مهنة الحدادة ودورها ببناء الشخص المستقيم
حسين شهيد
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
حسين شهيد

عندما يسألني احد الاشخاص اي الذكريات تعشقها وتتمنى عودتها ؟ هنا تظهر الابتسامة التي تجعل السائل يقول بداخله ان هذا لمجنون , اجيبه وانا مبتسم بان اجمل الذكريات والتي اتمنى ان تعود بكل لحظة هي ما كانت قاسية ومرّة بنفس الوقت , والسبب ان هذه الذكريات ماهي الا هدية لم ندرك قيمتها الا عبر مرور الوقت رغم وجعها في اول امرها , من بعد هذه المقدمة ادخل بصلب الموضوع العنوان الذي دونت به الموضوع ممكن عند الاغلب غير واضح بل ربما فيه نحو من الاستغراب ولكن بعدما نسرد بعض المعاني بقوالب حرفية يتضح المعنى المراد من هذا المعنى , في هذا العالم كل شيء له ثمن وعلى هذا لابد ان تعطي لكي تأخذ الثمن سواء كان هذا العطاء صالح ام غير ذلك بالتالي العوض يكون نفس الجنس بدون اي شك , بناء الذات ليس من الامور السهلة بل اشد الامور فكما ان البيت في بناءه يحتاج للجد وتحمل الصعوبات كذلك بناءالذات يجري عليها نفس الامر لكن بشكل معنوي , مهنة الحدادة من المهن التي فيها الكثير من العبر والدروس , وطالما اضع هذه المهنة بشكلها المعنوي امام الطريق الذي اسير فيه , في هذه المهنة يوجد ثلاثة اطراف احدهما الحداد والاخر الحديد وثالثهما العلاقة بين الحديد والحداد , في هذه المهنة الحداد عليه ان يتعامل مع الحديد لان مهنته تختص به وعلى هذا يجب ان يقوم الحداد بجلب الحديد وتقطيعه وفي بعض الحالات لصهره لتغير شكله من حال الى حال , وعند الصهر يحتاج الحداد للطرق على الحديد وهو بقمة الحرارة لتعديل الجوانب التي ليس على ما يرام , الجميل في هذه المهنة ان الحديد رغم صهره وتقطيعه والطرق عليها يبقى حديد بخلاف الطرف الاخر اي الحداد ربما اليوم حداد وغداً بناء , الامر الاخر الحداد من يحتاج للحديد وليس العكس فلولا الحديد لما عمل الحداد , هذه الصور المادية من مهنة الحدادة انقلها بشكل فني معنوي بالامر الذي اريد بيانه وهو ذات الفرد , الانسان المستقيم الذي يعي معرفة نفسه ويدرك المسؤولية التي تقع عليه هو بمثابة الحديد , وطبيعة مشروع هكذا انسان يمر بعقبات ومحن وازمات لابد ان يمر
بها لكي يعي جمال الطريق الذي يريد ان يبتغيه , فزليخا ويعقوب النبي مروا بهذه الصورة من خلال آلام العشق , حيث الزمن طرق عليهما بايامه , والقريب لم يتركهما بشأنهما ولكن مع ذلك وصلت زليخا لمبتغاها ويعقوب النبي عليه السلام كذلك , فلا تتصور ان الايام والاشخاص تمر كما تشتهي النفس على العكس من ذلك , وهنا اود ذكر امر مهم للغاية وهو ان اشد الطرقات والحرارة لا تأتي من البعيد بل من القريب , رغم ان الحديد كان مصدر عيش للحداد الا انه كان في كل يوم يقوم بطرقه وتقطعيه , هذا الكلام ليس من السهولة هضمه , فهناك فئة نادرة من الخلق عجيب امرها , تجدها في الظاهر تزرع الخير مع الكل وترسم على وجوهم الابتسامة ويقضون كل اوقاتهم لاحتواء الاخرين لايصالهم الى اعلى مراتب الخير ولكن عندما ترجع الى دواخلهم تجدها عبارة عن جسد فيه اكثر من جرح وكل جرح لا يمكن ان يبرء بسهولة , اسباب هذه الجراح هو ان المقابل لا يدرك العمل والحب الذي يظهره هذا الفرد , بل يعتبره كعابر سبيل لا اكثر مع انه يقول له بلسان الحال نذرت وقتي لكي تكون اكثر سعادة وتفوق ؟ حياتك لا تستقيم الا بعد ان تذوق حرارة الصهر ولكن عليك ان تدرك ايها الفرد ان مهما عمل الاخرون وقاموا بالطرق عليك وتوجيه الاعمال الغير مدروسة الاثر عليك تبقى انت انت , فمثل هذه الجراح لا تتصور ان تنسى بل على العكس تعطيك الدروس والحكم والمقابل هو من خسر لانه لم يع قيمة الجوهرة التي بيده , اخلاص الشخص المستقيم وحبه لهم اكثر قيمة بل قيمة لا يمكن ان تقدر بثمن , فلا تبالي ان يأتي من كنت تتصور انه مرآة لك وبلحظة تكتشف انه ليس كذلك , بل على العكس ماهذا الامر الا صهر يجعلك ترتقي من درجة الى درجة , الضعف ليس له حيز لمن عرف طريقه بل كلما اشتد الالم وزادت الطرقات من القريب والبعيد كلما اصبح اكثر وقوة وصلابة , فالاحرى ان تعيش حالة التدبر وتجعلها ملكة بداخلك لتكون بلسم لتلك الجراح والتي حتى لو برءت ستبقى اثاراها , فالحداد كل الشدائد والعقبات وكلام الجارحين والحديد هي طريق الاستقامة والكمال , نسال الله سبحانه وتعالى ان يرزقنا حبه وحب من يحب وكل عمل يقربنا الى حبه بحق من يحب والحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على محمد واله الطاهرين .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat