مغانم الانتخابات وخفايا المستقبل السياسي
د . علي احمد الزبيدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . علي احمد الزبيدي

تُفسَّر الانتخابات البرلمانية في العراق غالبًا على أنها مجرد عملية لجمع الأصوات من الشارع العراقي، بغية الوصول إلى عالم مليء بالمغانم المادية والمعنوية، كالمال والسلطة والنفوذ.
ولهذا نرى الجميع يتهافتون على الترشح والفوز بالمقعد النيابي؛ فالهدف واضح للجميع: الظفر بهذا المنصب الذي يغيّر سلوك الشخص وتصرفاته، ويدفعه نحو عالم الصفقات والمقاولات السياسية.
إن ما يدور داخل قبة البرلمان بات مكشوفًا للجميع منذ زمن طويل؛ فالوضع هناك لا يعدو كونه عملية لتقاسم "الكعكة"، حيث يركض الجميع وراء المكاسب الشخصية.
والسبب لا يقتصر على المنصب وحده، بل يشمل ما يجلبه من أموال ونفوذ وإغراءات. كم من شخصية ادّعت الوطنية في الماضي وتدّعيها اليوم، لكن أحوالها تبدلت، واتجهت في مسارات تخالف ما قدّمته في برامجها الانتخابية، التي طالما نصّت على خدمة المواطن والدفاع عن حقوقه وإيصال صوته.
حتى المزايا التي يستخدمها النائب لكسب الجمهور ليست في حقيقتها دليل حب أو وفاء، بل مجرد تصرفات يُضطر إلى القيام بها، يُظهرها فريق إعلامي محترف يلتقط له لقطات مؤثرة في الشارع، قد تكسبه ودّ جزء من المجتمع. غير أنّ هذه الأفعال في حقيقتها وسيلة للاستمرار في حصد أصوات الناخبين، وضمان البقاء في "العز والترف" الذي لم يكن يحلم به في السابق، لكنّ الفرص سمحت له أن يصبح ذلك المسؤول المهم.
وليس بخافٍ على أحد أنّ الساحة السياسية شهدت صعود شخصيات كانت "تكاد لا تكتب"، لكنها اليوم، بفضل أموالها الاستثمارية، صارت "قادة سياسيين" لهم جمهور وحمايات وأصوات مؤثرة. ويا ليت هذه الأصوات المؤثرة كانت في صالح الشعب! لكنها ليست سوى حيل تُستغل لأغراض انتخابية بحتة.
فكيف بوزير ينتمي إلى جهة سياسية وحزبية ، وله منصب حكومي، عمل طوال الفترة السابقة على كسب ودّ الشارع ومحيط عمله، ثم يرشّح الآن للبرلمان مستفيدًا من كل ما رصدته له الكاميرات في كل مكان؟
متى سنرى مسؤولًا يعمل من أجل الوطن لا من أجل الحزب أو الكتلة أو الانتماء العرقي أو المذهبي؟ إنهم يستخدمون فرقهم الإعلامية لخداع المجتمع، فيما تكشف الاختبارات الحقيقية لتلك الوجوه السياسية أنهم لا يحظون بأي نسب تأييد عالية.
ولن يصوّت لهم إلا قلّة من أصحاب المصالح والطبقة الغنية الذين أصبحوا "وجهاء" بفضل تجنيدهم الآخرين من أجل السرقة وتحقيق مآربهم الدنيئة.
الدعايات والصور واللافتات وشهادات الشكر والتقدير والتعيينات والوعود... ما غايتها؟ أليس الأجدر أن تكون هذه حقوقًا أساسية للمواطن، لا مجرد أدوات دعائية انتخابية؟ أين الديمقراطية وحرية الرأي؟ أين "الكهرباء"؟ وأين "القرار الواحد" و"النظام"؟ من يقول بوجودها فهو واهم، لأن القائم إنما هو نظام يتبدل حسب المزاج السياسي، و"نقاط تشغيل" تعمل وفق ما يخدم مصالحهم.
ولماذا لا تُجرى الانتخابات في حرارة تموز أو لهيب آب؟ بل تُقام في فصل الخريف واعتدال الطقس، لتخرج الحكومة والوزارة قائلتين: "انظروا إلى الإنجازات"، والكهرباء مستمرة! والشعب ينسى سريعًا، ويركض بعضهم خلف "150 ألف دينار" يدفعها المرشح، أو "طبق دجاج وأرز"، أو حتى إغراءات لبعض النساء بالذهاب إلى صالونات التجميل لكسب شريحة الشباب من سن الثامنة عشرة والعشرين. فالمراهق يفكر بالوجه والفيلر والحاجب والتوريد... وما خفي أعظم.
إن استمرت الانتخابات على هذا النحو، فإن الدولة مهددة بالتمزق قريبًا، بسبب الصراع الداخلي والتدخل الخارجي. نصيحتي للمسؤول والمواطن معًا: فكّرا في حب وطنكما وتطوره فقط... قبل فوات الأوان.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat