كتابات في الميزان
كتابات في الميزان

الحسد بين الحقيقة والوهم

كلنا يعرف الحسد وربما البعض منا يتحسس منه ويتشاءم من رؤية الحاسدين فاذا حددنا مفهوم الحسد فسنراه ظاهرة اجتماعية تحصل نتيجة مقارنة شخص نفسه مع الآخرين وتمنيه ان يكون بمستواهم من حيث المال والصحة او عدد الاولاد وغيرها من نعم الله ولا يتمنى لنفسه حالات الشر مثل الفقر والمرض وقلة الأولاد أي الحاسد يحسد الآخرين في أمور الخير ولا يحسدهم في أمور الشر واذا ذهبنا ابعد في الكلام من حيث المفهوم اللغوي سنرى الحاسد يتمنى زوال النعمة من الآخرين ويكتسبها لنفسه انه حقد اعمي وهناك من لا يحسد بل يغبط وهو تمني النعمة والخير عند الآخرين ليكون له مثله وهذه حالة ايجابية .
وهذه الظاهرة موجودة عند كل المجتمعات فقد تقول الحكاية الروسية القديمة ان شخصين كانا متجاورين ، وكان كل منهما يحسد الأخر في صحته وماله وعياله... في احد الأيام ذهب احدهم الى الكنيسة وعاد منها وهو يقود بقرة ، استغرب الثاني واكل قلبه الحسد لذلك راح يستقصي ويستفسر عن سر هذه البقرة ، وقد علم ان جاره طلب من رب العالمين ان يهبه بقرة وقد استجابت دعوته وفي اليوم التالي قرر هذا الجار الحاسد ليذهب هو الأخر الى الكنيسة وتوقع الناس الذين يعرفون بموضوع المحاسدة بين الرجلين انه سيطلب ايضا بقرة من رب العالمين اسوة بجاره، ولكنه ما ان وصل الكنيسة حتى طلب من رب العالمين بعد الصلاة والتضرع ان تموت بقرة جاره . 
الحسد في الدين له أصل وقد ورد في القران الكريم ( قل اعوذ برب الفلق من شر ما غلق ومن شرغاسق اذا وقب ومن شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد اذا حسد ) كما ان الأمام جعفر الصادق (ع) قال لو نبش لكم ما في القبور لرأيتم اكثر موتاكم من الحسد .
ولقد قرات كتابا منذ سنوات سابقة يروي حادثة بان الرسول (صلى) كان قد رأي رجلا فقال عنه هذا من اهل الجنة دون ان يعلم ذلك الرجل بكلام الرسول وكان حاضرا عبد الله بن عمر بن الخطاب فلم يعلم الرجل بذلك  بل ذهب اليه وادعى بانه قد اختلف مع ابيه واراد ضيافة هذا الرجل ثلاثة ايام ، تفحص عبد الله سيرة ذلك الرجل عن كثب فلم يرى شيئا جديدا في عبادته فما كان منه الا اعلمه الحقيقة من ضيافته وانه اراد ان يرى السر من قول الرسول (صلى) عنه بهذه المكانة المرموقة فقال له الرجل صحيح ان ما اعمله في عبادتي انتم تعملونه ولكن ما ان رأيت نعمة عند احد الا وتمنيت بقاءها عند ه فقال له عبد الله هذا الذي ليس عندنا .
ان ظاهرة الحسد في المجتمع العراقي لم تكن منتشره الا في السنوات الاخيرة نتيجة التمايز الطبقي الذي اعتمده النظام السابق بين فئات المجتمع العراقي فهناك تصنيفان اغنياء وفقراء وبعد سقوط النظام استفحلت هذه الظاهرة مما جعل الكثير من الفقراء يحسدوا الأغنياء ويتجاوزوا على أموالهم حتى انتشرت ظاهرة (الفرهود والحواسم ) والذي طالت المال العام لمؤسسات الدولة عموما وهذا ما ساعد على نمو طبقة طفليه بالأصل كانت لاتملك شيئا وحاسدة لنعمة الآخرين والان امتلكت المال والجاه والنفوذ واصبحت تتحكم في مصير الناس .
كفنا الله واياكم شر الحسد والحاسدين .

الوهم والحقيقة.jpg



التعليقات

لا توجد تعليقات على هذا المقال بعد. كن أول من يعلق!