صفحة الكاتب : فراس الغضبان الحمداني

أسرار الانهيار الأمني في دولة العراق الديمقراطية
فراس الغضبان الحمداني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
بعيدا عن الأجندات المسيسة والمؤدلجة وانطلاقا من حرصنا على امن المجتمع وسلامة مسار العملية السياسية نقول ونكرر القول بان الأجهزة الأمنية العراقية بحاجة ماسة لإعادة هيكلتها وتطهيرها من العناصر الفاسدة وغير المؤهلة لان البلاد مهددة بالانهيار الأمني الكامل والمهمة لا تحتاج عبقرية فذة أو اختراع نظريات لكي نكشف أسرار الأزمة الأمنية ومعرفة سبب كل التداعيات التي تزهق نتيجتها المئات بل الآلاف من الأبرياء ومقابل ذلك انتعاش قوى الإرهاب وتصعيدا لمعنوياته وتشجيعه على توزيع ضربات نوعية إلى قلب الأجهزة الأمنية والانتقال إلى إسقاط هيبتها بنظر العالم والمواطنين كافة .
ولعل الأسباب الحقيقية لهذا الضعف الأمني متعددة ولم تعد سرا عند الذين يتابعون بدقة الملفات الأمنية على الأرض وليس المعلومات الكاذبة التي تقدمها قيادات هذه الأجهزة إلى القائد العام للحفاظ على مراكزها ومناصبها من خلال تزوير الحقائق وعدم الاعتراف بالفشل والاستمرار باتخاذ الإجراءات الغبية والتقليدية التي تزعج المواطنين وتقيد حركتهم ولا تستطيع أن تمنع الإرهاب من حرية الحركة واختيار الأهداف بالتوقيتات التي يريدها . 
ويمكن إن نوجز أسباب العجز الأمني بالاتي :
أولا : ضعف الجهد الاستخباري في الداخل والمخابراتي في الخارج والذي يفترض أن يمتلك القدرة على رصد الإرهاب وهو في لحظات الشروع الأولى من خلال المتابعة البعيدة قبل دخوله الحدود من خلال تهديد أوكاره في الداخل ومفاجئته بعمليات استباقية قبل التنفيذ وهذا ما يطلق عليه الخبراء الأمنيون بالأمن الوقائي وهو البديل عما يحدث الآن من ردود فعل وإطلاق النار في الهواء وتشديد الإجراءات في الشوارع والساحات العامة بعد كل انفجار أو عملية إرهابية . 
ثانيا : غياب الخطط الاستراتيجية الذكية القادرة على التنبوء بالخطط الإرهابية قبل حدوثها أو إمكانية احتوائها بسرعة واعتماد أساليب حديثة ومفاجئة للعدو توقعه في كمائن ومصائد غير متوقعة .
ثالثا : ضعف التنسيق بين أجهزة الدولة بجمع معلومات دقيقة وتفصيلية عن محلات السكن والإقامة بكل أصنافها المدني والتجاري بحيث تكون مكشوفة أمام أنظار الجهات الأمنية لمعرفة الأوكار التي تتجمع بها البؤر الإرهابية وتستخدمها مخازن للأسلحة والذخيرة ومعدات التفجير ومكانا للانطلاق فظلا عن عدم اتخاذ إجراءات قاسية بحق أصحاب العقارات الذين يثبت إيوائهم لقوى الإرهاب والسبب يعود للرشا و للمحسوبية والمنسوبية  . 
رابعا : إن الكارثة الكبرى والوجه الآخر للإرهاب هو الفساد حيث تعاني الأجهزة الأمنية عموديا وأفقيا بوجود عناصر على استعداد كامل للتعامل مع الإرهابيين وتسهيل مهمة اختراقهم لكل الأهداف بما فيها الأجهزة الأمنية نفسها ويمتد الأمر في التواطؤ مع الإرهابيين عبر مراحل تحركاتهم وحتى بعد إلقاء القبض عليهم وهناك من يساومهم ويطلق سراحهم مقابل بضعة دفاتر خضراء يزداد عددها حسب نوع الجريمة ومستوى الإرهابي المعتقل ، ولا يقتصر الأمر عند هذه المرحلة بل يمتد الفساد إلى داخل السجون والمعتقلات فنسمع كل يوم عن صفقات مخيفة لتهريب اخطر المجرمين من خلال خيانة الحراس والمشرفين على السجون وبعد ذلك لا توجد عقوبات رادعة لهؤلاء الذين يخونون الواجب والأمانة .
  خامسا : أثبتت العديد من العمليات الإرهابية عدم جاهزية القوات الأمنية للمواجهة المباشرة مع الإرهابيين ويكفي أن نذكر ما حصل خلال الهجوم على مديرية مكافحة الإرهاب والتي يفترض أن هذه الدائرة تمثل النخبة الأمنية في البلاد وتمتلك أهم الوسائل لمكافحة الإجرام والإرهاب لكن الذي حصل إن بضعة إرهابيين تمكنوا من اختراق هذه المديرية وأمعنوا في قتل الجنود والحراس والضباط بسهولة واستمروا يقاتلون ويقتلون حتى جاءت قوات إضافية لإنهاء الموقف بعد خسائر جسيمة أولها الانهيار المعنوي حيث جعلت قيادات الإرهاب يشعرون بالقوة ويحلمون بتنفيذ عمليات اكبر داخل العمق ، ولعل التحليل العملياتي لهذه العملية يؤكد فشل الأجهزة الأمنية من وضع ابسط الخطط لحماية نفسها والفشل في التنبؤ بخطط الإرهابيين وعدم حسن التصرف خلال الاشتباك وهذا ناتج من وجود عناصر غير مدربة وضباط برتب مختلفة لا يمتلكون الحد الأدنى من الفهم العسكري والأمني لان اغلبهم من عناصر الدمج أصحاب الرتب الفخرية .
سادسا : تؤكد المعلومات المتداولة بان البعض من القيادات الأمنية وعناصرها الاستخبارية منشغلة بنشاطات تجارية حيث تراهم يتواجدون دائما في مكاتب الاستيراد ومكاتب الدلالة والعقارات ومعارض السيارات وهذا الانشغال يأخذ جل وقتهم وعميق تفكيرهم ويبعدهم عن واجباتهم الأساسية ناهيك عن وجود عناصر أخرى منغمسة في ملذاتها وشهواتها وعلاقاتها الجنسية مما يسهل وصول عناصر الإرهاب الى هؤلاء . 
سابعا : ضعف السيطرة والقيادة على التشكيلات العسكرية لان اغلب عناصر القوات الأساسية لا تخضع إلى انضباط عسكري صارم كون العديد من هذه القوات العسكرية والأمنية تعاني من تسرب جنودها وعدم الانتظام في الدوام ويصل إلى أكثر من 50 %  وحتى الغياب يتم بالتنسيق مع بعض الآمرين والقيادات مقابل التخلي عن نصف الراتب أو أكثر مقابل عدم الدوام وتسمى هذه العناصر بالقوات الفضائية .
ثامنا : إن الصراع السياسي أدى إلى خلافات عميقة أجلت عبر سنوات اختيار وزراء أمنيين ووكلاء حرفيين والإبقاء على قيادات ذات ولاءات حزبية وحسب المحاصصة السياسية وأدى هذا الأمر إلى ضعف القيادة والسيطرة على التشكيلات الأمنية وضعف الأداء وضياع المسؤولية لتعدد مراكز القوى ما بين الدفاع والداخلية وداخل الوزارتين أيضا . 
تاسعا : عدم مصداقية المواقف اليومية والتقارير الدورية التي ترفعها هذه التشكيلات للقائد العام وعدم وجود أجهزة خاصة ترصد تحركات القادة والآمرين للتأكد من كفاءتهم ونزاهتهم ومعرفة مدى تكريس جهدهم ووقتهم لعملهم الوطني ، لاسيما وان هناك معلومات تؤكد تعاطي بعض هؤلاء مع سياسيين ومتنفذين والبعض منهم وصل بهم الاستهانة بالواجب بالاستمتاع بسفرات سياحية خارج العراق نهاية كل أسبوع ولنا أن نتصور حجم كفاءة هذا التشكيل الأمني والعسكري الذي يقوده ضابط سياحي أو دمج او لربما من أصحاب الصفقات المريبة .
عاشرا : تعاني الأجهزة الأمنية من تضخم بالرتب العسكرية وعدم وجود الشخص المناسب في المكان المناسب وهناك من وصل إلى رتبة لواء خلال سنوات قليلة تعد أسطورية بحسابات التقويم العسكري ، وهذا التضخم بالرتب أدى إلى عدم احترام التسلسل العسكري وانسحب ذلك إلى هشاشة التشكيلات العسكرية والأمنية وعدم تماسكها من الداخل .
الحادي عشر : تعاني هذه المؤسسات أيضا من تضخم أعداد العناصر غير المؤهلة مع ضعف شديد في مستوى تدريبها وتعليمها وتثقيفها ووعيها الوطني  والسياسي والاجتماعي  مما يجعلها سهلة الاختراق والوقوع في مصائد الإغراءات أو الاستمالات التي تجيد العناصر الإرهابية في التخطيط لها لإسقاط هذه العناصر المغفلة في فخها بسهولة كاملة . 
ولعل هناك العديد من الأسباب لا يتسع لها هذا المقال ولا بد لنا قبل الختام أن نشير إلى أن العمليات النوعية للإرهاب لا يعود لعبقريتها بل لضعف أجهزتنا الأمنية ونرجو أن لا يفهم من هذا الكلام والإمعان في تحمل الأسباب إنكارنا بوجود عناصر وطنية كفوءة داخل هذه الأجهزة ولكنها بإعداد قليلة وتكاد أن تكون محاصرة ولا تمنح فرصة لإثبات كفاءتها وتأهيلها العالي لأسباب حزبية وأخرى تتعلق بالانتهازيين والوصوليين الذين يحجمون في طاقات هذه العناصر خوفا على مصالحهم ومناصبهم .
 
firashamdani@yahoo.com

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


فراس الغضبان الحمداني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/08/28



كتابة تعليق لموضوع : أسرار الانهيار الأمني في دولة العراق الديمقراطية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net