب لا يختلف كثيراً عن (نُصب الشَّهيد) الموجود في بغداد، فلماذا يستنكرون ما كانت تقوم به الحكومة سابقاً؟ أجبته رافضاً المقارنة: إنَّ النُصب الذي أُقيم في بغداد والذي أبدعه المرحوم إسماعيل فتّاح التُرك، هو تحفة فنيَّة ومعماريَّة رائعة، بصرف النظر عن الدَّوافع السِّياسيَّة لإقامته، أمَّا نصب (الجبايش) فقد أنشأته شركة تركيَّة، وهو متواضع جدّاً على المستوى الفنيّ والمعماريّ.
إنَّ هدر المال العام بهذه الطريقة الفَجَّة والفاضحة، ما هو إلاّ إستخفافاً وإستهتاراً بمقدَّرات هذا البلد وأهله. ولا أدري أيّ تكريم وتخليد هذا؟ ثمَّ أنَّ الشُّهداء قدَّموا أرواحهم من أجل محاربة الفساد والمُفسدين والمحافظة على ثروات البلاد وإنصاف الناس وتوفير الحياة الحرُّة الكريمة لهم، وبالتالي كان الأحجى على الحكومة أن تستثمر أموال هذا النُصب في تطوير قضاء (الجبايش) الذي يفتقر لأدنى الخدمات، ففيه الكثير من المدارس الطِّينيَّة ونقص واضح في الخدمات الصحيَّة وشِّحة الماء الصالح للشرب وضعف المنظومة الكهربائيَّة، وكان بالإمكان أن تُساهم هذه المليارات في إنعاش (البُنى التحتيَّة) للقضاء، وهذا ما سيعمُّ بالفائدة الحقيقيَّة لعوائل الشُّهداء، وهو أفضل وأجمل أنواع التكريم لهم، ولو حصل ذلك، لكانوا الآن مطمئنين بسِّلام، أمَّا والحال هذا، فأظنَّهم الآن يلعنون اليوم الذي جعلهم يُضحِّون فيه بأرواحهم تاركين أهلهم وبلدهم، شِّعاراً يرفعه السُّراق والنَّهابين والسّاسة الـ(نص ردن)، الذين لا يرون أبعد من أرانب أنوفهم.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat