صفحة الكاتب : علي ستار الربيعاوي

المدونة الشرعية: سند شرعي وقانوني لترسيخ العدالة الأسرية
علي ستار الربيعاوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

يُعد قانون الأحوال الشخصية رقم (188) لسنة 1959 من أكثر القوانين إثارةً للجدل في البيئة التشريعية العراقية، لما له من تماس مباشر بالحياة الاجتماعية والأسرية للمواطنين. وفي ظل التعديل الأخير الذي جرى بموجب القانون رقم (1) لسنة 2025، أُعيد فتح النقاش حول مشروعية اعتماد المدونة الشرعية كمصدر تشريعي بديل أو مكمل للأحكام الوضعية التي يقوم عليها القانون النافذ. هذه القراءة تسلط الضوء على إيجابيات هذا الاعتماد، من منظور شرعي وقانوني واجتماعي.

أولًا: مرجعية المدونة الشرعية من النصوص القطعية:

إن المدونة الشرعية المستندة إلى أحكام القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، تشكل مرجعية راسخة في تنظيم شؤون الأسرة، من زواج وطلاق ونفقة وحضانة وميراث، وهي بذلك تتسم بالثبات والشرعية التي لا تتغير بتغير الأهواء أو الأنظمة السياسية. على عكس القوانين الوضعية التي قد تتأثر بميول الأفراد والبيئة السياسية، فإن المدونة الشرعية تنهل من نصوص قطعية الدلالة والثبوت، مما يجعلها أكثر رسوخًا وأقرب إلى وجدان الأغلبية المسلمة في العراق.

ثانيًا: الانسجام مع الهوية الدينية والاجتماعية للمجتمع العراقي:

إن المجتمع العراقي، بتركيبته الدينية والمذهبية، يمتاز بارتباطه العميق بالمنظومة الإسلامية في فهم العلاقات الأسرية. وبالتالي، فإن اعتماد المدونة الشرعية في التعديل الأخير يُعد خطوة باتجاه تعزيز الانسجام بين القانون والواقع الاجتماعي والديني. وهذا من شأنه أن يعزز من احترام القانون وقبوله في أوساط المجتمع، ويقلل من حالات التنازع بين القناعات الدينية الشخصية والنصوص القانونية الملزمة.

ثالثًا: رفع الحرج عن السادة القضاة في اعتماد الأحكام الإسلامية:

لطالما وجد السادة القضاة في المحاكم العراقية أنفسهم أمام معضلة الموازنة بين النصوص القانونية الوضعية وبين قناعاتهم الفقهية المستندة إلى الشريعة الإسلامية، لا سيما في قضايا الأسرة ذات الطابع الشرعي البالغ الحساسية. وقد أدى غياب مرجعية فقهية مكتوبة ومعتمدة إلى خلق حرج عملي في توظيف النصوص الشرعية داخل الأحكام القضائية. ومن هنا، فإن اعتماد المدونة الشرعية يحقق فائدة جوهرية تتمثل في رفع الحرج عن السادة القضاة، من خلال توفير إطار شرعي وتقنيني واضح يُمكّنهم من الاستناد إلى أحكام الشريعة الإسلامية بصورة رسمية ومنضبطة، بما يُعزز من استقلال القضاء وارتباطه بثوابت المجتمع وهويته الدينية.

رابعًا: حماية الأسرة من التغريب القانوني:

في ظل تزايد الدعوات نحو علمنة قوانين الأسرة أو استيراد نماذج قانونية من أنظمة غير منسجمة مع البيئة الإسلامية، فإن العودة إلى المدونة الشرعية تشكل صمام أمان للحفاظ على خصوصية المجتمع الإسلامي، وحماية الأسرة العراقية من مظاهر التغريب القانوني التي قد تؤدي إلى التفكك والاضطراب.

خامسًا: دعم الشرعية الدستورية للتشريع الإسلامي:

ينسجم اعتماد المدونة الشرعية مع نص المادة (2) من الدستور العراقي لسنة 2005، التي تنص على أن “الإسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدر أساس للتشريع، ولا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابته وأحكامه”. بالإضافة الى نص المادة (41): "العراقيون احرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم وينظم ذلك بقانون". وعليه، فإن اعتماد المدونة في التعديل الأخير يُعد تطبيقًا صريحاً لروح الدستور والتزاماً بأحكامه.
إن المدونة الشرعية، بما تمثله من ثقل ديني وتكامل فقهي، تُعد أحد أهم الضمانات لإقامة عدالة أسرية قائمة على أسس شرعية راسخة، تُراعي فطرة الإنسان وتحفظ كيان الأسرة والمجتمع. ويُمثل التعديل الأخير للقانون رقم (1) لسنة 2025 خطوة متقدمة نحو ترسيخ هذا التوجه، في إطار دولة القانون والمؤسسات التي لا تتنازل عن مبادئها الدستورية وهويتها الإسلامية.

#المحكمة_الافتراضية


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي ستار الربيعاوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/09/15


  أحدث مشاركات الكاتب :



كتابة تعليق لموضوع : المدونة الشرعية: سند شرعي وقانوني لترسيخ العدالة الأسرية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net