فريقنا الكروي نحو مشنقة الثورة
اسعد عبدالله عبدعلي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
اسعد عبدالله عبدعلي

تأخر احمد على التمرين على غير عادته, كان القلق يأكل اصدقائه, حيث الرعب يجتاح درابين المدينة, خصوصا ان اخبار الحرب التي قام بها صدام ضد الجارة ايران تثير الرعب, كل شيء تغير, لم تعد الحياة كما كانت بالأمس, حيث ينشط وشاة الحزب بملاحقة الناس, والمشانق في كل ساحة, لقد أصبح التردد على الجامع جريمة! واطالة اللحية خروج عن القانون, ومن دون محاكمات يتم السجن او الاعدام.
ساحة تدريبهم تقع قرب السدة, حيث مساحات ترابية يتدربون عليها, ان كرة القدم هي كل ما متاح للشباب من وسائل الترفيه, في بلد يحكم بالحديد والنار, كان الكابتن ابو الهيل اكثر شخص قلق فهو ابن خالة احمد, ويعرف كم ان أحمد طيب القلب, كان يردد "وجعلنا من بين ايديهم سدا ومن خلفهم سدا".. اتجه لباقي الاصدقاء وقال: اعرف ان احمد لاعب جيد, وقد تفتح له ابواب الاندية, خصوصا ان الكابتن ناطق اعجب بمهارته, وقد وعده بفرصة مع النادي الكبير.. المستقبل الرياضي ينتظره إن صبر والتزم".
كان ابو الهيل قلق ويكثر من الدعاء والتوسل, فاقترب منه اياد جخيور (وهو عامل في كراج) وقال له: يا صديقي لا تحزن, كلنا ارهقتنا الهموم, وضاقت بنا الدنيا بما رحبت, لكن قد يكون أحب الله أن يسمع صوتنا ونحن ندعوه... تبسم ابو الهيل لجميل كلام صديقه.
جاء احمد وهو يهرول, وهو يحمل حقيبته البيضاء على ظهره ذات العلامة "اديداس", اشتراها له والده الأسبوع الماضي قبل ان يلتحق بالجبهة, حيث يقيم صدام محرقة للاجيال.
اجتمع اصدقائه حوله يستفسرون عن حاله, كان يبدو متعبا, قال له الكابتن ابو الهيل: يا احمد .. هل انت بخير.. طمني عليك وعلى خالتي.
تبسم احمد: نعم انا بخير, لكن صداع شديد رافقني من الصباح الى العصر, والان افضل تقريبا.
جلس اللاعبون متحلقين حول الكابتن يتحدث لهم عن اهمية التمرين والالتزام الغذائي والنوم المبكر, فقال جليل: كابتن انا حلمت ليلة امس ان منتخبنا فاز بكأس العالم.
فضحك كل اللاعبون من حلم جليل, حيث منتخبنا خسر التصفيات مبكرا والتي جرت في السعودية, وعاد لبغداد قبل شهر.
فقال أحمد: سأحدثكم عن حلم عجيب حلمته ليلة امس, وتسبب بصداع شديد لي.
فاثارت مقدمة احمد فضول كل الفريق المكون من 18 لاعبا مع الكابتن ابو الهيل,
فصاح علاء ابو الجون (وهو طالب في الخامس الادبي): تكلم حمودي احب سماع القصص والأحلام, وكما يقول ابي دوما ستكون اشهر كاتب في العراق, بسبب ولعي بالقصص, وقد اجعل من حلمك رواية يقرأها الاجيال.
ضحك الجميع, فقاطعه مجيد فلافل (هكذا يسمه اصدقائه لانه يشتغل في دكان لبيع الفلافل): وصاح: هل في الحلم نساء.. فتيات.. وهل هن جميلات؟
ضحك الجميع من تعليقة مجيد ابو الفلافل, فالحديث عن النساء لا ينتهي.
ثم قال مهند احيال (وهو طالب في السادس العلمي): ذات مرة حلمت حلم مخيف, وقلت ساخبر به ابي عندما يعود, لكن أمي رفضت وبشدة. وقالت لي: يابني دائما إضحك في وجه أبيك عندما يعود إلى البيت, فالعالم في الخارج موحش ومخيف, فهل من المنطق ان تخيفه بحلمك المرعب وهو عائد من ذلك العالم المرعب, اعتقد علينا ان لا نبوح بالرعب بل نسكت.
رفض الجميع راي مهند وطالبوا احمد بالحديث عن حلمه..ثم اتجهت الوجوه نحو احمد لينطق, صمت الجميع منتظرين احمد ان يبوح بتفاصيل حلمه.
فقال احمد: شاهدت في الحلم رجال يلبسون الابيض وهم يزيحون صور صدام, حتى تلك الصورة الكبيرة في ساحة 55, حيث شاهدت بعض من هؤلاء الرجال وبالفأس يدمرون بناء تلك الصورة, والناس فرحة مستبشرة ترقص في شوارع المدينة, ثم ظهر بيان في التلفزيون, لكن ظهر مذيع ليس وجه المرعب مقداد مراد, بل مذيع بوجه بشوش وقال: مبروك للشعب العراقي تم إسقاط حكم صدام.
ارتعب الكل من هذا الحلم, وحل صمت مريب, فصاح الكابتن ابو الهيل: اسكت يا احمد ما هذا الكلام, لا تحدث احد بهذا الحلم, ارجوكم احبتي انسوا ما قاله احمد, انه مريض ويهذي, فقالوا امرك مطاع كابتن, وذهبوا للتدريب لكن الكل بحالة من القلق.
انتهى التدريب وذهب كل لاعب لبيته, وقف ابو الهيل مع احمد يعاتبه كيف يبوح بهكذا حلم أمام الفريق وهو حلم خطير.. فقال له: ألا تعلم اننا تحت حكم عصابة تكريت التي لا ترحم ولا تخاف الله؟ الا تعلم ان محمود بن الحاج عوفي تم اعدامه بتقرير خبيث من امرأة عجوز بنفس القطاع, نسيت عدد الوشاة بكل قطاع وهم يكتبون كل ما يسمعون لأجهزة الأمن مقابل بضعة دنانير, الا تعلم ان صدام وحش لا يرحم.
كانت ليلة ثقيلة على الكل, بعضهم حدث اهله بحلم أحمد, فمن منا لا يثق باهله, لم يلتزموا بتوصيات الكابتن ابو الهيل, وهكذا انتشر خبر حلم احمد, حتى وصل الى تفاصيل الحلم الى الفرقة الحزبية, فما هي الا ساعات وتم القبض على 18 لاعب وزجهم في السجن, بتهمة التأمر على قلب نظام الحكم, وهكذا ارتفعت قضيتهم لتعرض على محكمة الثورة التي فيها قاضي مجرم لا يعرف الرحمة, وهو عواد البندر, المتملق للرئيس صدام.
تم حبسهم اسبوع في التعذيب البشع, إلى ان تم ترحيلهم للمحكمة, لتبت المحكمة بقضيتهم.
دخلوا جميعا وهم مقيدون بالحديد, وجوه صفراء متعبة حزينة اثار التعذيب واضحة على اجسادهم!
قال القاضي البندر: من منكم الذي حلم الحلم؟
قال احمد: انا... لكن هو حلم وليس جريمة.
قال القاضي: بابا... اني اعرف هو حلم, وهو مدون أمامي في ملف القضية, لكن لولا أنك في عقلك الباطن تفكر بالأمر لما حلمت به.
قال أحمد: استاذ انا لا تتعدى افكاري كرة القدم.. وهو حلم وليس فعل, واعرف ان العقوبة تكون عن صدور فعل واقعي.
فشتمه القاضي لجرأته في رد التهمة.. ثم قال: أنتم مجموعة خطرة على البلد, فقد تقوموا مستقبلا بتنفيذ الحلم, لذلك قررت الحكم عليكم جميعا بالاعدام للحفاظ على العراق وقيادته الحكيمة.
تم إعدامهم صبيحة يوم ممطر, وتم امر اهل المعدومين بعدم إقامة مأتم, وإلا تعرضون للسجن.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملاحظة// الواقعة حقيقية حدثت في مطلع الثمانينات في زمن صدام (الزمن القبيح).
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat