النبي عيسى عليه السلام والموت (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ)
نادرة المرهون
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
نادرة المرهون

ذات ليلة أطالت مريم الصلاة والابتهال، واستدامت في التسبيح والإشراق، حتى انفصلت عن كل ما حولها، اتصلت روحها بالسماء، كانت تردد الآيات التي تمجّد الخالق في عظمته، تتلو الابتهالات وتفيض عليها عزة وكرامة.
بينما هي غارقة في ذلك الإشراق، تسبح في تأملاتها إذا بخلجات شديدة تهزُّ جسدها... واضطرابات قوية تحرك نفسها، فتسترجع وجودها، وتتملّكها الرهبة، وجاء الصوت... لا تخافي ولا تحزني (إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ) إليكِ وقد بعثني (لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا).
وكان خلق عيسى عليه السلام المعجزة، وكانت الولادة المعجزة...
وتوالت المعجزات... كلها تدور حول محور الحياة (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّـهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّـهِ).
وكان ممن أحياهم عازر وهو صديق له، وسام ابن نوح... بإذن الله وغيرهما.
ومما يميز هذه المعجزات إنها في محور الطب الذي برع فيه بنو إسرائيل حينها "مداواة- إحياء - إبراء ".
وكأنه من تدابير ربِّ الوجود أن جعل هذه المعاجز تختص بالنبي عيسى "عليه السلام" الذي له ارتباط بالحجة "عجل الله فرجه الشريف" آخر الزمان لإحياء الوجود من جديد والتخلص من كل ما هو فاسد وضار.
وكما كانت ولادته ربانية أيضاً كان رفعه معجزة ربانية أيضاً... فهل مات أو قتل أو صلب أو رفع؟
(إِذْ قالَ اللَّـهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) ٥٥ آل عمران.
هو لطف التدبير وحسن التقدير من المولى جل وعلا.
وقيل في (متوفيك) أقوال:
١- أي قابضك برفعك من الأرض إلى السماء من غير وفاة بموت، وعلى هذا يكون للمتوفي تأويلان:
أحدهما: إني رافعك إليَّ وافياً لم ينالوا منك شيئاً، من قولهم توفيت كذا واستوفيت أي أخذته تاماً.
والآخر: إني متسلِّمك، من قولهم توفيت منه كذا أي تسلَّمته.
٢- إني متوفيك وفاة نوم ورافعك إليَّ في النوم ويدل عليه قوله تعالى (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ) ٦٠ الأنعام.
أي يميتكم لأن النوم أخو الموت، وقال الله تعالى: (اللَّـهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها) ٤٢ الزمر.
ثالثها: إني متوفيك وفاة النوم، عن ابن عباس ووهب قالا: أماته الله ثلاث ساعات، أما النحويون فيقولون هو على التقديم والتأخير أي إني رافعك ومتوفيك لأن الواو لا توجب الترتيب لقوله: (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) ١٦ القمر، والنذر قبل العذاب وعلى هذا يكون تقديره إني قابضك بالموت بعد نزولك من السماء.
وقوله (ورافعك إليّ) فيه قولان:
أحدها: إنِّي رافعك إلى سمائي، وسُميَ رفعه إلى السماء رفعاً إليه تفخيماً لأمر السماء، يعني رافعك لموضع لا يكون عليه إلا أمري.
والآخر: معناه رافعك إلى كرامتي، كما قال حكاية عن إبراهيم "عليه السلام" (إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ) ٩٩ الصافات، أي إلى حيث أمرني ربي، سمى ذهابه إلى الشام ذهاباً إلى ربه.
فعيسى "عليه السلام" قد رفعه الله إلى السماء وهو مازال حياً يُرزق، وقد أراد اليهود قتله، ولكنهم (ما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ، وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً) ١٥٧النساء.
فعيسى لم يُصلب ولم يُقتل وهل بعد كلام الله من كلام لبني الإنسان؟
فسلام عليه حين ولد وحين يموت وحين يُبعث حياً.
وكما اختلفوا في ولادته اختلفوا فيه بعد رفعه إلى السماء (فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ)، قال قائلون منهم: "كان فينا عبدالله ورسوله فرفع إلى السماء" وقال آخرون "هو الله " وقال آخرون "هو ابن الله"
عجباً للمسيح بين النصارى
وإلى الله والداً نسبوه
أسلموه إلى اليهود وقالوا
إنهم بعد قتله صلبوه
فإن كان ما تقولون حقاً
وصحيحاً فأين كان أبوه
حين خلى ابنه رهين الأعادي
أتراهم أرضوه أم أغضبوه
فلئن كان راضياً بأذاهم
فاعذروهم لأنهم وافقوه
ولئن كان ساخطاً فاتركوه
واعبدوهم لأنهم غلبوه
إذن لا بد للتسليم لتدبير الله بأن الله أراد أن يبقى المسيح حياً، ويأتي السؤال الأهم لم؟
ما لغاية من بقاء المسيح حياً يرزق ولم يمت كباقي الأنبياء؟
هناك غاية ربانية عظمى وهي إصلاح ما فسد، وقلب موازين الشر إلى الخير
وهذا يجرنا جراً إلى حيث يشخص الكون ببصره للأمل القادم، للجمال، للحياة الصافية المفلترة من الشوائب.
إنه الحجة المنتظر عجل الله فرجه الشريف، إنه اللهفة القادمة والعشق الأبدي، المسيح "عليه السلام" مذخرا لمساندته لتحقيق العدالة الربانية.
سيعود المسيح "عليه السلام" في آخر الزمان من أجل نصرة الإمام المهدي "عجل الله تعالى فرجه" وسيصلي صلاة الفجر خلف الإمام المهدي "عليه السلام" إشارة إلى خاتمية الرسالة المحمدية.
يا سيدي... تجول في خاطري الأفكار
يا سيدي... نفوسنا مظلمةٌ في وضح النهار
متى تعود قائماً؟
تصلي عند الكعبة
تطوف حول القبة
تدور في المدار
يا سيدي
متى تعود سالماً
يصلي خلفك المسيح
تمشي مع الخضر
في رحبك الفسيح
وحولك الأنصار
يا سيدي متى تعود غانماً
تحطم الأصنام
تعلِّقُ الفأس على كبيرها
وتهزم الكفار...
………………..
المراجع:
١-النور المبين في قصص الأنبياء والمرسلين/ السيد نعمة الله الجزائري
٢-قصص الأنبياء/ للإمام أبي الفداء إسماعيل بن كثير
٣- قصص الأنبياء في القرآن الكريم المختار من مجمع البيان الحديث
ج٧ / سميح عاطف الزين
٤- مجمع البيان في تفسير القرآن / الشيخ أبوعلي الفضل بن الحسن الطبرسي المجلد الثاني
٥- أعلام الهداية ج١٤ الإمام المهدي المنتظر عجل الله فرجه الشريف خاتم الأوصياء / المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat