الإمام زين العباد (عليه السلام) ورسائله المبتغاة..حق الجار
منتهى محسن
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
منتهى محسن

رضا ولد مؤدب يهتم بدروسه ويجتهد في اداء واجباته بكل تفان واخلاص، فقد عاهد نفسه على الاتيان بأحسن الدرجات ارضاء لأمه الحنون، وتلبية لطلب والده المرحوم الذي غادره سريعاً إثر حادث مؤسف.
وفي يوم كان رضا كالعادة يدرس في غرفته، فإذا بصوت مذياع يرتفع من بيت الجار ابو سرمد، فراح رضا مستفسرا من أمه، فعلم بأن الأطفال لوحدهم في الدار، وها هم يعبثون دون رقيب.
أغلق رضا جميع الأبواب وجميع النوافذ، إلا أن صوت المذياع كان يتسلل بشدة ليسرق ساعات دراسته، فكر رضا ملياً، فحدث نفسه بأن بتصل بجده الطيب لعله يساعده اليوم في تحضير دروسه.
ما هي إلا ساعة حتى حضر الجد الى المنزل، حيث تفاجأ بصوت زعيق المذياع فدخل سريعا الى البيت، فسحبه رضا الى داخل غرفته، وهو يخبره بتأخره في تأدية واجباته المدرسيه، فقال له الجد يطمئنه: لا عليك حبيبي سأساعدك في هذا الأمر.
تابع الجد دروس رضا وانصرف بعدما لاذ رضا الى النوم، لكنه تنغص مرة اخرى فما ان وضع رأسه على الوسادة حتى تعالى صوت المذياع من جديد وسلب راحته.
حلّ الصباح وبانت اشعة الشمس تنسل خفيه الى غرفته، فاستيقظ رضا متعبا على دقات ساعته المنضدية، وغادر البيت ومازال النعاس يغلبه، وفي المدرسة انتبهت المعلمة على وجه رضا الشاحب، فاستفسرت عن ذلك، لكنه آثر على نفسه السكوت عازما على الانتقام من سرمد وأختيه؛ لأنهم معه في نفس المدرسة، فانسحب قبل الحصة الأخيرة بخفاء، واتجه صوب حديقة المدرسة، وطلب من العم جاسم (فلاح المدرسة) ان يساعده باصطياد بعض الحشرات: كالجراد والضفادع للاستفادة منها في مادة العلوم.
لبى الفلاح طلبه وسرعان ما حمل رضا الكيس المليء بالحشرات المقيتة، ودسها خلسة في حقائب سرمد وأختيه بان ورغد.. وفي الحصة الأخيرة تعالى صراخ بان ورغد، وفزعوا اشد الفزع.
بينما صرخ سرمد في اثناء محاضرة المدرس عندما قفز الضفدع من داخل حقيبته وحدثت فوضى كبيرة، سقطت الحقائب ونشرت الكتب والدفاتر ارضا وهرب التلاميذ خارج الصف.
شعر رضا بالندم والأسف، لكنه لاذ بالصمت، وعندما سأل جده عن كيف التكفير عن ذلك، نصحه جده أن يكون اكثر مسامحة، وأن لا يجعل غضبه يذهب بحلمه، كما طلب منه ان يذهب لتفقد صديقه سرمد وأختيه.
وأكمل الجد محدثا: لقد اوصانا نبينا الأكرم (ص) كثيرا بالجار، وحسن التعامل معهم لا يأتي بقبول اعمالهم السيئة فقط، وإنما بالصبر عليها، وهذا هو مفهوم حسن الجار.
انصت رضا لحديث جده بحياء، بينما استرسل الجد في كلامه حيث قال: أتعلم يا رضا ان هنالك حديثا رائعا لإمامنا السجاد (عليه السلام) حول حق الجار في رسالته الحقوق، حيث قال (عليه السلام):
"وحقّ جارك فحفظه غائباً، وإكرامه شاهداً، ونصرته إذا كان مظلوماً، ولا تتبع له عورة، فإن علمت عليه سوءاً سترته عليه، وإن علمت أنّه يقبل نصيحتك نصحته فيما بينك وبينه، ولا تسلمه عند شدائده، وتقيل عثرته، وتغفر ذنبه، وتعاشره معاشرة كريمة، ولا تدّخر حلمك عنه إذا جهل عليك، ولا تخرج أن تكون سلماً له، ترد عنه لسان الشتيمة، وتبطل فيه كيد حامل النميمة.. ولا حول ولا قوة إلاّ بالله".
(رسالة الحقوق للإمام زين العابدين عليه السلام).
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat