عندما استعلى وتظاهر هشام بن عبد الملك بعدم معرفته لعلي بن الحسين ( ع ) انبرى له الشاعر المنصف الفرزدق بقصيدته المشهورة والتي يقول في مطلعها :
هذا الذي تعرف البطحاءُ وطاته ...
والقصيدة من روائع الشعر العربي وتستحق ان تعلق بالذهب والياقوت على أبواب الكعبة ولقد ارخ هذه الحادثة جميع المؤرخين حيث قالوا ( لما حج هشام بن عبد الملك، فطاف وجهد أن يصل إلى الحجر ليلمسه، فلم يقدر عليه من كثرة الزحام، نصب له منبر وَجلس عليه، ينظر إلى الناس ومعه جماعة من أعيان اهل الشام.
وفيما هو كذلك إذ أقبل زين العابدين(ع) ، وكان من أحسن الناس وجها واطيبهم أرجا، فطاف بالبيت، فلما انتهى إلى الحجر، تنحى له الناس، وانشقت له الصفوف، ومكنته من استلام الحجر، فقال رجل من أهل الشام: من هذا الذي هابه الناس هذه الهيبة ؟! فقال هشام: لا أعرفه ( مخافة أن يرغب فيه أهل الشام ). وكان الفرزدق الشاعر حاضرا، فقال: أنا أعرفه! فقال الشاميّ: مَن هذا يا أبا فراس ؟ فقال الفرزدق واطلق قصيدته الشهيرة العصماء.
هذا الذي تعرف البطحاء وطاته.. والبيت يعرفه والحل والحرم
هذا ابن خير عباد اللّه كلهم... هذا التقى النقي الطاهر العلم
هذا ابن فاطمة ان كنت جهنه.. بجده انبياء اللّه قد ختموا
هذا علي رسول اللّه والده... امست بنور هداه تهتدي الامم
فلما سمع هشام هذه القصيدة، غضب وحبس الفرزدق، فإنفذ إليه الإمام علي بن الحسين عليه السلام عشرين الف درهم، فردّها وقال: مدحتكم لله تعالى لا للعطاء، فقال الإمام عليه السلام: إنا اهل البيت، إذا وهبنا شيئا لا نستعيده، فقبلها ).
القصيدة درة من الدرر، وجهاد الفرزدق مع حكام بني أمية جهاد طويل وشاق، وقد استثمر كل إمكاناته وقدراته البلاغية والشعرية في التصدي للظلم والطغيان والدكتاتورية
لقد كرس الفرزدق كل حياته لنصرة المظلوم والوقوف بحزم قبالة الظلم والاضطهاد ، وهو يعلم مسبقا إمكانية تطبيق الخليفة الأموي لاقصى العقوبات بحقه، ورغم ذلك فقد هجا طاغوت زمانه بقصائد كثيرة مما دفع هشام إلى إخراجه من السجن خوفا من لسانه .
نعم إن التاريخ يخلد العظماء والشعراء والذين يتركون بصماتهم على الزمن، لكن يخلد المسيئين باللعنات وتتضاعف عليه السيئات وترافقه الملامة طول الدهر واما المصلحون من امثال الفرزدق، فإنه يخلد اسمه عبر مدار التاريخ باحرف من نور، ويضاعف اللّٰه له الحسنات في الدنيا والآخرة .
ختاما نقول: ما أحوجنا اليوم إلى تكاتف شعراء الكلمة الصادقة للوقوف بقصائدهم واشعارهم قبالة الهجمات التي تحاول النيل من مقدساتنا والإساءة إلى مراجعنا وعلمائنا وديننا الحنيف.

التعليقات
لا توجد تعليقات على هذا المقال بعد. كن أول من يعلق!