كيف يحصل الطالب على معدل 100% في امتحانات السادس الإعدادي ؟!
باسل عباس خضير

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 لايزال موضوع تفوق الطلبة وحصولهم على العلامة الكاملة  100%  في امتحانات البكالوريا للسادس الإعدادي يشغل بال الكثير من الطلبة وعوائلهم وحتى التربويون ، فالبعض يعتبره من ضروب المستحيل والبعض يعتبره من الحظ او التوفيق والبعض يشكك ب ما يتم من بلوغه من درجات وتتعدد الآراء بهذا الخصوص ، وسبب انشغال المعنيين فيه انه أمر واقع بالفعل ومن مخرجات نتائج الامتحانات ، ففي امتحانات السادس الإعدادي للفرع العلمي للعام الدراسي  ( الماضي )  2023/ 2024  ظهرت 76  حالة بمعدلات 100%  من بين 700  إلف ممتحن ، كما ظهرت 171  حالة نجاح بمعدل  100%  في امتحانات الدور الأول من بين مليون ممتحن للعام الدراسي الحالي  2024 / 2025 ، وقد حصلت هذه الحالات  رغم ما تشهده الامتحانات من واقع متداول يتعرض للانتقاد من حيث ارتفاع نسبة غير الناجحين في الدور الأول والانخفاض العام للمعدلات ، فبعض الطلبة أصيبوا  بالصدمة والإغماء بعد توزيع أسئلة الامتحان لدرس ما والبعض الآخر اتخذ قرارا ب( التأجيل ) بعد توزيع الأسئلة بدقائق او بعد مباشرتهم بالإجابة عن أسئلة الامتحان ، حيث يلجأ البعض للانسحاب ويظهره كأنه ( تأجيل ) بتصفير إجاباته من خلال مسح ما تمت الإجابة عليه كلا او جزء خوفا من الحصول على درجة تعطل او تلغي طموحه في الحصول على معدل كبير ، ومعدل  ال100%  يناله الطلبة كل عام رغم  ما يدعيه الطلبة من صعوبة الأسئلة  وما فيها من ( لوفات ) وخروجها عن المنهج لبعض الحالات ، وكل ذلك يطرح تساؤلات في كيفية حصول بعض الطلبة على هذه المعدلات وهم من بيئات ومدارس ومديريات تربية مختلفة وليس من مكان  واحد بالذات .

ومن الناحية النظرية فان الحصول على هذا المعدل أمر مقبول وممكن وليس مستحيل  لان امتحانات البكالوريا فيها درجة عالية من الشفافية والموضوعية وتوضع لها أجواء موحدة ( تقريبا ) من حيث القاعات الامتحانية والتسهيلات وطرق تصحيح الإجابات وتدقيقها وغيرها من المتطلبات ، وإذا كان الأمر ممكنا فلماذا تظهر معدلات  100% بنسب محددة وليس بشكل واسع وهل تتعمد التربية في وضع أسئلة يصعب حلها إلا من قبل بعض الطلاب ؟! ، والتساؤلات كبيرة بهذا الخصوص وإجاباتها يمكن إجمالها بالتبسيط ، فالأمر لا يتعلق بالأسئلة فحسب وان كان من حق التربية إن تراعي الفروقات الفردية و مكافأة الجهود الحقيقية للطلبة الممتحنين  ، كما أن واضعي الأسئلة قد يراعون النتائج المتوقعة للطلبة وما يترتب عليها من انعكاسات ، ولنا أن نتصور ما يمكن أن يؤول أليه الأمر لو حصل 100 ألف طالب من الذين امتحنوا هذا العام على معدل 100% فكيف سيتم التنافس بينهم وكيف سيتم توزيعهم على التخصصات في الجامعات ونسبة كبيرة منهم يرغبون في الدراسات الطبية التي لا يمكن أن تستوعبها جامعاتنا بهذا العدد كونها خارج الموارد و الحاجة الفعلية للبلاد .

 ونود التحدث هنا عن ( السر) الحقيقي الذي  يكمن في الطلبة أنفسهم ومن يقف معهم من داعمين بطريقة ما ، فدرجة 100% هي محصلة او  دالة ( Function ( لعاملين أساسيين وهما الرغبة (Desire  ) و المقدرة (Ability  ) ، ولأنهما دالة  فان نتائجهما تحسب من خلال ضرب العاملين يبعضهما البعض  X  وليس بالجمع  + ،  والرغبة تعني من ضمن ما تعنيه دافعية الفرد وخلفياته النفسية وطموحة والجرأة والشجاعة ودرجة التحمل  وما تركه التاريخ والأحداث من نتائج في نفسيته وسلوكه ومقدار تأثره بنماذج الآخرين  وغيرها من الأشياء المتعلقة بقيمه وذاته ، أما المقدرة فإنها تشير إلى القابلية والقدرة والطاقة والخبرة وما يمتلكه الفرد من مؤثرات تتعلق بقدراته من حيث الاستعداد والمزاوجة والجمع بين الأشياء وما يمتلكه من خزين والسرعة في الاسترجاع وغيرها  ، وهذين العاملين يدركهما الكثير ولكن قد لا يحسنون إدارتهما بالشكل الصحيح وللتبسيط سنعطي الأمثلة ، فلو كانت رغبة الطالب ( الفرد ) هي 80  وقدرته 90 فان النتيجة هي 72 من حاصل ضرب العاملين ( 80 x 90 = 72 ) ، وإذا كانت رغبة الطالب 80 ومقدرته 50 فان النتيجة هي 40 وفيها لا يتم الوصول لدرجة النجاح 50 ، ويلاحظ بهذا الخصوص إن النتيجة لا يمكن أن تتعاظم بتفضيل عامل على غيره ، فإذا كانت رغبة الطالب 100 ومقدرته 60 فان النتيجة 60 كما لو إن الرغبة 70 والمقدرة 100 فان النتيجة هي 70 ، والحقيقة المهمة بهذا الخصوص إن المحصلة لا يمكن أن ترتفع إلا  عند رفع العاملين معا أي مع بعضهما البعض  ، فعند السعي لزيادة رغبة الطالب في الحصول على معدل عالي من خلال إغرائه بما يمكن أن يحصل عليه وما يتم توفيره له بحيث ترتفع الرغبة إلى 100 فانه غير كاف دون مراعاة رفع مقدرته ، ففي الرغبة 90 والمقدرة 70 تكون النتيجة 63 وعند رفع المقدرة إلى 80 تكون النتيجة 72 وعند رفعها إلى 90  تكون النتيجة 81 وحتى عند رفعها إلى 100 فان النتيجة 90 ، والحصول على نتيجة عالية لتكون 100 او قريبة منها فيجب رفع العاملين معا ، ويعني ذلك ضمنا إن الحصول على معدل 100%  يتطلب أن تكون الرغبة 100 والمقدرة  100 ، والوصول لهذا الهدف مرهون بادراك الطالب ومن معه لذلك والعمل عليه بالفعل وبشكل مؤكد وليس كافتراض او خيال  ، وبسبب عدم إدراك ذلك ( من قبل العائلة بالذات )  يتم الوقوع بأخطاء فالبعض ينشغل بإغراء الطالب وقطع الوعود وتوفير أكثر مما يحتاج إليه دون مراعاة رفع مقدرته للحد المطلوب ، كما أن هناك من يضغط على الطالب بالتدريس الخصوصي والسهر وزيادة وقت المذاكرة لرفع مقدرته دون الاهتمام برفع رغبته لأعلى الدرجات .

والسؤال المهم بهذا الخصوص ، هل إن الحاصلين على معدل 100% في امتحانات البكالوريا لهذا العام او قبله قد أدركوا تطبيق هذه المعادلات بشكل واعي وفعلي ، ونعتقد إنهم قد راعوا ذلك ضمنا بادراك داخلي او خارجي أي من أنفسهم او بمساعدة بيئتهم المحيطة سواء كانت العائلة او المدرسة او الأصدقاء او غيرهم  ، فالطلبة المتفوقين يدركون هم او / و بيئتهم  حاجتهم لرفع الرغبة والمقدرة للوصول للهدف المطلوب ، أما كيف نستفيد من ذلك للحصول على معدلات عالية ، فان ذلك مرهون بالطالب ومن يحيطه فالمهم المهم هو إدراك مقدار الحاجة للرغبة والمقدرة لإشباعهما ليكون الطالب بكامل الاستعداد والتصدي لكل الظروف ، ولا نستطيع أن نعطي أمثلة تفصيلية او إرشادات محددة بهذا الخصوص لأنها مسالة نسبية وتطبيقها يعتمد على درجة الوعي وطرق وظروف معالجة الأمور ، فالرغبة يجب أن تجعل الطالب قادرا  إطلاق المكنون من طاقاته وفي  المضي بكل ثقة وأريحية للامتحان ، والمقدرة تعني قدرته في التصدي لكل الصعوبات التي تواجهه في أداء الامتحانات ومعالجة بعض العقد التي تحويها الأسئلة هنا او هناك  ، وتلك الأمثلة استخدمت ( هنا ) بخصوص الحصول على العلامة الكاملة 100% للطلبة في الامتحانات ، ولكنها مفيدة و يمكن أن يوظفها الفرد وبيئته في الحصول على المعدل المستهدف بغض النظر عن الرقم المنوي  بلوغه ونوع العمل او الأداء Performance)   ) ، كما إن هذا الأمر لا يتعلق بالطلبة والامتحانات وإنما في بلوغ الأهداف ومواجهة متطلبات الحياة  ، ومن الضرورة اعتمادها بوصلة ومعين في تفسير العديد من الظواهر المتعلقة بسلوك الإنسان فردا او جماعات .

 

 

الموضوع السابق فلول الطائفية والدونية والبعث: خيانةٌ متجددة ومواجهةٌ لا بدّ منها

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat