بينما نحن نتخلى عنهم الامم تقدس ابطالها
القاضي منير حداد
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
تحت مياه الطوفان تختفي اشباح الغابة، اذ ان الطائفة الارمنية، في الدين المسيحي، تضيف ثلاثة حروف الى نهاية الاسم، هي الالف والياء والنون، يعني من كان اسمه جمال كريم، يسمى (جمال كريميان) وابنه سلام يسمى (سلام جماليان) تخليدا لثلاثة ابطال ارمن، استشهدوا خلال المذابح الشهيرة التي اوقعها الاتراك بالارمن.
ظلت الذاكرة الارمنية.. على مر الاجيال.. وفية لابطالها، وكذا تفعل الامم، الا نحن في العراق، نتنكر لمن سفحوا اعمارهم، في الماضي القريب، لسقيى ورود المستقبل.. ورود كانت ستتفحم لو لم يدام نسغ انتعاشها بروح الحياة التي غرسها الشهداء.. الاحياء منهم والاموات.
فالدولة العراقية.. بتعاقب حكوماتها.. الملكية والعسكرية والحزبية والطاغوتية الغابرة، والديمقراطية الراهنة.. لم تفِ للابطال الذين افنوا وجودهم في وجود العراق، تركتهم للقدر، مجردين من الحماية والضمانات الحياتية، بمجرد وقوع خلاف ما، بينهم واصحاب القرار، فيحالون على التقاعد او يلزمون بالاستقالة او يستغنى عن خدماتهم، مكشوفي الجانب امام الاعداء الذين ناصبوهم الثأر جراء الالتزام بالولاء للدولة، والدولة لم تولهم التزاما.
ثمة اناس من مواقع وظيفية.. مدنية او عسكرية.. عملوا باخلاص لاداء الواجب، ما ادى الى ضغائن حملها المجرمون ضدهم، وظلوا يتربصون بهم، طالما هم متمترسين وراء حمايات مدججة بقوة الدولة، الا انهم يصبحون صيدا سهلا، عندما تتخلى عنهم الدولة.. بذنب او من دون ذنب.
الدولة ملزمة بحماية من عملوا جادين في خدمة شعبهم، سواء اكانت راضية عنهم، ام غير راضية، وهم يغادرون موقع الوظيفة.
الحماية يجب ان تشمل سلامتهم الجسدية وعيشهم الكريم، مع اشعارهم بضرورتهم، ولو من باب الايهام الانساني النبيل؛ كأن يكلفوا بكتابة تحليل لمباريات الدوري، اذا كانوا رياضيين، او اعطاء تقييم للاجراءات التحقيقية اذا كانوا قضاة او رجال قانون، والامر ذاته يسري على الميادين الوظيفية كافة، في الطب والجامعات والصناعة والعسكر والداخلية وسواها، بحيث لا يهمل المبدعون والابطال ومن هو على شاكلتهم في العطاء.
عدم اهمال المبدعين، ليس فقط وفاءً لهم، انما هو استثمار لتراكم الخبرة التي استحصلت بجهد ووعي استثنائيين، على مديات طويلة من مسبحة الزمن التي انتظمت السنين خرزات معلقة بخيطها؛ فلا تفرطوا بالنبيذ المعتق، تحت سراديب روما القديمة منذ مئات القرون...
التخلي عمن خدم العراق، بعد طول خدمة، تعرض للاهوال في ادائها، يجعل علاقة الدولة بموظفيها، مثل علاقة العصابات بالقتلة المحترفين، ما ان يسقط او يصاب جريحا، حتى يجهزوا عليه؛ كي لا يدل عليهم اويفشي اسرارهم.
فليس لزاما على دولة العراق ان تضيف الحروف الاولى من اسماء ابطالها الى هويات الاحوال المدنية انما تتفقد احوالهم ولا تتركهم تحت رحمة من سبق ان اعتقلوهم لحفظ هيبة الدستور والدستور لم يصغ فقرة قانونية واحدة لحفظ حياتهم ازاء المجرمين، بعد تجريدهم من مميزات المنصب، بالتقاعد او الطرد المهين؛ فـ (تحت مياه الطوفان تختفي اشباح الغابة).
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
القاضي منير حداد

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat