كتابات في الميزان
كتابات في الميزان

أوكسجين الشفاه

 

بيني وبين رَشْفِ الشفاهِ عَلاقةٌ وَطيدةٌ، كتلك التي تَربطُ بَينَ غريقٍ وقاربِ نجاة، أو مَريضِ ربوٍ وبخَّاخِ أوكسجين... ؛  فكُلَّما ضاقَ صدري بِكابوسِ الهُموم، وتَسلَّلَ الهمُّ إلى خاطري كَسارقٍ في الظلام، أهرعُ إليها كهاربٍ مِن سجنِ الذات و وحشة العزلة وضغط الوحدة ، أو كابنِ سَبيلٍ يَئنُّ مِن عطشٍ قاتل، فإذا بِه يَرتَطمُ فجأةً بِوَاحةٍ تَفورُ بِمياهٍ عَذبةٍ، وتَتمايَلُ نَخيلاتُها حاملةً ثِماراً رَطِبةً كَقطراتِ ندى... ؛  يَغرفُ الماءَ بِكَفَّينِ مُرتعِشتَين، ويَلتهم التمرَ بِشَغَفِ مَن يَذوقُ الحياةَ لأولِ مَرَّة... ؛  هكذا أفعلُ أنا : ما إن تَلتقي عينايَ بِشفاهِها المُشرَعةِ كَبَوَّابةٍ لِعَالَمٍ آخَر، حتى أَهجُمُ عليها هُجومَ جَيشٍ مُنتشٍ بِنَصرٍ مُبين، لا أُفارقُها حتى يَتعَثَّرَ النَّفَسُ، وتَتسارَعَ دَقَّاتُ القَلبِ كَطَبولِ مَعركة، ويحمَرَّ الوَجهانِ كَأُرجُوانٍ نازف... ؛ حينَها أَترُكُها لِبَرهةٍ، كَمن يُلقي بِجَسَدِهِ المُنهَكِ عَلَى سَريرٍ بَعدَ عُبورِ صَحراء، ثُمَّ أَعودُ لِأرشفَها مَرَّةً تِلوَ الأُخرى، كَمَسافرٍ يَخافُ ألّا يَعودَ إِلى الوَاحةِ قَط... ؛ هكذا نَرقُصُ رقصةَ العَطشِ وَالاِختناق، حَتَّى يَشقَّ الفَجرُ جَبينَ اللَّيل، وتَتَحَوَّلَ الشفاهُ إِلى أُقحُوانةٍ  تفوح عطرا وتعطي المكان اريجا منقطع النظير , ينتشر عبقها كخيوط الفجر في الاجواء  ؛ لتملأ النفوس حبا وأملا وبريقا .

 

التعليقات

لا توجد تعليقات على هذا المقال بعد. كن أول من يعلق!